All Writings
سبتمبر 13, 2010

المطلوب: حلّ أوروبي لقضية اللاجئين الفلسط

 

        بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          من بين جميع قضايا النزاع التي على الإسرائيليين والفلسطينيين حلّها – شاملة مطالبات الأراضي، حدود آمنة ومستقبل القدس الشرقية – تعتبر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاصّ القضية التي بإمكانها وضع أيّ حلذ برغماتي للصراع في موقف حرج. وفي الوقت الذي يقوم فيه الإسرائيليون والفلسطينيون بتجديد المفاوضات المباشرة، يستطيع الاتحاد الأوروبي – لا بل عليه – الشروع في لعب دورٍ رئيسي في مساعدة الأطراف على حلّ هذه القضية الصعبة والشائكة.

 

          الاتحاد الأوروبي مناسب بصورة لا مثيل لها لاستغلال موارده الهائلة ونفوذه السياسي لأخذ زمام القيادة في المبادرة بمثل هذا الحلّ وتسهيله. وبقيامه بذلك سيضع الاتحاد الأوروبي نفسه كوسيط لا غنىً عنه في المسعى الهادف للتوصل لاتفاقية سلام دائم وفي نفس الوقت تعزيز مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية في الشرق الأوسط. وبالرّغم أنه كان من المفروض حضور منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، السيدة كاثرين أشتون، عند انطلاقة المفاوضات المباشرة في واشنطن الأسبوع الماضي، غير أنه يجب ألاّ يفسّر غيابها على أنه دلالة لعدم اكتراث الاتحاد الأوروبي بنجاح الجهود المجدّدة لصنع السلام.

 

          هناك حلّ واقعي واحد فقط لقضية اللاجئين وهو: التعويض، إعادة توطينهم وتأهيلهم في دولة فلسطينية. وفي حين تؤيد أغلبية الفلسطينيين "حق العودة" لدولة إسرائيل كموضوع مبدأ، فقد أظهرت استطلاعات الرأي بأن عدد قليل فقط من اللاجئين يسعى فعلاً للعودة إلى إسرائيل. لقد رفضت إسرائيل إبّان ذلك مبدأ "حق العودة" في كلّ لقاء عقد مع الفلسطينيين منذ عام 1988 قائلة بإصرار وثبات بأن الإبقاء على أغلبيتها اليهودية في الدولة

 

شرط لا بد منه لأية اتفاقية. ولذا يجب أن يعتمد أي حلّ على أساس إعادة التوطين والتأهيل في دولة فلسطينية مستقبلية أو في دول إقامتهم الحالية.

 

          بصرف النظر عن مطلبهم بعودة عدد رمزي من اللاجئين لا يتعدّى 20 إلى 30 ألف لاجىء ضمن إطار جمع شمل العائلات. فلقد سلم أيضاً العديد من الفلسطينيين والقادة العرب في الماضي بحقيقة أن الحلّ يكمن إلى حدّ بعيد في دولة فلسطين الجديدة. ستلبي هذه الصيغة طموحات الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم ولوأنه ليس وطنهم الأساسي. وسيتوافق مثل هذا الحلّ مع نصّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي يدعو "للتوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين" ومع مبادرة السلام العربية أيضاً تدعو إلى "حلّ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه حسب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194".

          ولتغيير الديناميكية السياسية التي تحيط بالمفاوضات المتجددة، على الاتحاد الأوروبي أخذ المبادرة بالشروع لخلق الأجواء والسبل المناسبة التي من شأنها أن تجعل مثل هذا الحلّ ممكناً. لقد ناصرت الأمم الأوروبية قضية اللاجئين الفلسطينيين عقوداً طويلةً من الزمن وكانت تقليدياً جهات مانحة أساسية ورائدة للمشاريع الفلسطينية، بما في ذلك المانح الأكبر – بصورة جماعية – وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وأخذاً بعين الاعتبار دعم الاتحاد الجوهري للفلسطينيين، بما في ذلك ميل الفلسطينيين للتوجه للإتحاد الأوروبي كموازنة للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية القوية، فإن الإتحاد الأوروبي في موقعٍ فريد من نوعه للتأثير على الموقف الفلسطيني بخصوص وضع الأربعة ملايين ونصف من اللاجئين المسجّلين لدى وكالة الغوث (الأونروا).             

          ويتطلّب القيام بحلّ هذه المشكلة توفير رأس مال ضخم قد يتجاوز عشرة مليارات دولار، وهو مبلغ يتجاوز إلى حدّ بعيد مخصصات وكالة الغوث ( الأونروا) البالغة 264 مليون دولار.

 

          ستقدّم الأموال المضمونة لإعادة توطين اللاجئين حافزا ً للفلسطينيين للتفكير عمليّا ً بكيفيّة الإستفادة من هذه التعويضات بصورة بنّاءة بدلا ً من الإستمرار في استخدام القضيّة كأداة سياسيّة.

          لا يستطيع بالطبع الأوروبيون وحدهم حلّ قضية اللاجئين، بل يجب أيضا ً على الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول العربيّة وإسرائيل المساهمة بسخاء في هذا الحلّ.

          ويتطلّب هذا الحلّ أيضا ً تعاونا ً وثيقا ً مع السلطة الفلسطينيّة وسوريا ولبنان والأردن وهي أقطار تتواجد على أرضها أعداد كبيرة من مخيمات اللاجئين. وعلى الدول العربيّة بصورة خاصّة توفير الدّعم اللوجستي والتنظيمي. أضف إلى ذلك، بإمكان هذه الدول أن تلعب دورا ً مهمّا ً من نوع ٍ خاصّ في خلق تاريخ جديد فيما يتعلّق ب "حقّ العودة" للدولة الفلسطينيّة التي تكون قد تاسّست حديثا ً آنذاك.

          وتعليق الرئيس الأمريكي باراك أوباما عند انطلاقة المفاوضات المباشرة قائلا ً:"إنّني أسمع مرّات كثيرة أولئك اللذين يصرّون بأن هذه هي الأولويّة الرئيسية، لكنهم لا يفعلون إلآّ ما هو قليل جدّا ً لدعم حقّا ً الجهود التي قد تؤدي لقيام دولة فلسطينيّة" كان بمثابة دعوة للدّول العربيّة لموازاة خطاباتهم الحماسيّة لدعم السّلام بأفعال ٍ أكبر – سياسيّة وماديّة – لتحقيقه. ولدى الدّول العربيّة التي استغلّت تاريخيّا ً محنة اللآجئين لتغطية قصورهم وسياساتهم المضلّلة الفرصة الآن للإستجابة لدعوة الرئيس وفي نفس الوقت إفادة الناس اللذين عاشوا عقودا ً طويلة في أوضاع ٍ مزرية ومدّ يد العون لتسهيل الطريق للوصول إلى حلّ ٍ للصراع. سترحّب إسرائيل بمثل هذا الإجراء لأنه سيخفّف من الدعوات التي تنادي بالعودة إلى إسرائيل.

 

          سيتطلّب إعادة توطين اللاجئين استثماراً اقتصادياً واسع النطاق لخلق فرص عمل ومساكن ومدارس وإجراءات وخدمات أخرى كثيرة لضمان بأنّ المجتمعات الفلسطينية الحالية قادرة على استيعاب هذا الدّفق الكبير من المواطنين الجدد. وللوصول إلى هذا الغرض، على الاتحاد الأوروبي دعم إنشاء وزارة جديدة داخل السلطة الفلسطينية تعنى بشئون إعادة توطين

 

اللاجئين ومساعدتهم في مرحلة تحوّلهم. وتختلف مثل هذه المبادرة اختلافاً جذرياً عن أية محاولات سابقة لمعالجة قضية اللاجئين حيث أنّها مشروطة منذ البداية بتسهيل عملية حلّ للقضية حتى قبل انتهاء المفاوضات.

          تقدّم إعادة انطلاق المفاوضات المباشرة فرصة للاتحاد الأوروبي للبدء في تبني وتشجيع هذه الفكرة كموقفه الرسمي مؤكداص أنها فكرة لا تثير الجدل أو الخلاف.

 

          ويجادل بعض القادة العرب اللذين شاركوا في مفاوضات سابقة بقولهم بأنه في حين يستند هذا الحلّ على إعادة توطين وتعويض اللاجئين، سيكون من الصعب الدفاع عن هذا الحلّ علناً قبل التوصل لاتفاقية شاملة خوفاً من قيامه بالتحريض على ردة فعل شعبية عنيفة. ولكن بتوفير الموارد المالية لتسوية المشكلة الآن سيبدأ بتغيير الوضع الحالي للاجئين وفي نفس الوقت تصحيح النظرة الشعبية حول المعنى الفعلي "لحق العودة".

 

          علاوة على ذلك، سيدعّم مثل هذا المشروع خطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فيّاض لإقامة دولة فعلية في الضفة الغربية وغزة السنة القادمة وسيتمكن الكثير من اللاجئين من الشروع في العودة إلى أوطانهم والاستثمار في مجتمعاتهم الجديدة. وسيعني هذا بالنسبة لِ 60% من اللاجئين – الذين يعيشون حالياً في المخيمات في الضفة الغربية وغزة – العمل مع السلطة الفلسطينية في حملة تنظيمية واسعة النطاق لسحب عائلاتهم من وضع اللاجئين إلى إسكان ملائم.

 

          ليس هناك جهة أكثر ملائمة لقيادة هذا المجهود أكثر من الاتحاد الأوروبي، وليس هناك للشروع في ذلك وقت أفضل من الوضع الحاضر.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE