All Writings
أغسطس 13, 2008

غزوة أحمدي نجاد إلى تركيـــا

13 آب ( أغسطس) 2008
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

من البديهي أن تكون إسرائيل محبطة ً جدا ً من قرار تركيا دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لزيارة رسميّة إلى تركيا هذا الأسبوع. ستؤدي هذه الزيارة فقط – في نظر إسرائيل – إلى تعزيز شرعية زعيم ٍ لُعن لإنكاره المحرقة (الهلوكوست) ولتهديداته المتكررة بمحو دولة إسرائيل عن الوجود. ولكن السؤال موضوع البحث على أية حال يجب ألاّ يكون "كم من الشرعيّة سيجني الرئيس أحمدي نجاد من زيارته هذه" بل هل بإمكان المسئولين الأتراك خلق شيء إيجابي من هذه الغزوة بما يفيد ليس تركيا فحسب، با المنطقة بأكملها بما في ذلك إسرائيل.

إنّ العلاقات الثنائية التركيّة – الإيرانيّة متعمّقة في جميع المجالات وهي تنمو من حيث الأهميّة ليس فقط لأن إيران لاعب رئيسي في ساحة الشرق الأوسط، بل بفضل العلاقات التجارية النامية بين الدولتين. لقد قفز الميزان التجاري بين البلدين من مليار ونصف المليار دولار في عام 2000 إلى أربعة مليارات في عام 2004 ومن المتوقّع أن يتجاوز السبعة مليارات دولار في عام 2008. فتركيا تستورد من إيران حوالي 20 % من استهلاكها للغاز الطبيعي وقد وقّعت في عام 2007 مذكّرة تفاهم لمدّ خطّ أنابيب مصمّم لنقل 40 مليار متر مكعّب من الغاز إلى أوروبا. ومن المتوقّع أن تُتوّج زيارة الرئيس الإيراني لتركيا بمزيد ٍ من التوسّع في العلاقات الثنائية بين البلدين قد تشمل مشاريع ماليّة ومصرفيّة والمزيد من المشاريع التجاريّة الأخرى. ويصرّ المسئولون الأتراك على أية حال على أنّ العلاقات الثنائية المتنامية لا تخفي حقيقة أنّ تركيا قلقة من برنامج إيران النووي وقد أعرب رئيس الوزراء التركي ريسيب إردوغان عن رغبته في التوسّط بشأن المفاوضات القادمة مع إيران.

لقد فشلت من أساسها جهود سبعة أعوام بذلتها إدارة الرئيس بوش لعزل إيران ومعاقبتها على برنامج الأسلحة النووية المتهمة بالسعي وراء تنفيذه. فلماذا لا نحاول طرقا ً أخرى ؟ ألا تكون تركيا – كجارة لايران بمصالح مشتركة معها وكذلك اهتمامات مشتركة معها حول أمن واستقرار المنطقة وتمتعها بحسّ حضاريّ رفيع المستوى – في مركز ٍ أفضل لمناشدة العقليّة الإيرانيّة ؟ قد تعطي الإجتماعات التي عقدت بين رئيس الوزراء إردوغان والرئيس الإيراني أحمدي نجاد المسئولين الأتراك نظرة أعمق في الموقف الإيراني الفعلي وفي التفكير

الإيراني بشأن قضيّة البرنامج النووي. وإذا كان هناك ولو فرصة ً واحدة قد تمكّن تركيا بالفعل من نزع فتيل النزاع النووي، أفليس من الجدير إنتهاز هذه الفرصة ؟

أمّا أن نعتقد بأن الزيارة ستأتي بنتائج عكسيّة تماما ً، فهذا أمر يحيد كليّا ً عن الصواب. فالمخاطر بالنسبة لتركيا عالية جدا ً، والحكومة التركية تخشى وقوع حرب أخرى ممكن تجنبها، حرب قد تشعل المنطقة بأكملها في الوقت الذي تشعر فيه الحكومة التركية بأنها ملتزمة لفعل أي شيء لتفادي كارثة. قد يكون لزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لتركيا دعم للرفع من مقامه، ولكن أنقرة ستكون من وراء دعوته إليها ومنحه الاحترام الذي يسعى إليه في وضع ٍ أقوى بكثير من ذي قبل للتعامل مع قضية البرنامج النووي.

إن تركيا تدرك تماماً مخاوف إسرائيل العميقة حول أمنها القومي، والعلاقات الثنائية التركي – الإسرائيلية تعود لحوالي ستين عاماً من التاريخ وهي علاقات بعيدة المدى ونامية. وعدا أن هناك علاقات تجارية وثقافية بين البلدين، فهناك أيضاً تعاون عسكري واستراتيجي قوي ومكثف بين البلدين. علاوة على ذلك، تركيا تقوم حالياً بدور الوساطة بين إسرائيل وسوريا. وإذا قُدّر للمفاوضات أن تنتهي بنجاح، سيكون لها تبعيّات إيجابية إقليمية بعيدة المدى. لقد طلب الرئيس السورة بشّار الأسد من المسئولين الأتراك تقديم المساعدة لسوريا لتهدئة المخاوف الإيرانية حول المفاوضات الإسرائيلية – السورية. وللتأكيد، فإن تركيا تلعب دوراً مهماً جداً مع جميع الأطراف الرئيسية في المنطقة وتتكلم بصوت جدير بالثقة. إن تركيا، في هذه الفترة الحاسمة، أفضل استعداداً وتجهيزاً من الاتحاد الأوروبي أو من الولايات المتحدة في التأثير على سلوك إيران في المأزق النووي الذي آلت إليه. بإمكان الحكومة التركية أن تُفَهّم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن إسرائيل تأخذ تهديداته على محمل الجد وأن مستقبل وخير إيران والمنطقة بأكملها تعتمد على التوصل لحلّ دبلوماسي للمأزق النووي.

وبالرّغم من أن الرئيس أحمدي نجاد قد قام بهذه الزيارة سعياً منه لمحاولة كسر عزلته وتحدّي الإدارة الأمريكيّة، غير أنّ الحكومة التركيّة قد تستفيد من هذه الزيارة لتغيير ديناميكيّة المفاوضات ما بين الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة من ناحية وإيران من الناحية الأخرى. الظاهر أنّ إيران لم تستجب بصورة جيدة للتهديدات العلنيّة والتخويف والعقوبات. وكشعب ٍ فخور ٍ بنفسه، يتوجّه الإيرانيون للهجوم إذا شعروا بالذلّ ويفضّلون التعامل بالقضايا الحسّاسة بطريقة سريّة تمنحهم متّسعا ً لإمكانيّة الرّفض. وفتح قناة سريّة للمفاوضات ما بين تركيا وإيران قد يشكّل موقعا ً هامّا ً للمفاوضات المستقبليّة حول المشكل النووي. وفي الوقت الذي يجب أن تستمرّ فيه مفاوضات

الدول الخمس المذكورة أعلاه، بإمكان الولايات المتحدة إستخدام هذه القناة عبر تركيا لتبليغ طهران بالعواقب الوخيمة التي قد تواجهها إذا بقيت مصرّة على تخصيب اليورانيوم. وما يمكن أن يقال بين جارتين بنوع ٍ من الخصوصيّة وبمصداقيّة واضحة سيؤخذ بمحمل الجدّ من قبل القادة الدينيين في طهران بدون إذلال علنيّ.

يستمرّ أحمدي نجاد بالتمتّع بالدّعم الكامل من قبل الزعيم الإيراني الرّوحي الأعلى آية الله علي خامئني، ولكن ما سيسمعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من الأتراك خلال هذه الزيارة أو في المباحثات اللاحقة، سيكون له صدى ً مختلف في إيران وستنقل إلى الزعيم الروحي خامئني بصورة أكثر فعاليّة وجديّة من رسالة تأتي من أي طرف ٍ آخر.

أجل، بالرغم من تحفظات ومخاوف إسرائيل حول زيارة الرئيس أحمدي نجاد، فانّ لهذه الزيارة القدرة على تحريك القضيّة النووية من نقطة ميّتة وفتح فرص ٍ جديدة لإنهاء مشكلة إيران النوويّة التي إستعصت على الغرب لمدّة تزيد عن سبعة أعوام.

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE