All Writings
نوفمبر 5, 2007

لاتدعوا المبادرة العربية تموت

5 نوفمبر (تشرين ثانٍ) 2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

إن أكثر الإعلانات زخماً التي خرجت من العالم العربي كانت المبادرة العربية التي تبنّاها للمرّة الثانية مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الرياض, المملكة العربية السعودية في شهر مارس (آذار) 2007. وسيكون أمراً مأساوياً إن سُمح لهذه المبادرة أن تموت بالطريقة التي ذبلت وماتت بها في بيروت/ لبنان عندما عرضت لأول مرة من قبل المملكة العربية السعودية في شهر مارس (آذار) 2002. إنّ المبادرة العربية تقدم الأمل الوحيد لسلام عربي – إسرائيلي شامل. ولها القدرة على إخماد الكثير من النيران المروعة والتطرف الذي عمّ منطقة الشرق الأوسط بأكملها ويهدف إلى إلحاق الضرر بأمريكا وحلفائها في المنطقة.

سيرسل الإهمال المستمر للمبادرة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل رسالة خطيرة إلى العالم العربي مفادها بأن كلّ من هاتين الدولتين غير مهتمة في إنهاء الصراع المدمّر الذي استمر حتى الآن ما يزيد عن ستين عاماً. وبذلك سيترك الأمر للمجموعات الإسلامية المتطرفة من إرهابيين وجهاديين وتكفيريين للسطو على الأجندة السياسية وجعل ما نشاهده اليوم من اضطرابات وسفك دماء يبدو وكأنه "بروفة" أو مقدمة بسيطة جداً لا تذكر مقارنة بما ستجلبه علينا الأيام القادمة المشئومة.

تطلب المبادرة جوهرياً من إسرائيل الموافقة على الانسحاب الشامل من المناطق المحتلة, التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين استناداً إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم (194) وقبول دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون القدس الشرقية عاصمتها. وبعد أن تحدّثت حول المبادرة مع عشرات من المسئولين العرب والإسرائيليين أشعر بشدّة بأنه يمكن التوفيق تماماً ما بين المطالب الواردة في المبادرة ومتطلبات إسرائيل الأساسية للسّلام وهي: (1) ضمان أمن إسرائيل القومي وسيادتها الإقليمية على أراضيها, (2) الإبقاء على الهوية اليهودية القومية لإسرائيل, (3) ضمان وحدة القدس كعاصمة إسرائيل حتى بعد تسوية الخلافات بشأنها مع الفلسطينيين و (4) إقامة علاقات طبيعية مع العالم العربي بأكمله.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تعتبر المبادرة العربيّة مهمة لهذه الدرجة بالنسبة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً ؟
أولاً, التوقيت: تأتي المبادرة في وقت تستمر فيه حرب العراق بلا هوادة وبدون نهاية مرتقبة, وإيران تكشف عن طموحاتها لأن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة والمسلّحة بأسلحة نووية, وفي وقت يشتد فيه الصراع السني – الشيعي في العراق مهدّداً بابتلاع المنطقة بأكملها, والتطرف الإسلامي المتشدّد والمجموعات الإرهابية تكسب تأييداً شعبياً وتشكل خطراً واضحاً في الوقت الحاضر للولايات المتحدة وحلفائها, وخصوصاً إسرائيل والدول العربية سنية المذهب في المنطقة.

ثانياً: خلافاً لأية مقترحات وخطط أخرى للسلام, بما فيها خارطة الطريق ومبادرة جنيف وخطة كلينتون – باراك للسلام, تعتبر هذه المبادرة عربية صرفة وتمثل الكيان السياسي العربي بالكامل. هذا أمر في غاية الأهمية. لأن الشوارع العربية اليوم معادية بصورة علنية للولايات المتحدة وإسرائيل. فالمجتمعات العربية ستميل من الناحيتين البديهية والنفسية إيجابياً أكثر بكثير إلى مبادرة نابعة من حكوماتها وستحشد تأييداً شعبياً كاسحاً لها.

ثالثاً: وحيث أنه يوجد اليوم العديد من المجموعات والتنظيمات العربية المتطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله التي تعارض العملية السلمية, فإن الإدارة السياسية العربية الجماعية هي الوحيدة القادرة على كبح جماح هذه المجموعات بشتى الوسائل. أضف إلى ذلك, بدون هذا الجهد الجماعي سيكون من المستحيل محاربة الإرهاب بصورة ناجحة إلاّ إذا تمّ عزل المجتمعات التي تساند هذه المجموعات الإرهابية عن قياداتها. وهنا أيضاً من شأن الدول العربية فقط بالتنسيق والتفاهم فيما بينها أن تحدث التغيير الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي المنشود في المنطقة, واستعمال القوة أيضاً عند الضرورة للوصول إلى ذلك الهدف.

رابعاً: تعتبر المبادرة العربية شاملة من حيث أنها تغطي جميع قضايا الصراع العالقة بين إسرائيل والدول العربية. وللتوصل إلى سلام شامل, يجب أيضاً تسوية النزاع القائم بين إسرائيل وسوريا حول مرتفعات الجولان. سوريا لاعب مهم في سياسة المنطقة والجهود التي بذلتها إدارة بوش لعزل أو تهميش سوريا لم تفعل شيئاً سوى زيادة تردي الأوضاع الأمنية في شمال إسرائيل ولبنان والعراق. أضف إلى ذلك, إنّ إغراء سوريا للعودة إلى المعسكر السني العربي سيشفط الكثير من الرياح التي تزيد من لهيب الصراع السني – الشيعي.

وخامساً: وحيث أن إيران نمت وازدهرت وتستمر في النمو والازدهار على حساب السخط العربي تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل, فإن أي تقدّم جوهري يتم

على أساس المبادرة العربية سيحدث تآكلاً لنفوذ إيران في المنطقة ويعطي المعتدلين الإيرانيين مزيداً من الدعم في تدبير شئون دولتهم. وإبعاد سوريا عن إيران سيجبر إيران أيضاً على وضع حدّ لامتدادها أو توسعها في منطقة الشرق الأوسط وإلى إعادة النظر في طموحاتها الإقليمية وتقليص نفوذها, إن لم يكن سيطرتها, إلى أبعد الحدود على حزب الله وحماس والمجموعات المتطرفة الأخرى.

وللتأكيد, لقد قرّرت الدول العربية إعادة صياغة المبادرة وتبنيها بسبب تعرضها المتزايد للخطر الناشيء من تقارب أوإلتقاء الأحداث المأساوية الناتجة عن الحرب في العراق والقدرة الإقليمية الناسفة لهذه الأحداث في المنطقة. إنهم يرون إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي كشرط مسبّق لمعالجة العديد من المشاكل التي أبتلي بها الشرق الأوسط بصورة فعّالة ولترسيخ الاستقرار في المنطقة وتوفير الأمن لأنظمتهم. غير أنه يجب على القادة العرب – عدا قادة مصر والأردن اللذين وقّعوا معاهدات سلام مع إسرائيل واللذين خوّلهم مؤتمر القمة العربية لمتابعة المبادرة مع إسرائيل – ألاّ يقفوا مكتوفي الأيدي وينتظروا فقط. عليهم أيضاً مدّ أياديهم لإسرائيل وأن يظهروا للعالم بأن مبادرتهم فعليّة وأنهم مستعدون لإشراك الإسرائيليين على جميع المستويات وفي نفس الوقت التّمسك بمبادىء المبادرة.

لقد تمّ تفويت العديد من الفرص في الشرق الأوسط, الأمر الذي نتج عنه العديد من المآسي أيضاً. فهل من الغرابة إذاً أننا وبعد ستين عاماً ما زلنا في شرك نفس هذا الصراع الدامي والمدمّر الذي لا معنى له؟ أعتقد أنه لن تقع مأساة على الشرق الأوسط أعظم من تلك التي قد تنتج عن موت المبادرة, لأنّ هذه المرة لن تكون هناك فرصة أخرى لانبعاثها من جديد.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE