All Writings
أغسطس 22, 2011

تأييـــد "آيبــاك"(AIPAC) الأعمى لإسرائيـــل

 

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          لقد طرحت موجات التصفيق الحادّة التي استُقبل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء خطابه أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأمريكي – بالرّغم من خلافاته المعلنة في الآونة الأخيرة مع الرئيس باراك أوباما – تساؤلات جديدة حول قوّة ونفوذ ما يسمّى "لوبي إسرائيل" بقيادة اللجنة الأمريكيّة – الإسرائيليّة للشئون العامة (آيباك AIPAC). والقول بأن "آيباك" قويّة جدّا ً في واشنطن أو أنّ أهدافها ونشاطاتها شائنة هو ادعاء لا أساس له. فمنظمة "آيباك" في الواقع مجموعة مصالح فاعلة تمارس بنجاح فعاليّة شعبيّة أساسيّة ومساهمات سياسيّة لتعزيز علاقات وثيقة ما بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل تعتمد بصورة أساسيّة على المصالح والقيم لمشتركة وعلى الصلة الحضاريّة بين الشعبين. وانتقاد آيباك على أية حال أمر ٌ له ما يبرّره وبالأخصّ فيما يتعلّق بجهودها الصامتة في تأييد إجراءات للتوصّل لسلام ٍ دائم في الشرق الأوسط.

 

          أن تكون مؤيّدا ً لإسرائيل شيء، ولكن شيء آخر أن تكون ببساطة مطرقة ً مطاطيّة لسياساتهاً. وتصف آيباك نفسها بتعريف ٍ جاءت به جريدة "نيويورك تايمز" واصفة ً المنظمة على أنها "أهمّ منظمة مؤثّرة على علاقة أمريكا بإسرائيل". حان الوقت الآن أن تستخدم آيباك هذا التأثير في دعم جهود صنع السّلام التي ستحافظ على العلاقة الأمريكيّة – الإسرائيليّة قويّة ً ليس فقط في هذا الجيل، بل أيضا ً للجيل القادم.

 

          لقد كتبت آيباك في طرق ٍ كثيرة سيناريو لكيفيّة أن تكون لوبي فعّالا ً في واشنطن، إذ نجحت آيباك في عرض قضيّة إسرائيل والعلاقة الأمريكيّة – الإسرائيليّة لانتباه الجماهير عن طريق حشد جماهير الناخبين في جميع أرجاء أمريكا, وهؤلاء من ذوي الخلفيّات الدينيّة والحضاريّة المتعدّدة. واليوم لم يعد "لوبي إسرائيل" "لوبي يهودي" فحسب، بل لوبي يضمّ بين جناحيه جميع المذاهب وفي مقدّمتها الحركات المسيحيّة الإنجيليّة والميثوديّة وذلك من خلال منظمات مثل "اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل" (CUFI). لقد دافعت آيباك بنجاح لمنح إسرائيل مساعدة سنويّة تساعدها في الإبقاء على قوة ردعها العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط الغير مستقرّة. وأحضرت المنظمة إلى إسرائيل وفودا ً لا تحصى من الكونغرس الأمريكي لربط صنّاع السياسة الأمريكيين بنظرائهم الإسرائيليين. واستضافت المؤسسة التعليميّة الأمريكيّة – الإسرائيليّة التابعة لآيباك هذا الشهر (81) عضوا ً من الكونغرس للقيام بزيارة ٍ لإسرائيل والضفّة الغربيّة،  وهو أكبر عدد من أعضاء الكونغرس يقوم برحلة ٍ منفردة خلال عطلة. أضف إلى ذلك،  وبالرغم من أنّ آيباك لا تعتبر من ضمن لجان تبرّع للإنتخابات الداعمة ماليّا ً في انتخابات الولايات المتحدة الأمريكيّة، غير أنها وجّهت ملايين الدولارات من التبرعات السياسيّة على مدى عقود ٍ طويلة لمرشّحين ومسئولين سياسيين منتخبين في جميع أرجاء البلاد. وقد يحسد أيّ لوبي آخر آيباك على نجاحها الباهر.

 

          أصبح تأييد آيباك في كثير ٍ من الأحيان مرادفاً لجدل ٍ صامت عندما يتعلّق الأمر بدور الولايات المتحدة في دعم سلام ٍ إسرائيلي – فلسطيني. وانفجرت هذه القضيّة مع نشر كتاب بعنوان:"لوبي إسرائيل" تأليف الأستاذين ستيفن والت وجون ميرسهايمر.  لقد غالى هذا الكتاب برأيي كثيرا ً في ادعائه بأنّ قضايا الشرق الأوسط السياسيّة مسيّرة بنحو ٍ واضح وصريح من قبل صنّاع سياسة يضعون مصلحة إسرائيل في بؤرة اهتمامهم. وقد تعمّق الجدل أكثر بتأسيس مجلّة "جي ستريت" الهجوميّة الليبراليّة الفكر ومطبوعات أخرى مثل:"إخفاق المؤسسة الأمريكيّة – اليهوديّة" تأليف بيتر بانيرت. لقد تحدّى هذا الكتاب بشكل بارز التفكير التقليدي للجالية الأمريكيّة اليهوديّة حول تأييد إسرائيل وحذّر من أنّ الوضع الراهن يُقصي الشباب اليهود بصورة خاصّة وهي فئة تدّعي آيباك بأنها تمثّلها،  وهي في الواقع لا تمثّلها.

