All Writings
مارس 14, 2013

هزائم نتنياهو المتعددة التي تسبب بها لنفسه

لقد عانى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسابيع الماضية من أربع هزائم سيكون لها بدون شك على مكانة إسرائيل الدولية أصداءً خطيرة، وبالأخص إذا نجح في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة. لقد أذلّ انتخاب الرئيس أوباما لفترة رئاسية ثانية نتنياهو الذي دعم علانية مِت رومني، ولقي هزيمة ثانية عندما أحرزت السلطة الفلسطينية مكانة دولة فلسطينية كعضو مراقب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وكانت صفعة أخرى في وجه نتنياهو عندما قامت العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالتصويت لصالح طلب الفلسطينيين لدى الأمم المتحدة في حين امتنع الباقون عن التصويت، مرسلين بذلك إشارة تنذر بالسوء لإسرائيل تدل على موقف الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. واستمرّت سلسلة هزائمه بالحرب الأخيرة على غزة التي أسماها “عمود السحاب” والتي خرجت منها حماس بانتصار سياسي مذهل.

بتهوّر غير مألوف قام رئيس الوزراء نتنياهو بدعم مِت رومني علناً، هذا مع العلم بأن التعابير والألفاظ التي تثير ضجة حولها والمتعلقة بشكلٍ عام بالقضايا السياسية الأمريكية وبالانتخابات بشكلٍ خاصّ ليست من ميزات أو شيم القادة الأجانب، فما بالك برؤساء الوزراء الإسرائيليين اللذين عليهم توخي الحذر الشديد بهذا الخصوص في أية تصريحات لهم. وبتحديه علانيةً رئيساً محبوباً يتمتع بشعبية فائقة وما زال على كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهي الأمة التي تعتمد عليها إسرائيل في الدّعم العسكري والسياسي والاقتصادي وتعتبر أقوى صديق حميم لإسرائيل، فقد أظهر نتنياهو افتقاراً في الذكاء واللباقة السياسية. وقد تصرّف أيضاً بطريقة تخالف الرأي الإسرائيلي العام الذي يعتبر العلاقات الثنائية الإسرائيلية – الأمريكية في منتهى الأهمية لأمن إسرائيل القومي. ولقد تُرجم انتصار أوباما ضمناً ومباشرةً لهزيمةٍ لنتنياهو مجبراً إياه للإسراع في تصحيح خطئه الذي يُعتبر هزيمة نكراء له وذلك بكونه أول من هنّأ الرئيس أوباما بانتصاره. ونتيجةً لهذا السلوك الوقح فقد فقدَ نتنياهو نفوذه وبريقه لدى أوباما، وقد يكون أحد ردود الفعل العلنية القادمة قيام الرئيس أوباما باتخاذ موقفٍ أكثر تشدّداً من سياسات نتنياهو. ويبقى أن نرى كم ستعاني إسرائيل من خطأ نتنياهو الفادح.

ويعتبر فشل الحكومة الإسرائيلية في منع السلطة الفلسطينية من رفع مكانتها في الأمم المتحدة لدولة عضو مراقب هزيمة نكراء أخرى لسياسة نتنياهو. وبالرّغم من أن الإنتصار الفلسطيني لن يشكّل تأثيراً فورياً على واقع الشعب الفلسطيني، غير أنه قد قدّم بعداً سيكولوجياً جديداً للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مع نتائج ومضاعفات عملية هامة بالنسبة للمستقبل، ولن يعود وضع السلطة الفلسطينية إلى ما قبل الوضع الحالي، حيث أن العالم أجمع ينظر الآن لفلسطين على أنها “دولة محتلة” بدلاً من اعتبارها مناطق محتلة متنازع عليها كما كان الوضع في الماضي. لقد منح هذا النصر الفعلي والرمزي للفلسطينيين بشكلٍ مباشرٍ وفوري شرعية دولية كدولة لم يتمتعوا بها سابقاً أبداً. ولا تستطيع إسرائيل أن تتجاهل بدون عقاب هذا التغيير الهائل في الظروف. سيوضع للدولة اليهودية بعد الآن حدوداً جديدة لتحديها إرادة المجتمع الدولي، وسيكون ذلك بفرض عقوبات سياسية واقتصادية مؤثرة إن هي لم تذعن لذلك. وبصرف النظر عمّا إذ قد يكون هناك استئناف لمفاوضات السلام أو تقدّم ملحوظ في العملية السلمية، فإن للسلطة الفلسطينية الآن خيارات أخرى تلتجىء لها في تعميق عزلة إسرائيل. مدفوعة بزخم انتصارها في الأمم المتحدة تستطيع السلطة الفلسطينية الآن أن تعاقب إسرائيل بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية متّهمة إسرائيل بانتهاكات حقوق الإنسان والإستيلاء الغير شرعي على الأراضي المحتلة.

وبهزائمها على الجبهة الدبلوماسية ستتعلّم إسرائيل درساً قاسياً وهو أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لن يحلّ أبداً بقوتها وبراعتها العسكرية الفائقة والمعروفة. لدى إسرائيل بالطبع أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط مجهّزةً بأكثر من ألف طائرة مقاتلة حديثة وثلاثة أضعاف هذا العدد من الدبابات وصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تصيب أهدافها بمنتهى الدقة وتعتبر رابع أكبر قوة نووية في العالم وجيش نظامي قائم يفوق عدده 180.000 جندي. ففي حين تستطيع القوة العسكرية الهائلة أن تدافع عن أي غزو عسكري من الخارج أو حتى مسح أية دولة أو ائتلاف دول معادية عن الوجود، غير أنها لا تستطيع عملياً أن تهزم حتّى مجموعة صغيرة من الإرهابيين، قد لا يتجاوز عددهم 15.000 أو أقلّ، يكون بحوزتهم صواريخ بدائية لا يتجاوز مداها خمسين ميلاً. فإذا لم تكن العملية العسكرية “الرصاص المصبوب” في قطاع غزة عام 2008/2009 التي دمّرت القطاع قد أدّت الدرس المطلوب، فقد برزت حماس بعد أربعة أعوام أكثر إصراراً وأحسن تجهيزاً بدرجة كبيرة. فخلال العملية العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وحماس التي سميت بِ”عمود السحاب” أطلقت صفارات الإنذار محذرةً المدنيين من صواريخ قادمة ليس فقط في قطاع غزة، بل في إسرائيل أيضاً التي تملك القوة العسكرية الهائلة حيث هرع عشرات الآلاف من مواطنيها مرعوبين إلى أقرب ملاجىء لهم، فالإسرائيليون كانوا ليس بأقل ارتعاباً أو عرضةً للأذى من الفلسطينيين في قطاع غزة الذين كانوا يتراكضون من أجل حماية أنفسهم من وجه القنابل الصاروخية التي كانت تمطر دماراً على الكثير من مؤسساتهم الحكومية.

ولكن أنظر ماذا حدث بعد توقف إطلاق الصواريخ والقنابل في الاتجاهين ! ففي حين وُبخت إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، كوفئت حماس بزيارة تسعة وزراء خارجية عرب مع نظيرهم التركي. لقد تمّ الضغط على إسرائيل بقبول وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية ومصرية والذي اشتمل تنازلات هامة من الجانب الإسرائيلي لتخفيف الحصار على قطاع غزة، منها مثلاً السماح بإدخال مواد البناء للقطاع وتوسيع المجال البحري لصيد السمك والسماح للمزارعين بالعمل بالقرب من الحدود مع إسرائيل وتخفيف القيود تدريجياً على قطاعي الاستيراد والتصدير. كانت لحظة تجمّع قوى بالنسبة لحماس، فقد أحرزت الحركة انتصاراً سياسياً هائلاً وسُمح لزعيمها السياسي في الخارج، خالد مشعل، من العودة لقطاع غزة بعد عقود من المنفى. وقد استقبل عند وصوله بمئات الآلاف من الفلسطينيين، المشهد الذي وضع حماس في صدارة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

لقد كانت خسارة الدعم من الإتحاد الأوروبي أمراً مؤلماً بشكلٍ خاصّ، وبالأخصّ بعد أن قامت إسرائيل بشن حملة دبلوماسية هجومية على أمل ضمان عدة أصوات مضادة لطلب السلطة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، فلقد فشلت هذه الجهود بشكلٍ مزرٍ. فباستثناء جمهورية التشيك التي صوّتت ضد الطلب الفلسطيني، صوّتت دول أوروبية ذات شأن مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا لصالح الطلب, في حين امتنعت العديد من دول الإتحاد الأوروبي عن التصويت. ولكن بالرّغم من أن قرار الأمم المتحدة كان سيمرّ بتأييد أو بدون تأييد دول الإتحاد الأوروبي، غير أن اتخاذ أوروبا مثل هذا الموقف، بما فيهم دول داعمة ووفية لإسرائيل مثل ألمانيا، يدلّ دلالة واضحة على أن إسرائيل في طريقها لخسارة آخر ما تبقى من دعم أوروبي لها, الأمر الذي سيزيد من عزلتها الدوليّة ويجعلها عرضة ً للتأثر بالضغط السياسي من جانب الغرب أكثر من أي وقت ٍ مضى.

قد ينجح رئيس الوزراء نتنياهو في تشكيل الحكومة الإسرائيليّة القادمة, غير أنّ نتنياهو عام 2013 لن يتمتّع بنفس النفوذ السياسي الذي كان يتمتع به في عام 2009. سيواجه في فترة رئاسته الثانية المتتاليّة (ثلاث فترات كحد أقصى) مجتمعا ً دوليّا ً نافرا ً منه وفي حيرة ٍ وارتباك من سلوكه وتصرّفاته بشكل ٍ عام ومن سياساته الخرقاء فيما يتعلّق بالصراع مع الفلسطينيين بشكل ٍ خاصّ. أضف إلى ذلك تحدّيه السافر للمجتمع الدولي ومعارضته القويّة لبرنامجه الإستيطاني. لم يزد قرار نتنياهو بالبناء في المنطقة (E1) ما بين القدس ومعالي أدوميم – بصرف النظر عن إمكانيّة تنفيذ هذا المخطّط أم لا ومتى – وامتناعه عن تحويل الضرائب والمستحقات للسلطة الفلسطينيّة سوى استهجان المجتمع الدولي حول رؤية نتنياهو الحقيقيّة لمستقبل إسرائيل.

لقد سعى نتنياهو خلال السنوات الأربعة الماضية لإقناع العالم بأنه المدافع النهائي عن الشعب اليهودي وأنّه يقف وحيدا ً في منطقة معادية عازمة على تدمير إسرائيل. ولكن الوقائع على الأرض الآن تدلّ على حقيقة مختلفة تماما ً. إسرائيل تنزلق دون توقّف خلال فترات حكم نتنياهو كرئيس وزرائها في منحدر العزلة الدوليّة وتصل الآن إلى درجة متدنية جدّا ً أصبح عندها حتّى أعظم الحلفاء تشددا ً لإسرائيل يشكّون بصدق نوايا إسرائيل وإخلاصها في السعي وراء السّلام مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب. وفي حين ساهم الفلسطينيّون(وبالأخصّ حماس) بقسطهم في الوصول إلى هذا المأزق, غير أنّ سياسة نتنياهو الإستيطانيّة واستمرار الإحتلال قد حوّلا تعاطف المجتمع الدولي بشكل جذري نحو الفلسطينيين. وتقف إسرائيل الآن متهمة بشكل ٍ رئيسي وراء الصّراع الذي يزيد حدّة بشكل ٍ خطير.

من المطلوب من كلّ مواطن إسرائيلي مخلص وحسن التأمّل ومهتم حقّا ً بمستقبل إسرائيل أن يتأمّل بإمعان سجلّ مسيرة نتنياهو السياسيّة. ماذا أنجز نتنياهو خلال السنوات الأربعة الماضية ؟ هل إسرائيل في وضع ٍ أفضل الآن عمّا كانت عليه قبل أربعة أعوام ؟ أين ستكون إسرائيل في العمليّة السلميّة وفي أعين العالم إذا قاد نتنياهو البلاد فترة أربعة أعوام أخرى ؟

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE