All Writings
مارس 11, 2008

هدنـة: ولكـن لأي مـدى؟

11آذار (مارس) 2008

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

قد تؤدي الهدنة التي تمّ التوصل إليها بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية إلى وقفٍ مؤقت لإراقة الدم. وإذا كانت هذه الهدنة تنقذ حياة إسرائيلي واحد، أو فلسطيني واحد، فهي جديرة بالجهد الذي يُبذل من أجلها. ولكن هدنة ليست في إطار إستراتيجية جديدة تؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية بصورة دائمة لن تكون إلاّ لصالح حماس وستقوّض الهدف النهائي للمعتدلين على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. يجب على إسرائيل والدول العربية المعتدلة أن تنظر إلى ما أبعد من غزّة لتغيير ديناميكية الصراع. ولن يحقّق هذا الزخم لاختراق فعلي سوى تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

قد يكون هناك الشيء الكثير من الجدارة للقول القائل بأنه إذا اتخذت إسرائيل خطوات معيّنة لدعم مخيّم الرئيس محمود عباس بتخفيف المعاناة الإنسانية على الفلسطينيين، فقد يبرهن ذلك للجميع بأنّ الإعتدال يؤتي ثماره في حين يظهر عجز حماس للقيام بالمثل. وعلى وجه الخصوص، سيدعم السماح لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية بأخذ المسئولية عن المعابر الحدودية بين غزة وإسرائيل والسماح بتدفق البضائع في كلا الإتجاهين، حركة فتح ويقوّض سلطة حماس في نظر الشعب. ولكن مهما كانت هذه الخطوات وغيرها مفيداً، إلاّ أنها تبقى مؤقتة ولن تؤدي لوحدها إلى حل طويل الأمد بدون اتخاذ بعض الإجراءات العنيفة المتزامنة والمنسجمة مع بعضها البعض لتغيير معادلة الصراع بأكملها. هل ندع
الفضل لحماس في أي تحسّن في الحياة اليومية للفلسطينيين أو استغلال يأسهم بمهارة؟ أضف إلى ذلك فإن الهدنة، مهما كانت الظروف، ستسمح لحماس بإعادة تعبئة صفوفها وتدريب قواتها وتكديس المزيد من الأسلحة والصواريخ والذخيرة وأن تصبح مستعدة أفضل للمواجهة القادمة مع إسرائيل. هذا سيناريو لن تقبل إسرائيل على الأرجح به. وعلى أية حال، يبدو الآن أن الإغواء بهدنة سيقوي حماس بدلاً من إضعافها، الأمر الذي سيعود بالضرر على المعتدلين الفلسطينيين. لن يكون بالإمكان تدمير حماس كلياً كحركة، بل إضعافها إلى حد بعيد، وذلك بالنظر إلى ما تستند إليه الحركة من عقيدة دينية قوية وتصميم على تصفية إسرائيل. وما دامت إيران، من خلال سوريا، مستمرة في دعم حماس بالمال والأسلحة والتدريب، ومصر غير قادرة على إيقاف تدفق الأسلحة إلى غزة، لن يكون بمقدور السلطة الفلسطينية استرجاع مواقع حماس ولن يكون أيضاً بمقدور إسرائيل كذلك تدميرها كلياً كحركة مسلّحة.

إن الهجوم الأخير الذي وقع يوم 6 آذار (مارس) على ميركاز هاراف يشيفا، وهي كلية دينية رائدة في قلب مدينة القدس والذي قتل فيه ثمانية طلاب، يعتبر أكثر من عمل ثأر لعشرات الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة قبل بضعة أيام من الهجوم. إنه يشكّل هجوماً على مؤسسة دينية تدعم حركة الإستيطان ويؤكد على الخطر المحدق المتمثل بتصعيد الصراع الديني ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لإسرائيل والدول العربية كل المبررات لصدّ هذا التيار من التطورات قبل أن يخرج كلياً عن السيطرة.

إن الحل يحدﱢق في وجوه الأمريكيين والإسرائيليين والدول العربية منذ وقت طويل، غير أن الإدارة الأمريكية بوجه الخصوص بقيت مسمّرة في سياستها الفاشلة التي تحاول تغيير النظام في سوريا بدلاً من إغوائها للدخول في العملية السلمية. إنّ دعم سوريا لحزب الله ولحماس ما يبرّره من مصالح وطنية. أولاً، مصالح سوريا ذات الطابع الخاصّ في لبنان ورغبتها في استعادة مرتفعات الجولان، وثانياً الفوائد المتعددة، بما فيها المساعدات المالية، التي تحصل عليها سوريا من إيران. فالمتهم الحقيقي هو النظام الحاكم في إيران الذي – آخذاً على نفسه التزاماً دينيّا ً بتقويض العملية السلمية – سيفعل أي شيء لنزع استقرار المنطقة. وفي هذه النقطة تلتقي مصالح إيران وسوريا. فطهران لا تستطيع فعل الكثير بدون دعم سوريا السياسي واللوجستي لحزب الله ولحماس. والنتيجة النهائية هي أن سوريا تمسك بمفتاح مصير كلا المجموعتين وستستمر بإثارة الوضع في لبنان وفي المناطق الفلسطينية لصالحها. ولذا فإن التعاون بين دمشق وطهران يتميّز بطابع تكتيكي فقط وليس له قيمة استراتيجية طويلة الأمد بالنسبة لسوريا بل سيبقى قائماً ما دامت واشنطن مصرّة على عزل وتهميش دمشق.

الوقت ما زال غير متأخراًبالنسبة للإدارة الأمريكية لتغيير سياستها، وبالأخصّ بعد مؤتمر أنابوليس للسلام الذي حضرته سوريا، غير أنه من غير المحتمل أن يقوم الرئيس بوش بذلك بدون حث قوي جداً من طرف إسرائيل والدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، هذا إضافة إلى مصر والأردن، فلهذه الدول مجتمعة ثقل معتبر في واشنطن. ولذا على هذه الدول أن توضّح للرئيس بوش بما لا يدعو مجالاً للشك أنّه في حالة عدم اتخاذ إجراء حاسم وفوري، فقد يؤدي الوضع الحالي المتفجر إلى كارثة. إسرائيل لم تعد تجد راحة مع سياسة بوش ذات الطريق المسدود تجاه سوريا التي تعطي الحكومة الإسرائيلية الأمل الخادع أنه بإمكانها الإحتفاظ بمرتفعات الجولان إلى ما لا نهاية. إن الدول العربية تعي تماماً بأن إغراء سوريا للخروج من فلك إيران له أهمية قصوى بالنسبة لأمنها الداخلي من ناحية ولاستقرار المنطقة من الناحية الأخرى.

وعلى الدول العربية أن تبيّن بكلّ وضوح بأن سياسة بوش حتى الآن لم تقوّي سوى القوى الإسلامية المتطرفة، في الوقت الذي تعطي فيه إيران الحرية لتقويض مصالح أمريكا وحلفائها. لن يتم حلّ لا الأزمة في لبنان ولا الصراع مع حماس إلاّ بعزل إيران. ولتحقيق ذلك، يجب على الإدارة الأمريكية أن تتعامل مباشرة مع سوريا. إنّ سوريا مستعدة لتغيير علاقاتها جذرياً مع المجموعات البغيضة ومع إيران، ولكن لهذا كله تسعيرة عالية الثمن. إن قائمة طلبات دمشق، شاملة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة واستعادة مرتفعات الجولان والإحتفاظ بعلاقة خاصة مع لبنان، لا تعتبر مبالغ فيها، لا بل قد يكون لا مفر منها إلى حدّ ما.

لن تدوم الهدنة بين إسرائيل وحماس إلاّ إذا كانت سوريا "على متن القطار"، لأن حماس، بدون دعم سياسي وبمساعدة مالية محدودة فقط وإمدادات مقتضبة من الأسلحة، لن يبقى لها خيار آخر سوى العيش مع الهدنة والتكيّف مع الوضع الجديد دون الإنغواء إلى مقاومة إسرائيل عسكرياً.

___________________________________________________

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE