All Writings
أكتوبر 17, 2022

مغالطة ربط الاحتلال بأمن إسرائيل

إن معارضة إقامة دولة فلسطينية من قبل العديد من الإسرائيليين تستند إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي، والتي من المفترض أنها تقدم مبررًا لاستمرار الاحتلال. والحقيقة هي أن الاحتلال نفسه – وليس دولة فلسطينية – يشكل أكبر خطر على أمن إسرائيل.

أصبح من المسلّم به بين عدد متزايد من اليمين الإسرائيلي أن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية سيشكل خطرا قاتلا على إسرائيل. لقد تعرضوا لغسيل دماغ على مر السنين للاعتقاد بأن الدولة الفلسطينية لن تصبح سوى مركزًا للمتطرفين الفلسطينيين، مثل حماس والجهاد الإسلامي، الذين سيطيحون بالحكومة التي يقودها فلسطينيون معتدلون، ويسيطروا على الضفة الغربية، ويرهبون إسرائيل بهدف محوها عن الخريطة. للأسف، إن لم يكن أمرا ً مأساوياً، فإن الغالبية العظمى من الـ 80٪ من الإسرائيليين الذين ولدوا بعد بدء الاحتلال في عام 1967 قبلوا هذه الرواية المضللة الخطيرة. لقد أصبحوا مخدرين للاحتلال كما لو كان حالة طبيعية للوجود بينما يتجاهلون تمامًا المعاناة اللاإنسانية والعبودية التي يعيشها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة.

السؤال المهم الوحيد الذي أريد أن أطرحه على كل إسرائيلي يعارض إقامة دولة فلسطينية هو: بما أن الاحتلال الوحشي قد استمر 55 عامًا ولم يتنازل الفلسطينيون ولو مرة واحدة عن حقهم في إقامة دولة خاصة بهم ، فلماذا يتنازلون عنها الآن وتحت أية ظروف ، ومن يستطيع إجبارهم على التخلي عن تطلعاتهم لإقامة دولة ؟ إذا لم يكن لشيء آخر ، فبفضل قسوة الاحتلال التي لا توصف ، أصبح الفلسطينيون الآن أكثر إصرارًا على تحقيق هدفهم الوطني أكثر من أي وقت مضى.

إن المغالطة التي تم تغذيتها للجمهور بأن دولة فلسطينية في الضفة الغربية ستشكل خطراً وجودياً على إسرائيل هي مغالطة لا أساس لها من الصحة كما أكد العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين مراراً وتكراراً. أولئك الذين يديمون هذه الرواية يسارعون إلى الاستشهاد بتجربة إسرائيل من انسحابها من غزة والتي حولت هذا الشريط من الأرض إلى مخيم للفلسطينيين المتشددين بقيادة حماس، والتي أصبحت تهدد إسرائيل بعنف منذ استيلائها على غزة في عام 2007 بعد مواجهة عنيفة قصيرة مع السلطة الفلسطينية.

الحقيقة المحزنة هي أن رئيس الوزراء آنذاك شارون كان يعلم أن حماس تتمتع بالسيطرة العسكرية على السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، سحبت إسرائيل قواتها على عجل وفككت مستوطناتها دون اتخاذ أي ترتيبات أمنية مع السلطة الفلسطينية التي كانت تحكم غزة في ذلك الوقت. وقد تم ذلك عن عمد لأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي تعود إلى رئيس الوزراء شامير ورابين أرادت أن تطبّق سياسة “فرق تسد” على الفلسطينيين من خلال المساعدة في إنشاء حماس باعتبارها “ثقلًا موازنًا” للعلمانيين ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بهدف تعزيز الأمن القومي.

الأمر المقلق للغاية هو أن الإسرائيليين اليمينيين الذين يمثلون ما يقرب من نصف السكان، يؤكدون أنه على الرغم من اندلاع العنف المتكرر ضد إسرائيل في الضفة الغربية، يمكن لإسرائيل أن تتعايش إلى أجل غير مسمى مع الوضع الراهن وأن التطلع الفلسطيني إلى إقامة دولة سو يتلاشى في النهاية. كما يجادلون بأن الدول العربية لم تعد معنية بالمحنة الفلسطينية ويشيرون إلى التطبيع المتزايد للعلاقة مع إسرائيل عبر اتفاقيات إبراهيم لدعم حجتهم.

هنا مرة أخرى، أي إسرائيلي يتبنى هذا الرأي مخطئ بشكل محزن. ففي حين ترغب العديد من الدول العربية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل لخدمة مصالحها، غير أن هذا لا يشير بأي حال من الأحوال إلى أنها لم تعد تهتم بالمشكلة الفلسطينية. إنهم يفهمون تمامًا أن استمرار الاحتلال هو قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، ويريدون إيجاد حل لمنع حدوث ذلك وتجنب عدم الاستقرار الإقليمي الحاد. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تتعامل ضمنيًا مع إسرائيل على عدة مستويات، إلا أنها ترفض بشكل قاطع تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم يتم حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حل الدولتين. وفي حالة حدوث أي حريق كبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يمكن للمرء أن يعتمد بأن كل الدول العربية ستقف إلى جانب الفلسطينيين، بغض النظر عما إذا كان لديها علاقات طبيعية مع إسرائيل أم لا.

العديد من الإسرائيليين الذين يزعمون أن إسرائيل تستطيع منع اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في الضفة الغربية بسبب وجودها العسكري وبفضل المستوطنات التي تعمل كخط دفاع أول، هذا إضافة إلى شبكة استخبارات واسعة في جميع أنحاء المناطق، هم مخطئون مرة أخرى. الانتفاضة الفلسطينية لا تحتاج إلى التخطيط المسبق. يمكن أن تندلع من حادثة عنف واحدة. لم يتوقع أي إسرائيلي اندلاع الانتفاضة الثانية أو أن تصبح حماس – التي أنشأتها إسرائيل – العدو الأعنف الذي يجلس على عتبة باب إسرائيل.

من المؤكد أن الاحتلال لا يوفر لإسرائيل “شظية” من الأمن – بل العكس هو الصحيح. التصعيد الأخير للعنف في المناطق يشهد على هذه الحقيقة المروعة. لن تعرف إسرائيل السلام حتى ينتهي الاحتلال. كما أن إنهاء الاحتلال سيسحب البساط من تحت إيران التي تعتبرها إسرائيل أكبر تهديد لأمنها القومي. ومع ذلك، لا أحد في قواه العقلية يقترح أن على إسرائيل ببساطة إنهاء الاحتلال والسير على الطريقة التي انسحبت بها من غزة.

يجب أن يستلزم إنشاء دولة فلسطينية تعاوناً كاملاً في جميع المسائل الأمنية، وهو الأمر الذي وافقت عليه السلطة الفلسطينية إلى حد كبير في مفاوضات السلام السابقة. وهذا يشمل دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتبادل المعلومات الاستخباراتية لاستباق أي أعمال عنف محتملة ضد بعضها البعض. مثل هذا الهيكل الأمني التعاوني في الواقع موجود بالفعل حتى في ظل الاحتلال وسيتوسع أكثر مع إنشاء دولة فلسطينية. وستقوم القوات الإسرائيلية – الفلسطينية – الأردنية بتسيير دوريات في وادي الأردن لمنع دخول المسلحين وتهريب الأسلحة. وقد تقدم إسرائيل التدريب والمعدات الأفضل لقوات الأمن الفلسطينية للحفاظ على النظام الداخلي.

ينبغي أن تقترن هذه الإجراءات الأمنية بتوسيع التعاون الاقتصادي بشكل كبير، وهو أمر في غاية الأهمية لأنه الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي. وينبغي أن يشمل ذلك زيادة كبيرة في التجارة والاستثمارات الإسرائيلية في مشاريع التنمية المستدامة، والتنمية المشتركة لمشاريع البنية التحتية الكبرى مثل المطار الإقليمي والطرق السريعة ومحطات تحلية المياه والشبكات الكهربائية لخلق وظائف ذات رواتب جيدة، هذا من بين العديد من الأعمال الاقتصادية والتعهدات الأخرى ذات الصلة.

الفكرة هنا هي تمكين الفلسطينيين من التركيز على بناء الدولة. في الواقع، كلما زاد التطور والتقدم الذي يحرزونه في بناء بلدهم، زادت المصلحة المكتسبة في الحفاظ عليه. أنا على استعداد للمغامرة والقول إنه حتى لو انتهى الأمر بحركة حماس بالسيطرة على الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، فسيتعين عليها أن تكون انتحارية لتهديد إسرائيل. تعرف السلطة الفلسطينية وحماس جيدًا أنه إذا كانت الدولة الفلسطينية الجديدة تشكل تهديدًا وطنيًا ذا مصداقية، فلن يكون لإسرائيل أي تعاطف وستزحف ببساطة وتحطّم، ربما إلى الأبد، الحلم الفلسطيني المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وللتأكيد مرة أخرى، الاحتلال كان وسيظل التهديد الوحيد الأكثر قوة لأمن إسرائيل القومي. وهؤلاء الإسرائيليين المسيانيين (أتباع المسيح المنتظر) الذين يريدون التمسك بالأرض المحتلة التي يزعمون أنها “أرض إسرائيل” بحجة الأمن القومي، بغض النظر عن التكلفة والتضحيات، هم الذين يهددون وجود إسرائيل كما نعرفها.

الحقيقة المزعجة المتمثلة في أن إسرائيل – الدولة اليهودية الوحيدة – هي قوة احتلال تتحدى كل عقيدة أخلاقية وقيمة لليهود على مدى آلاف السنين، وهي تخون حلمهم في إقامة دولة يهودية مستقلة وديمقراطية. حان الوقت لأن يستيقظ الجمهور الإسرائيلي على خطر استمرار الاحتلال.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE