All Writings
نوفمبر 18, 2009

تحالف استراتيجي قضية مركزية للاستقرار ال&#157

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

 

            عندما أقصت تركيا إسرائيل من الاشتراك في مناورة عسكرية مشتركة في مطلع شهر تشرين أول (أكتوبر) الماضي، كان هناك قدر كبير من التخمين حول جدية حدوث صدع بين الحليفين. وبالرّغم من أنّ العلاقات الإستراتيجية بين القوتين الإقليميتين تعتبر مهمّة لكلا البلدين، إلاّ أنها تسمو أيضاً فوق الفوائد الثنائية التي تجنيها منها كلّ من تركيا وإسرائيل على انفراد، حيث أن تحالفهما يعتبر أساسي لميزان قوى المنطقة وللإستقرار السياسي. فرغبة تركيا في تطوير وتنمية دورها القيادي في المنطقة مرتبط مباشرة بمقدرتها على تقوية علاقات بناءة مع الدول الشرقية والغربية، بما في ذلك إسرائيل التي تبقى بمثابة قضية مركزية للسلام الإقليمي. وتعتبر القضايا الإقليمية الأربعة التالية مكمّلة لبعضها البعض لإظهار أهمية العلاقات التركية – الإسرائيلية:

 

          لقد وصلت المفاوضات الحالية بين إيران والدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى ألمانيا إلى طريقٍ مسدود وليس من المحتمل الآن أن تقوم إيران بالتخلي عن برنامجها النووي عبر هذه القناة. وتشارك تركيا إسرائيل مخاوفها الجسيمة حول برنامج إيران النووي وتساند بلا شك أية جهود سلميّة لمنع إيران من أن تصبح قوّة نووية. ولكن بإمكان روابط تركيا الوثيقة مع إيران أن تكون بلا شك من الناحية الإستراتيجية مهمّة للمنطقة. فبمقدور الروابط السياسية والاقتصادية المحسّنة ما بين طهران وأنقرة أن تزيد من توقّع أن تلعب تركيا دور الوساطة لثني إيران من السعي وراء حيازة أسلحة نووية متحدية بذلك المجتمع الدولي. وبلا شك أن تركيا بصفتها دولة ذات أغلبية مسلمة مقبولة أكثر وسيكون لها تأثير أكبر بكثير في طهران من أية دولة غربيّة. ويستطيع رئيس وزراء تركيا رسيب طيب أوردوغان أن يقابل وجهاً لوجه الزعيم الروحي الأعلى في إيران وهو آية الله خمائيني الذي يرفض مقابلة مسئولين غربيين ويضع بعض قضايا الأمن في مقدّمة قضايا النظام في السياسة الخارجية. وبإمكان تركيا أيضاً أن تلعب دور الوساطة الغير رسمي عن طريق التحدث بصورة شخصية ومباشرة مع الإسرائيليين والإيرانيين والروس والأوروبيين والأمريكان. ومن الممكن  

 

-2-

 

تخفيف مخاوف تركيا الذاتية من إيران النووية عن طريق قدرتها على عرض خدماتها الجيدة لجميع الأطراف التي لها علاقة بهذا النزاع. ولتعزيز دور تركيا أكثر، يجب دعوة أنقرة للانضمام إلى الفريق المفاوض من طرف الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن مع ألمانيا ووضع وجهٍ مسلم على طاولة المفاوضات. أضف إلى ذلك، بإمكان تركيا أن تعرض موقعاً مستساغاً أكثر ممّا تعرضه    روسيا لمعالجة اليورانيوم الإيراني المنخفض الدرجة وتحويله إلى قضبان نووية للأغراض الطبية وغيرها من الأغراض السلميّة. ولهذه الأسباب، فكلّما كانت العلاقات التركية – الإسرائيلية والتركية – الإيرانية أقوى، استطاعت أنقرة أن تلعب دوراً أكثر أهمية وإيجابية في أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من أيّ حلّ لمشكلة برنامج إيران النووي.

 

          لقد توسّطت تركيا في عام 2008 على نحوٍ رائع ما بين إسرائيل وسوريا وأوصلت الطرفين إلى حافة توقيع اتفاقية بينهما، وهو ليس بالشيء البسيط في الدبلوماسية الدولية. وأن تخاطر تركيا بجدية الآن بعلاقاتها مع إسرائيل قد يجعلها تتخلى عن دورٍ مهم جداً تمتعت به مع الغرب إضافةً إلى مركزيتها في موضوع السلام في المنطقة. لا يوجد مطلقاً أية تناقضات أو تضاربات ما بين إقامة علاقات جيدة ومتكافئة ما بين تركيا وسوريا من ناحية وتركيا وإسرائيل من ناحية أخرى. وأن تكون حليفاً للاثنين، لإسرائيل وسوريا في آنٍ واحد، يضع تركيا في المكانة التي تحسد عليها وهي لعب دور حاسم في أية مباحثات مستقبلية بين البلدين حيث أن حلّ خلافهما حول مرتفعات الجولان لن يتمّ إلاّ عن طريق المفاوضات، والرئيس بشار الأسد يعلم ذلك جيداً. وفي مقابلة حديثة له حثّ الرئيس الأسد تركيا على أن تقيم علاقات متينة مع إسرائيل إذا أرادت دعم سوريا في المفاوضات التي تتوسطها. ليس لأنقرة أي سبب للتخلي عن جهودها أو تخفيض مستوى علاقاتها مع إسرائيل إذا رغبت في أن تصبح قوة وسيطة في المنطقة. والإبقاء على علاقاتٍ حسنة ومتكافئة مع كل جيرانها هو شرط أساسي لطموحات تركيا القوميّة التي تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، حيث أن تركيا مستمرة في توجيه اهتمامها لعضوية الاتحاد الأوروبي. ورغبة حكومة نتنياهو بإشراك فرنسا في المفاوضات المستقبليّة مع سوريا يجب ألاّ يمنع تركيا من الاشتراك مستقبلا ً في هذه المفاوضات كوسيط،  حيث أنّ دمشق تصرّ على استمرار أنقرة في دورها كوسيط على الأقلّ جنبا ً إلى جنب مع باريس.

 

          وتعرض العلاقات العدائية ما بين حماس والسلطة الفلسطينيّة مجالا ً مهمّا ً هو الآخر يمكن لتركيا أن تنفرد فيه بلعب دور ٍ بناء للغاية. فأمل التوصّل إلى أيّ تقدّم ملموس بين إسرائيل والفلسطينيين يعتمد في النهاية على اتفاقيّة سياسيّة تحكم العلاقة

 

-3-

 

 ما بين حماس والسلطة الفلسطينية. لن تؤدي أية مفاوضات ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لوحدها لاتفاقية دائمة بدون الاشتراك الكامل المباشر أو الغير مباشر لحركة حماس في العملية السياسية. وتركيا كانت أول دولة عرضت الاعتراف الرسمي بحماس قبل أكثر من ثلاثة أعوام مضت بدعوة زعيمها خالد مشعل لزيارة أنقرة وما زال هناك حتى هذا اليوم علاقات ثقة بين الجانبين. وعلى الرّغم من أهمية دور مصر في التوسط ما بين حماس والسلطة الفلسطينية، غير أن تركيا هنا أيضاً في موقعٍ يدعم جهود مصر بمساعدة حماس والسلطة الفلسطينية في التّوصل إلى تفاهمٍ سياسي أو عن طريق الاشتراك بصورة غير رسمية في المفاوضات بينهما. وبالرغم من نفور إسرائيل من حماس كمنظمة إرهابية، فإن الحكومة الإسرائيلية مهتمة في الحفاظ على أجواء التهدئة على طول حدود قطاع غزة، الأمر الذي ترغب أيضاً القيادات السياسية لحركة حماس على الحفاظ عليه. ويتجنب الموقف الرسمي للرباعيّة الدولية – الذي يطالب باعتراف حماس أولاً بإسرائيل ونبذ الإرهاب وقبول الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل – قبول حماس طرفاً رئيسياً في العملية التفاوضية، غير أنّ تركيا قادرة أن تساعد على تغيير قواعد المشاركة. يجب على تركيا الاستفادة من الهدوء الحالي في العنف  ومحاولة إقناع حماس لاحتضان مبادرة السلام العربية التي قد تسمح للحركة بمواكبة بقية الدول العربية.

 

          إنّ التمرين العسكري في البحث والإنقاذ الذي أُجري حديثاً باشتراك إسرائيل والأردن وتركيا كان بمثابة تحرك ضروري جداً حيث أن تركيا تحاول تصحيح أية انطباعات لوجود علاقات متوترة مع إسرائيل. وما دامت القدرة العسكرية والأداء العسكري يلعبان دوراً في الدبلوماسية الدولية، ليس لتركيا شريكاً عسكرياً في الشرق الأوسط يستطيع أن ينافس إسرائيل الآن أو في المستقبل. ستعتمد البراعة العسكرية الفائقة لتركيا وقدرتها على الحياة والنمو على مسيرتها المتواصلة في بقائها عاملاً لا مفر منه ليس فقط للاستقرار الإقليمي فحسب، بل وأيضاً في لعب دور ٍ مركزي مع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).

 

          وأخيراً، فإن رغبة تركيا في أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي يعتمد على توقعات كثيرة، منها وضع تركيا مع جيرانها. فاحتمال أن تصبح تركيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي سيجعل من إيران والعراق وسوريا دولاً حدودية للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيكون له انعكاسات مهمّة بالنسبة للأمن القومي والتبادل التجاري. لقد نفّذت تركيا وبصورة بارعة عدداً من الإصلاحات السياسية والاجتماعية الرئيسية على طريق ما هو مطلوب منها لدخول عضوية الاتحاد الأوروبي. فقد قامت في الآونة

 

-4-

 

الأخيرة بالتوقيع على اتفاقية صلح تاريخية مع أرمينيا وتعمل على إدخال تشريعات رئيسية جديدة تمنح الأقلية الكردية حريّات سياسية وحضارية متساوية كأي مواطن تركي. لقد جعل هذا التقدم الهائل تركيا قريبةً جداً من معايير الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا لن يكون كافياً إلاّ إذا بيّنت تركيا القدرة والعزم على الاحتفاظ بعلاقاتٍ ممتازة مع جميع جيرانها الشرق أوسطيين. لقد نُظر إلى تعاون تركيا الاستراتيجي مع إسرائيل نظرةً إيجابيةً جداً من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأنقرة لا تستطيع أن تحسّن علاقاتها مع بلدان أخرى في المنطقة عن طريق إضعاف حلفها الاستراتيجي مع إسرائيل كما كان يأمل الآخرون.

 

          لقد بُني التعاون التركي – الإسرائيلي في الشئون العسكرية والاقتصادية والإستخباراتية وقضايا الأمن القومي على المصالح المتبادلة طويلة الأمد والتي تشكّل قلب تحالفهم الاستراتيجي. لقد مرّت هذه العلاقة بالعديد من فترات الصعود والهبوط منذ اعتراف تركيا بإسرائيل في عام 1950، غير أنها بقيت ثابتة لأنها محمية أيضاً بصداقة تقليدية منذ قرون طويلة ما بين الأتراك واليهود والتي لن يستطيع تغييرها  خلاف سياسيّ مؤقت.

 

______________________________________________________   

 

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE