المهمة الشاقة التي تواجه الحكومة السورية الجديدة
مع إدراك الرعب الذي تحمّله الشعب السوري على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية، فإن السؤال هو، هل سيفي زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع بوعوده العلنية بتحويل سوريا إلى ديمقراطية حيث تسود الحرية والمساواة، بغض النظر عن مدى ضخامة مهمته ؟
من الصعب المبالغة في المهام الهائلة التي تواجه زعيم الثوّارالسوريين أحمد الشرع وهو يحاول تعزيز سلطته سلمياً مع مجموعات ثائرة أخرى والعمل على أجندته المحلية البعيدة المدى. وتشير جميع الدلائل إلى أن الشرع عازم على وضع سوريا على مسار تحوّلي يؤدي إلى ديمقراطية تسود فيها المساواة الإجتماعية والسياسية وتمنع سوريا من الإنزلاق مرة أخرى إلى الهاوية. ومع تحمّل سوريا للجحيم على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية، فهو يعرف أنه يجب عليه أن يثبت للعالم أنه يعني ما يقوله وسيفي بوعوده لكسب الإعتراف والدعم الدوليين.
يجب على الشرع أن يعالج على مراحل عدة قضايا رئيسية مثقلة بصعوبات هائلة سوف تحدّد ما إذا كان سوف يرتقي إلى مستوى المناسبة التاريخية ويعيد إحياء سوريا من الرماد الذي خلفه نظام الأسد.
شفاء الأمة
نظراً للدمار الذي أصاب الشعب السوري بعد أربعة عشر عاماً من الاضطهاد المنهجي والتشريد والدمار وموت أكثر من ستمائة ألف سوري، فلا شيء أكثر إلحاحاً من بذل الحكومة الجديدة جهوداً متضافرة لشفاء الأمة. إن توحيد كل الجماعات المتمردة تحت سقف واحد يشكّل خطوة أولى أساسية لجعل مثل هذا الجهد الوطني ممكناً.
ويتعين على الحكومة الجديدة أن تضع عقداً اجتماعياً جديداً من خلال إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، والبدء في المهمة الضخمة المتمثلة في إعادة تأهيل النازحين. ومن الأهمية بمكان تقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية إلى العدالة، ومنع الإعتقال التعسفي واتباع الإجراءات القانونية. إن إنشاء هيئة على المستوى الوزاري للسلام والعدالة والمصالحة أمر ضروري جدا ً، فضلاً عن حظر الإنتقام والقصاص، وتوضيح أن الجناة سيواجهون العدالة مع الحفاظ على أدلة الفظائع لضمان المساءلة في المستقبل.
نظام سياسي شامل
نظراً لأن سوريا تضمّ ما يقرب من عشرين مجموعة عرقية ودينية مختلفة، بما في ذلك الطوائف المسيحية المتعددة، فإن النظام السياسي الجديد يجب أن يكون شاملاً ويسمح بمشاركة جميع المجموعات في العمليات السياسية. ومن الأهمية بمكان إصلاح الدستور للاعتراف بالحقوق السياسية لجميع شرائح السكان لضمان الإنتقال السلس إلى نظام ديمقراطي لامركزي، بما في ذلك إلغاء جميع القوانين والممارسات التمييزية وضمان الحرية الدينية والمساواة للجميع.
لقد تم تهميش جميع المجموعات العرقية والدينية تقريباً، باستثناء العلويين الذين حكموا البلاد، سياسياً. وبالتالي، فإن الشمولية السياسية والإنتخابات الحرة والنزيهة أمران حاسمان للتماسك الإجتماعي، وهو ما يحتاج إليه الشعب السوري بشدة.
المساواة الإجتماعية والإقتصادية
لقد أدت أربعة عشر عامًا من الدمار إلى تدمير النسيج الإجتماعي للبلاد وسحقه اقتصاديًا.
من الناحية الاقتصادية، تحتاج الحكومة الجديدة بشكل عاجل إلى إصلاح هذا الخلل الملحوظ من خلال اتخاذ التدابير التالية من بين أمور أخرى: وضع خطة إعادة إعمار مستدامة لإعادة بناء الإقتصاد، وتنشيط القطاع الخاص، وخلق فرص العمل؛ والعمل مع المستثمرين الدوليين والجهات المانحة والمنظمات المحلية بشفافية وتعاون للمساعدة في إحياء الإقتصاد ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ماليًا وفنيًا لتحفيز النمو. وينبغي إنشاء أمانة للمانحين لتقديم المساعدات المالية المرتبطة بتقدم إعادة الإعمار وكذلك الإلتزام الكامل بالديمقراطية حيث تسود حقوق الإنسان.
وعلى الصعيد الإجتماعي يتعين على الحكومة أن تستثمر في التعليم والرعاية الصحية وتخفيف حدة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ويتعين عليها أن تنفذ برامج دعم زراعي مستدامة وأن تزيل كل العقبات للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق، وأن تتعاون مع الدول الدولية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية. والأهم من ذلك، يتعين عليها أن تخلق الظروف التي تسمح للاجئين والنازحين داخليا بالعودة إلى ديارهم مع استعادة التغييرات الديموغرافية التي ربما حدثت في ظل القمع الوحشي الذي مارسه الأسد.
إستبعاد القوات الأجنبية
على مدى العقود العديدة الماضية، كانت القوات الأجنبية والمنشآت العسكرية من روسيا وتركيا وإيران متمركزة في سوريا. ولكي تظهر كدولة مستقلة حقا، يتعين على الحكومة أن تطلب من القوى الأجنبية سحب قواتها من البلاد. ويتعيّن على الحكومة السورية أن تؤكد على أنه نظرا لدخول سوريا عصرا جديدا، فإن استضافة القوى الأجنبية لم تعد ضرورية ولا تؤدي إلا إلى تقويض سيادة سوريا.
روسيا: يتعين على الحكومة الجديدة أن تدعو روسيا إلى سحب قواتها من سوريا. وقد طالبت الحكومة السورية بالفعل روسيا بسحب قواتها العسكرية بحلول منتصف فبراير/شباط، ويمكنها الآن الإستفادة من القدرات العسكرية المحدودة لروسيا بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا.
كما ينبغي للحكومة السورية أن تلغي عملية أستانا التي سمحت لروسيا وإيران باستخدام جيوشهما لضمان بقاء نظام الأسد في حين تخدم مصالحهما الإقليمية الإستراتيجية. وعلاوة على ذلك، ينبغي للحكومة أن تؤكد أن البلدين يمكنهما تطوير علاقة بديلة مفيدة للطرفين في العديد من المجالات، بما في ذلك التنمية الإقتصادية.
تركيا: نظراً لأن تركيا دعمت الثوار في مساعيهم للإطاحة بالأسد، فسوف يكون من الصعب للغاية على الحكومة السورية أن تتخلص من الوجود العسكري التركي في سوريا. ومثل روسيا، استخدمت تركيا أيضاً إطار أستانا لتبرير تعزيزها العسكري، وخاصة في شمال سوريا، لمحاربة القوات الكردية، التي تعتبرها أنقرة بالغة الأهمية لمصالحها الوطنية.
وبصرف النظر عن التأكيد على سيادة سوريا، ينبغي للحكومة الجديدة أن تقدم لتركيا خططاً لمحاربة الجماعات الإرهابية، والتفاوض على عودة اللاجئين السوريين، والإنخراط مع الأكراد السوريين للتوصل إلى حلّ وسط يتعامل مع المخاوف الأمنية التركية، وتقديم تعاون إقتصادي واسع النطاق، واقتراح الإنسحاب التدريجي للقوات، والسعي إلى الحصول على الدعم الدولي لممارسة الضغوط الدبلوماسية والمالية على تركيا.
إيران: طالب أحمد الشرع بالفعل إيران بسحب قواتها وجميع منشآتها العسكرية من سوريا. إن حكومته لابد وأن تطالب بعدم التدخل في سوريا ذات السيادة، وإلغاء الوصول إلى المجمعات العسكرية التي كانت تستخدمها إيران في السابق، وتعزيز أمن الحدود لمنع إيران من العودة إلى سوريا، ومنعها من تهريب الأسلحة إلى حزب الله.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يهدد النظام الجديد بإلغاء كلّ التعاون الإقتصادي الثنائي إذا لم تحترم إيران سيادتها، والسعي إلى الحصول على الدعم من الأمم المتحدة للضغط على إيران لاحترام السيادة السورية وتوضيح لطهران أنها لن تسمح باستخدام سوريا كمسرح لتهديد إسرائيل.
إسرائيل: إستغلت إسرائيل سقوط الأسد وبدأت عمليات قصف مكثفة لتدمير المنشآت العسكرية ومخازن الأسلحة التابعة للأسد في حين قامت باحتلال المنطقة العازلة وجبل الشيخ. ونظراً لحساسية إسرائيل الشديدة فيما يتصل بأمنها، فيتعيّن على حكومة الشرع أن تتعامل بحذر مع إسرائيل لمنع أي صراع عسكري من شأنه أن يقوّض بشكل خطير الحاجة الملحة إلى إعادة تأهيل البلاد.
ينبغي أن تلتزم ن الحكومة الجديدة بالكامل باتفاقية فكّ الإرتباط لعام 1974 (التي التزمت بها بالفعل) وتطلب من إسرائيل أن تفعل الشيء نفسه، مع توضيح أنها ستسعى إلى حلّ سلمي لجميع الصراعات مع إسرائيل. ومن الضروري إقامة اتصالات خلفية لمناقشة أمن الحدود، واقتراح تدابير بناء الثقة، بما في ذلك إدارة المياه في المنطقة الحدودية، والعمل مع قوة مراقبي فكّ الإرتباط التابعة للأمم المتحدة لضمان الرصد الفعال للمنطقة العازلة.
من الصعب المبالغة في تقدير المهمة الهائلة التي يتعيّن على الشرع والحكومة الجديدة في سوريا أن تضطلع بها على جميع الجبهات لتحقيق الإستقرار في البلاد وتجنب العنف داخليا وخارجيا. وتجدر الإشارة إلى أن سوريا لا تستطيع معالجة هذه المهمة الضخمة بمفردها. إن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والدول العربية وإسرائيل لديها مصلحة راسخة في الحفاظ على الإستقرار والأمن الإقليميين وتحتاج إلى التعاون مع النظام السوري الجديد لتحقيق أهدافها المشتركة، بدءا برفع تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية وإضفاء الشرعية على سلطتها الحاكمة.
وحتى الآن، تشير كل الدلائل إلى التزام الحكومة السورية الجديدة بتنفيذ هدفها المعلن المتمثل في إنهاء المعاناة وشق طريق جديد نحو السلام والأمن، وهو ما يتوق إليه الشعب السوري بشدة.