 

          لا يمكننا بكلّ بساطة رفض هذه الإنتقادات فقد حاولت بالفعل منظمات مؤيدة لإسرائيل تقودها آيباك في كثير ٍ من الأحيان دفع أهداف ٍ قصيرة الأمد إلى الأمام على حساب مصالح طويلة الأمد وعلى نحو ٍ يضرّ بالتأييد الفعلي لدعم صنع السّلام. لقد قدّمت آيباك من الناحية التاريخيّة بلا ريب سياسة محافظة في جوهرها. ففي المؤتمر السياسي للمنظمة عام 2007 قوطع خطاب المتحدّثة باسم الكونغرس نانسي بلّوسي بأصوات استهجان – ولو من قبل بضعة عشرات من الحاضرين – عندما قالت بأن حرب العراق كانت فاشلة. وكان كثيرون قلقين من احتمال أن يُقاطع خطاب الرئيس باراك أوباما هذا العام بأصوات الإستهجان أيضا ً من قبل أعضاء آيباك،  وتنفّسوا الصعداء لأن ذلك لم يحدث. والسؤال هو لماذا هذا القلق عندما يتحدّث الرئيس الأمريكي في مؤتمر ٍ يشجّع القيام بأوثق الروابط ما بين إسرائيل والولايات المتحدة ؟

 

          كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين قلقا ً جدّا ً في تسعينات القرن الماضي من احتمال عدم تلقيه الدّعم الكافي من آيباك في التقدّم بعملية أوسلو السلميّة إلى الأمام. والجدير بالذكر أنّ المعروف عن آيباك بأنها تشجّع القوانين التي تأتي بنتائج عكسيّة في الكونغرس. فقد فعلت ذلك في تسعينات القرن الماضي بتشجيع نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس قبل التوصّل إلى اتفاقيّة سلام إسرائيليّة – فلسطينيّة، الأمر الذي أحدث ضجّة واسعة وكان سيؤدي إلى استنكار ٍ دولي واسع النطاق والتشكيك في قدرة الولايات المتحدة كوسيط سلام ٍ للشرق الأوسط. وهناك من يقول أنّه بالرغم من هذه التشريعات فقد قامت الولايات المتحدة بالتوسّط بنجاح في اتفاقيّة الخليل عام 1997 ومذكّرة "واي ريفر" عام 1998 التي لحقت بها اتفاقيّة شرم الشيخ،  غير أنّ ذلك كلّه لا يغيّر حقيقة أنّ النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط في انحسار ٍ مستمرّ.

 

          لقد قامت آيباك أيضا ً بتشجيع إصدار تشريعات تحدّ من خيارات التمويل الأمريكي لدول مثل مصر ولبنان والفلسطينيين في محاولة ٍ منها للحدّ من تمويل الإسلاميين من ناحية، ولكن قد يجعل من ناحية ٍ أخرى أمر تمويل المعتدلين أصعب بكثير. وفي ردّ فعلها على هذه التشريعات الحديثة قامت وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون قبل حوالي أسبوعين بتوجيه رسالة إلى لجنة الشئون الخارجيّة في الكونغرس تذكر فيها بأن التشريعات المقترحة في الآونة الأخيرة "قد تُضعف جهودها للقيام بسياسة خارجيّة ودبلماسيّة معتبرة وتوظيف المساعدات الخارجيّة لهذا الغرض بشكل ٍ استراتيجيّ ".

 

          لم تكن موجات الترحيب الأخيرة التي استقبل بها في الآونة الأخيرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قبل الكونغرس سوى أحدث عرض ٍ غير مباشر لمثل هذا النفوذ. وفي مؤتمر آيباك السياسي كلّ عام والذي انعقد هذا العام بحضور أكثر من 10.000 شخصيّة يقوم مدراء آيباك بالإعلان عن قائمة أسماء أعضاء الكونغرس الحاضرين إسما ً إسما ً وقد فاق عددهم هذا العام 350 عضواً.  لقد قامت آيباك دائما ً باتخاذ موقف ٍ ملتبس بمعنى أنها من ناحية تنكر ادعاءات ممارستها نفوذ ٍ قويّ،  ومن الناحية الأخرى تعمل جاهدة ً على أن يقوم صنّاع القرار بالوثوق بها، الأمر الذي خلق فكرة أنّ الكونغرس الأمريكي في جيب إسرائيل، وهي فكرة تؤثّر سلبا ً على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط. لا غرابة إذن أن تستنتج السلطة الفلسطينيّة بأن الرئيس أوباما لا يستطيع إقناع نتنياهو أو الضغط عليه لتغيير اتجاه سياساته وصمّمت على تحدّي الولايات المتحدة بالذهاب إلى الأمم المتحدة طالبة ً الإعتراف بدولة فلسطينيّة بعكس النصيحة الأمريكيّة لها ألاّ تفعل ذلك.

 

          إنّ الأساس الذي تقوم عليه دفاعات آيباك عن إسرائيل هو أنّ هذه الأخيرة تحت الحصار ومحاطة بأعداء يريدون تدميرها بالكامل. لقد كان لهذا الدفاع تأثيرا ً على "تل الكابيتول" (مبنى الكونغرس الأمريكي في واشنطن) ولكنه لم يخدم حتّى الآن التقدّم بمقترحات سلام أمريكيّة فعّالة تحافظ على إسرائيل من سياساتها المدمّرة. ونجد إسرائيل اليوم -  بالرغم من جهود آيباك المضنية لمساندتها -  أكثر عزلة ً في الساحة الدوليّة من أيّ وقت ٍ مضى وسياساتها أصبحت تعادل مع استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربيّة بصورة متزايدة سياسات التمييز والفصل العنصري التي كانت تمارسها جنوب إفريقيا.

 

          زد على ذلك،  تفتقر قيادة إسرائيل في الوقت الحاضر للجرأة أو للرغبة في صنع سلام ٍ مع قيادة فلسطينيّة مدعومة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، غير أنّ آيباك رغم ذلك لم تفعل سوى القليل للتأثير على إسرائيل لتغيير موقفها. وبالرغم من أنّ السلطة الفلسطينيّة لم تتقدّم هي الأخرى بما هو أفضل من ذلك بكثير، غير أنّ من يمسك بمفتاح كسر الجمود السياسي هي إسرائيل وليس الفلسطينيين.  وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل إسرائيل اليوم في موقف ٍ دفاعي ويجعلها  ُملامة ً بصفة متزايدة للإفتقار إلى أي تقدّم في العمليّة السلميّة.

 

          علاوة ً على ذلك،  فإن تشريعات إسرائيل الآن مثل حظر المقاطعة والجهود المبذولة للتقليل من شأن طبيعتها الديمقراطيّة لصالح هويتها اليهوديّة يهدّد بشكل ٍ أساسي فكرة ديمقراطيّة إسرائيل.  ومع هذا كلّه تبقى آيباك صامتة ً حيال ذلك. وفي هذه الأثناء يتصاعد في واشنطن وفي عدد ٍ متنام ٍ من العواصم الأوروبيّة شعور الإستياء من إسرائيل وآيباك.

 

          يتطلّب استقرار العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة مستقبلا ً بأن تقوم آيباك بتغيير سياساتها ومسارها وتأييدها الأعمى لإسرائيل. لقد أسّست آيباك وبنجاح دعما ً وتأييدا ً من الحزبين الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري، لصالح العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة على أساس القيم الديمقراطيّة المشتركة والسّعي وراء سلام ٍ يعتمد على حلّ الدولتين. واليوم نجد هذا كلّه مهدّدا ً. وبالرغم من ذلك، فما زال بمقدور آيباك استخدام نفوذها – مهما كان مبالغا ً فيه في الواقع – للدفع قدما ً بسياسات جديدة. ويجب أن يكون محور هذه السياسات أنّه للإبقاء على علاقة ٍ أمريكيّة – إسرائيليّة قويّة في جيل أطفالنا على النحو الذي هي عليه الآن، يجب أن يعمل البلدان بالتعاون مع بعضهما البعض للدّفع قدما ً بالسّلام مع الفلسطينيين والعالم العربي بأكمله. لا يكفي أن يبقى ذلك شعارات تظهر على صفحة آيباك الإلكترونيّة، بل يجب تنفيذه علنا ً وبنشاط ودون تحيّز. هذا ما يجب أن يكون الهدف الأولي والأساسي لآيباك في الوقت الحاضر، فالتأييد الأعمى لحكومة نتنياهو لن يجلب سوى النتائج العكسيّة تماما ً.

          إنّ مستقبل إسرائيل كدولة ٍ يهوديّة وديمقراطيّة في خطر. وبالكيفيّة التي تنهار فيها ديمقراطيّة إسرائيل والرؤية نحو السّلام، كذلك ستنهار أيضا ً العلاقة الإسرائيليّة – الأمريكيّة. المسألة فقط مسألة وقت. فإذا كانت آيباك حقّا ً معنيّة ومهتمّة ً بدولة إسرائيل وبالعلاقة الأمريكيّة الإسرائيليّة، عليها أن تتأكّد كلّ ساعة ولحظة بأنّ هذا الإنهيار لن يحدث.

____________________________

 

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE