All Writings
أغسطس 23, 2006

عودة إلى الخطوة الأولــى

بقلم:  أ.د.  ألون بن مئير

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليــــــــة

 

 

          إن الاخبار التي مفادها بأن حماس وفتح على وشك عقد اتفاقية بينهما وتجنب ليس فقط صدامات قاتلة بين الطرفين، بل وأيضا التوصل إلى اتفاق حول برنامج سياسي وطني، هو أفضل ما يمكن أن يحدث للشعب الفلسطيني. إن الجمهور الفلسطيني وقد سئم من الاقتتال الداخلي والبلبلة السياسية والفساد – إضافة إلى الشلل السياسي في الوقت الحاضر – يصرخ وبصوت عال :" كفــى !". لربما،  وأقول مرة أخرى لربما،  يقوم الزعماء الفلسطينيون من جميع الاتجاهات السياسية والدينية والإيديولوجية الآن بالتخلي عن مصالحهم الذاتية الضيّقة فورا وبصفة نهائية والاستجابة لنداءات شعبهم بوضع نهاية للعنف والمعاناة.

 

          بعد عودتي الآن من زيارتي السادسة للشرق الأوسط في أقل من سنة لا أشعر بهذا التفاؤل الذي كنت بالتأكيد أشعر به معتمدا على فطرتي الطبيعية.  ولكنني أسأل نفسي ما الذي سيخسره الفلسطينيون،  وخصوصا حماس، في أن يدركوا أخيرا ما هي فرصهم وخياراتهم الحقيقية ؟  فإذا كان أتباع وأنصار حماس مصممين على تدمير أنفسهم بأنفسهم،  فليستمروا إذا في طريقهم الحالي،  معزولين ومنبوذين من المجتمع الدولي وفي نفس الوقت منشغلين في صراع قاتل على السلطة وعلى الصلاحيات مع حركة فتح،  تاركين عشرات المقاتلين والناس الأبرياء صرعى وجرحى .  ولكن ماذا إذا كانت خزينتهم فارغة والموظفون الحكوميون لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر والمظاهرات والاحتجاجات العنيفة قد أصبحت شيئا روتينيا،  والفلتان الأمني قد تجاوز كل حدود، والأمن الشخصي غير متوفر والشعب في إحباط وقنوط متزايدين ؟  ولنكن واقعيين !  ما لم تخلق سريعا حالة من الأمان والاستقرار،  فان الزعماء الفلسطينيين سيخططون بأياديهم الطريق للكارثة الوطنية.

 

          ولذا،  فإنها اللحظة الأخيرة  المتاحة لفتح وحماس وغيرهما من المجموعات والفصائل لوضع أياديهم على هذا الواقع المرّ واختيار طريق آخر. ومهما كانت الطريق التي سيختارونها،  فإنها لن تكون طريقا مفروشا بالورود بل

 

 

 

 

 

– 2 –

 

 

 

حافلة بالمخاطر والغدر وتختبر فيها باستمرار إرادتهم السياسية وتتطلب منهم حلول الوسط والتضحيات للإبقاء على نهج تقدمي وحدوي. ومن المؤكد بأن الوضع سيكون أكثر سهولة لو قبلت حماس بحقائق سياسية معيّنة أدّت إلى اعترافها بإسرائيل ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية المبرمة سابقا.  غير أن هذا لم يحدث.  وبعد لقاءاتي العديدة مع كثيرين من المسئولين الكبار في مصر وإسرائيل وتركيا والأراضي الفلسطينية استنتجت أن أمرا واحدا فقط بمقدوره أن يدخل شيئا من السلامة والتعقّل في الوضع الحالي المتدهور بصورة خطيرة،  ألا وهو هدنة شاملة ما بين إسرائيل والفلسطينيين.  وحيث أنه ليس من اللياقة أن أكشف عن تفاصيل اتصالاتي،  أستطيع فقط القول بأن جهودنا الثنائية التي ركّزت على إنهاء العنف علا كلا الجانبين قد أحرزت بعض التقدم،  الأمر الذي عزّز إلى حدّ ما تفاؤلي.

 

          سيفيد إنهاء العنف بلا شك جميع الإطراف المتورطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذا الصراع. سيضع حّدا لضربات إسرائيل الانتقامية العقابية وسيسمح للمفاوضات بالتقدم في جوّ هادئ.  هذا مع اعتبار سيطرة القانون والأمن والنظام شرط حتمي لاستعادة نمط طبيعي للحياة المدمّرة لأغلبية الفلسطينيين.  وبالرغم من هواجس القاهرة تجاه حماس،  غير أن الاستقرار في قطاع غزة يخدم أيضا مصالح مصر خصوصا وأن لديها حدود طويلة مشتركة مع غزة.  هذا إضافة إلى أن الاستقرار سيخفّف أيضا من المخاوف الأمريكية بخصوص حدّة الفوضى التي وصلت إلى حدّ قد يدمّر ما تبقى من خارطة الطريق التي اقترحتها الإدارة الأمريكية.

 

          إن إنهاء الأعمال العدائية الآن سيفيد الفلسطينيين لأنه سيغيّر أفكار ومشاعر الإسرائيليين بخصوص اتخاذ القرارات الأحادية الجانب من طرف حكومتهم. ففي حين تبقى حكومة أولمرت ملتزمة تجاه سياسة إعادة النظر في المكاسب الإقليمية التي تدعو لانسحاب من معظم مناطق الضفة الغربية،  فان التأييد الشعبي في إسرائيل لصالح الانسحاب الأحادي الجانب قد بدأ ينحسر.  ويبدو

 

 

 

 

 

 

– 3 –

 

 

 

 

أن هذا التحوّل ناشئ من الضغط الدولي على إسرائيل لأتباع تسوية تفاوضية مع الفلسطينيين وأيضا لإدراك الإسرائيليين بأن فكّ الارتباط الأحادي الجانب من غزة لم يجلب لهم الهدوء المنشود. وقد يكون الفلسطينيون من وجهة النظر هذه قد كسبوا الحملة الدعائية الدولية.  فإذا كان الأمر كذلك،  فان هذا "النصر" يعطيهم فرصة ذهبية للبدء في مفاوضات مع إسرائيل ما دام الهدوء مسيطرا على الوضع.  وفي حالة اتفاق حماس وفتح على أجندة وطنية موحّدة لن يكون هناك حتى ضرورة لإجراء استفتاء شعبي.  إن مصداقية الرئيس محمود عباس ستتعزّز  إلى حدّ كبير في أعين نظرائه الإسرائيليين على طاولة المفاوضات إذا التزمت فقط جميع الفصائل التزاما تاما بهدنة شاملة. حينها ستقوم إسرائيل أيضا بخطوات ايجابية فعّالة لتقوية موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذلك على سبيل المثال بإنهاء الاغتيالات وإزالة العديد من حواجز الطرق والإفراج عن الأسرى والقيام بتصريحات علنية تدعم جهوده.

 

          لقد كان في عملية البحث عن نهاية للعنف حتى الآن – كقاعدة تبني عليها جميع الإطراف طبقات من الثقة – شيئا من المراوغة ومحاولة التملّص،  ولكن تبيّن أن لا شيء يؤدي إلى إمكانية عقد اتفاقية بين الطرفين سوى قيامهما بإنهاء جميع أشكال العنف.  هذا ويجب على حماس وفتح الاتفاق على الشرط الأساسي وهو التوصل إلى مصالحة وطنية تمكنهما من الشروع في عملية التفاوض الشاقة مع إسرائيل.  إن التزامهما بإنهاء الأعمال العدائية يجب أن يبقى ثابتا بصرف النظر عن العراقيل والصعوبات التي قد تبدو بين حين وآخر مستحيلة التغلب عليها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE