All Writings
أغسطس 23, 2006

نظرة الى ما وراء الحواجــــــــز

بقلم:  أ.د.  ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدوليةبجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة إن إعادة تشكيل سياسات إسرائيل على النحو الذي رسّخته الانتخابات الأخيرة يمثّل خطا فاصلا في السياسات الإسرائيلية. فلأول مرة منذ عام 1967 يؤيد تحول سياسي لمواقف عدة أحزاب – تمثل أغلبية جمهور المنتخبين -  الانسحاب من معظم أراضي الضفة الغربية. فبوراثة مسئوليات وصلاحيات رئيس الوزراء شارون يستطيع ايهود أولمرت – زعيم حزب كاديما ورئيس الوزراء الجديد على أكبر احتمال – أن يحشد الآن التأييد السياسي الذي يحتاجه لتحقيق هدفه في فك الارتباط عن طريق الانسحاب وإتمام بناء الجدار الفاصل. وبصرف النظر عمّن سيتزعم السلطة الفلسطينية،  أعتقد جازما بأن فك الارتباط سيحسّن،  لا أن يزيد من تدهور العلاقات مع الفلسطينيين. وأود في هذا السياق طرح ثلاث نقاط هامة: أولا:  على الرغم من أن انسحاب إسرائيل عائد بصورة أساسية لدوافع واعتبارات ديموغرافية تجعل من استمرار الاحتلال أمرا لا يطاق على الدوام،  فان الانسحاب على أية حال يقلّص من الاحتلال وينهيه في نهاية المطاف. إذن ليس هناك مبرر لعدم قيام الحكومة الإسرائيلية القادمة بالإعلان جهارا عن رغبتها في إنهاء الاحتلال بدلا من أن تجعل الانسحاب يبدو وكأنه " هدية طوعية"، خصوصا إذا تم تنفيذه من جانب واحد.  ولربما يبدو الأمر وكأنه اختلاف في مدلول الألفاظ،  ولكنه ذات أهمية لا ن إسرائيل والفلسطينيين ينظرون إلى طبيعة الصراع من خلال مناظير مختلفة كليا عن بعضها البعض. فبالرغم من أن الانسحاب الإسرائيلي قد ينهي في نهاية المطاف الاحتلال – وهو ما يريده كلا الطرفين – غير أن للفلسطينيين مأخذ أكثر على الانسحاب أحادي الجانب وينظرون إليه " كمصدر لمزيد من الصراع". وبالمقابل،  فان إسرائيل عكس ذلك ترى الانسحاب من جانبها بمثابة إظهار حسن نية تجاه الفلسطينيين.  أولمرت يشعر بذلك بصورة خاصة،  فقد قال في خطاب فوزه بالانتخابات (مخاطبا الشعب الفلسطيني): "نحن مستعدون للتنازلات وللتخلي عن جزء من أرضنا الحبيبة إسرائيل وترحيل بألم يهود يعيشون هناك للسماح لكم بالظروف التي من شأنها أن تحقق لكم أملكم والعيش في دولة في سلام واطمئنان".  ولكن هذا القول يتعارض مع الواقع الذي على إسرائيل مواجهته، وهو أنها قوة محتلة ومن الضروري إزالة وصمة عار الاحتلال عنها. على إسرائيل – بالدرجة الأولى -  العمل على إزالة الحاجز النفسي القائم حاليا بين الإسرائيليين والفلسطينيين والمتمثل بالاحتلال نفسه.   ثانيا:  حيث أن إسرائيل عازمة على فصل نفسها "جسديا" (طبيعيا) عن الفلسطينيين والانسحاب من معظم المناطق،  من الضروري أن ترافق عملية الانسحاب سياسة مصالحة لخلق سلام وعلاقات إنسانية أفضل مع الشعب الفلسطيني. وفي حين يجب على الحكومة الإسرائيلية ألا تسمح أبدا بأي عمل من أعمال العنف،  عليها في نفس الوقت الامتناع عن سياسة العقاب الجماعي لان هذه السياسة تسبب كربا وألما شديدين لكثيرين من الفلسطينيين الأبرياء.  يمكن أن تحقق إجراءات مثل الاعتقالات الجماعية ونسف بيوت عائلات المنتحرين وفرض قيود شديدة على حركة الناس والبضائع وتدمير الممتلكات ومصادرة الأراضي لغرض إقامة الجدار الفاصل بعض الأهداف الفورية المحددة،  غير أنها على المدى البعيد ستأتي بنتائج عكسية إلى حدّ كبير وتثير شعورا شديدا للكراهية ورغبة جامحة في الانتقام.  لن تنتهي العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بمجرّد الانتهاء من بناء الجدار والانفصال الكامل للشعبين عن بعضهما البعض،  بل ستخفف جهود إقامة علاقات طيبة بين الجانبين من سلبيات الانفصال "الجسدي" والسياسي.  وعلى الحكومة الاسرائيلية أن تأخذ دائما بعين الاعتبار أن مصير الإسرائيليين والفلسطينيين في النهاية أن يتعايشوا مع بعضهم البعض في السراء والضراء.            ثالثا:  على الحكومة الاسرائيلية الجديدة ألا تنادي بمطالبات من المستحيل على قادة حماس تنفيذها في الوقت الحاضر. على سبيل المثال المطالبة في هذه المرحلة بالذات باعتراف حماس بحق إسرائيل في الوجود يخلق عراقيل جدية من شأنها فقط أن تضيّع أية فرصة للحوار حتى مع الفلسطينيين المعتدلين اللذين ترغب إسرائيل في التعامل معهم. السبب هو: أولا مثل هذا المطلب لا يشكّل بحد ذاته شرطا مسبقا للمفاوضات مع إسرائيل لأنه – إذا أرادت فعلا التفاوض مع الفلسطينيين – بإمكانها أن تتفاوض مع رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس الذي اعترف بحق إسرائيل في الوجود. وثانيا:  إسرائيل ليست بحاجة لاعتراف حماس بها ولا تلهث وراء هذا الاعتراف لترسيخ شرعيتها أو العمل بصورة أفضل بما تمليه عليها المصالح القومية اليهودية. وثالثا: سيدرك قادة حماس عاجلا أم آجلا بأن عليهم التعامل مع إسرائيل إذا أرادوا الوفاء بوعودهم تجاه ناخبيهم الفلسطينيين.  في الواقع،  ما على إسرائيل أن تصر عليه هو أن تقوم حماس بنبذ تأييدها للعنف ورفض إسرائيل التفاوض معها في ظل جوّ من إطلاق النار. أضف إلى ذلك،  بالمكان إسرائيل أن تصرّ أيضا على ضرورة قبول حماس بأية اتفاقية سابقة مبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية،  وهو مطلب يبدو بأن حماس ميّالة إلى تنفيذه.                    إسرائيل تتمتع اليوم أكثر من أي وقت مضى بقوة عسكرية واقتصادية هائلة. ولكن في الوقت الذي تستطيع فيه إسرائيل اتخاذ خطوات أحادية الجانب والتفاوض من مركز القوة،  عليها إظهار حكمة وتبصّر وحساسية في ممارسة قوتها تجاه الفلسطينيين. ففي الوقت الذي يستمر فيه أيضا السيد أولمرت في تنفيذ خططه الهادفة إلى فك الارتباط ، عليه أن يقوم بكل ما بوسعه لكي لا يقصي الفلسطينيين من الاشتراك في هذه العملية، بل يقوم بتنفيذ برنامجه مع بناء جسور السلام والجوار بدلا من بناء الجدران الخرسانية والبشرية.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE