All Writings
يوليو 16, 2007

عودة إلى الجدل حول سوريــــا

16 يوليو ( تموز ) 2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

منذ سنوات عدة مضت وأنا أدافع عن أهمية أشراك سوريا بصورة بنّاءة ليس فقط لتحسين فرص سلام شامل بين العرب وإسرائيل، بل من أجل المساهمة أيضا جوهريا في استقرار الشرق الأوسط. ومع تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة يوميا، وبالأخص في لبنان، المناطق الفلسطينية والعراق، تستطيع دمشق أن تلعب دورا مهما في صدّ تيار العنف. ومن دواعي السخرية المحزنة أن تبقى إدارة بوش – التي تكافح من أجل استقرار الوضع، خصوصا في العراق – عمياء تجاه ضرورة تغيير إستراتيجيتها نحو سوريا لدعم ديناميكية المنطقة سياسيا وأمنيا على الأقل بالحد الأدنى من السلام والأمن.

أحد الآراء المناهضة لتغيير السياسة تجاه دمشق هو أن الولايات المتحدة قد تبدو أمام العالم وكأنها تكافئ التطرّف والسلوك السيئ. المؤيدون لهذا الرأي مخطئون، فالسياسة في نهاية المطاف وفي التحليل النهائي يجب أن تحدّد بمقياس النتيجة المرجوّة. فإذا كان الاعتدال والتعاون ما تطلبهما الإدارة الأمريكية من سوريا، والسياسة الحالية للرئيس بوش الهادفة إلى تغيير النظام في دمشق قد فشلت كما يتضح، فلماذا الانتظار ؟ أفلم يحن الوقت الآن لأخذ خيارات سياسية جديدة بعين الاعتبار ؟ ورأي ثان مناهض أيضا لتغيير السياسة هو ما يقول أن التعامل مع سوريا لن يعني شيئا سوى استرضاء سوريا على حساب المبادئ الأخلاقية الأمريكية وأن الولايات المتحدة تخضع أيا للإرهاب. وأنا شخصيا أعتقد بأن الحقيقة هي العكس تماما: ففي عدم تغيير مسارها السياسي تستسلم أمريكا في الواقع للإرهاب. سوريا ستتعاون حقيقة مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وفي عدة طرق مختلفة، شاملة المساهمة في المعلومات الاستخباراتية كما فعلت فورا بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر ( أيلول ). أما الرأي الثالث فيزعم بأن التعامل مع سوريا سيكون على حساب لبنان. ولكن مرّة أخرى، العكس هو الأرجح. فإشراك سوريا سيكون له على لبنان تأثيرا ايجابيا وليس سلبيا. ويكمن السبب في ذلك في الحقيقة التي تسبّب لأمريكا معظم القلق وهي أن دمشق تمارس أكبر سيطرة على حزب الله وعلى عناصر سياسية وأمنية أخرى لدرجة أنه بإمكانها أن تؤثر تأثيرا فعّالا على سلوكها بشكل أو بآخر. وللتأكيد، فان الاستقرار الداخلي للبنان يعتمد بدرجة كبيرة على سوريا لأن دمشق تبقى ضالعة في شئون لبنان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية.

دمشق مدركة تماما بأن عليها دفع ثمن في أية مفاوضات سلام مع إسرائيل إذا كانت هذه المفاوضات ستؤدي إلى إعادة مرتفعات الجولان لسوريا. غير أن هذا الثمن يجب أن يكون متمما أو متكاملا مع المفاوضات وليس شرطا مسبقا لها. ليس لدمشق أي حافز أن تبدي استعدادها للمساعدة في كبح جماح التطرّف إذا استمرّ التهديد بتغيير النظام حائما فوق رأس الحكومة. وبالفعل، كلّما اشتدّ التهديد على النظام السوري اشتدّت قبضة قادة النظام على السلطة. والعكس هو الصحيح أيضا: فكلما شعر النظام بأمن أكثر، زاد الاعتدال المتوقع من قادته. بالتأكيد، على سوريا أن تبيّن للعالم بأن دعوتها لمفاوضات السلام ليست مجرّد لعبة تكتيكية لكسب الوقت الذي قد تستعدّ سوريا خلاله للقيام بمغامرة جديدة، بل انه جزء من إستراتيجية حقيقية للسعي وراء السلام. ولذا، على سوريا أن تكون مستعدة للقيام بخطوات وإجراءات واضحة وشفافة، شاملة قطع علاقاتها مع المجموعات الإسلامية المتطرفة وإنهاء دعمها اللوجستي السياسي لحزب الله وصدّ تيار تدفق المحاربين والمتمردين والمعدات العسكرية إلى العراق ووضع نهاية لدعمها لحماس بالبرهان على التزامها بالسلام.

وبالرغم من أنك لن تجد مسئولا سوريا يقرّ بذلك، ولكن استنادا إلى معلوماتنا فان تغيير السياسة تجاه دمشق سيجلب معه الكثير من هذه النتائج المأمولة لأن القادة السوريون سيتصرفون بكلّ بساطة بما تمليه عليهم مصالحهم وهم يدركون حدود وقيود سياساتهم الآنية الضيّقة ويسعون لإعادة العلاقات الودية مع الولايات المتحدة. وبالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فان المكاسب المأمولة والمتوقعة كبيرة جدا ويجب على هاتين الدولتين ألا تفسحا مجالا للشك وتقومان بناء عليه بالاستمرار بالسياسات القديمة التي لم تؤدي إلى شيء سوى إلى تقويض الأوضاع الأمنية والإقليمية. وسوريا لن تذهب بعيدا ! فبصرف النظر عن طبيعة وتركيبة النظام في دمشق، أكان ديمقراطيا أم استبداديا، فان تسلّط الفكر الوطني على السوريين لاستعادة الجولان ومصالحهم التاريخية والخاصة في لبنان لن تنتهي هي الأخرى. فما دامت دمشق مستمرة في المطالبة بكلا الأمرين، بالجولان ومصالحها في لبنان، علينا أن نتوقّع بأنها ستفعل أي شيء بمقدورها أن تفعله لضمان مصالحها الذاتية. وحيث أننا لا نتوقّع في أيّ وقت في القريب العاجل بروز ديمقراطية فعّالة ومستقرة في سوريا، فان من الأفضل بكثير للولايات المتحدة وإسرائيل أن تتعامل مع نظام لديه القدرة على إلزام نفسه بسياسة معيّنة وبمجموعة من الإجراءات واتخاذ الخطوات اللازمة لدعم التزامه هذا.

لماذا إذن هذا الكلام الكثير عن حرب صيف جديدة قد تقحم سوريا وإسرائيل فيها، ولربما حزب الله أيضا، اذا كانت القنوات لمفاوضات السلام مع سوريا مفتوحة على مداها والأحوال الأمنية الإقليمية قد تزداد سوءا فقط إذا بقيت السياسة
الحالية على ما هي عليه ؟ بالتأكيد، قد تسمح حكومة إسرائيلية ضعيفة وإدارة أمريكية غارقة في مستنقع العراق بتقديم بعض الإجابات على مثل هذه الأسئلة، ولكنها غير كافية لتبرير الاستمرار في سياسة فاشلة ومشئومة. لقد ذكرت الاستخبارات الإسرائيلية بوضوح بأن عرض سوريا للسلام هو عرض حقيقي وبأن سوريا هي المفتاح للاستقرار الإقليمي. وفي الولايات المتحدة العديد من الشخصيات حسنة الاطلاع وذات النفوذ، ومجموعات داخل وخارج الإدارة، جمهوريون وديمقراطيون، بما في ذلك مجموعة دراسة العراق، قد عبّرت عن رأيها بشدّة لصالح أشراك سوريا. ولكن حتى الآن لا تغيير وشيك في السياسة الأمريكية، لا بل عكس ذلك، فالإدارة الأمريكية مستمرة في ممارسة الضغط على حكومة أولمرت لضمان عدم التفكير في انفتاح إسرائيلي أحادي الجانب تجاه سوريا.

إذا كانت سياسة الرئيس بوش في العراق في ظل هذا العناد تقدّم أي مؤشّر على الاتجاه الذي تسلكه هذه الإدارة، لن يستغرب أحد إذا نشبت حرب جديدة في الصيف، لا لسبب آخر سوى لكسر الإحراج الواهن لمرور أربعين عاما على حرب الأيام الستّة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE