All Writings
فبراير 1, 2011

مستقبل مصر بيد الجيش

 بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          لقد أصبح الآن من الواضح تماماً بأن مستقبل استقرار مصر وإصلاحاتها السياسية وتقدمها تقع جميعها بيدي قواتها العسكرية بشكل تامّ تقريباً. وبخلاف جيوشٍ أخرى في دولٍ عربية، فإن جيش مصر من أكثر المؤسسات المعتبرة التي نالت إعجاب واحترام الشعب. فالقوات المسلّحة المصرية تشبه إلى حدّ ما الجيش الإسرائيلي، فالخدمة فيها إجبارية وهي مؤلفة من جنود شباب من جميع الأطياف العمرية وبانتماء فريد من نوعه والتزام برخاء وسلامة أمتهم.

 

          وبهذا المفهوم فإن الجيش الشعبي هو من ينظر له معظم المصريين بتقدير واحترام. وبالرّغم من أن الجيش كان مؤيداً لحكومة مبارك، فقد ظلّ بعيداً عن النزاع وغير ملطّخ إل حدّ بعيد بالفساد مقارنةً بالعديد من المؤسسات الحكومية الأخرى. وعندما أعلن ناطق باسم الجيش على شاشة التلفاز المصري الحكومي بأنّ "القوّات المسلحة لن تلجأ لاستخدام القوة ضد شعبنا العظيم" فإنّ ذلك يعني وبشدّة بأن القوات المسلحة لا ترتقي فقط لتوقعات وطموحات الشعب، بل قرّرت أيضاً عدم دعم الرئيس المصري المحاصر إذا كان ذلك يعني قمع المتظاهرين بالقوة. لقد تعزّز هذا التّحول المثير والمفاجىء للأحداث عندما قال نفس المتحدث العسكري مخاطباً المحتجين بأن الجيش أدرك "شرعية مطالباتكم" و"يؤكد بأنّ حرية التعبير من خلال الوسائل السلمية هو حق مضمون لكل شخص".

 

          لا يستطيع أحد أن يقلّل من شأن أهمية هذا التطور الخطير، ليس فقط بسبب نتائجه المحليّة بل وتداعياته الإقليمية أيضاً، وبالأخص فيما يتعلّق بالولايات المتحدة واتفاقية السلام المبرمة ما بين مصر وإسرائيل. لقد كانت مصر دائماً وستبقى المحور المركزي لاستقرار

-2-

 

المنطقة. لقد عملت حكومة مبارك بكل اجتهاد ومثابرة للتوسط ما بين إسرائيل والفلسطينيين ولم توفر أي جهد للحدّ من تجاوزات حماس. والحكمة القائلة بأنّه "لن يكون هناك حرباً عربية – إسرائيلية جديدة بدون مصر ولن يكون هناك سلاماً شاملاً بدون سوريا" ما زالت صالحة حتّى يومنا هذا. ولذا فباتخاذ الجيش المصري قراراً من حيث المبدأ بعدم استخدام القوّة ضد المتظاهرين المصريين العزّل، يكون الجيش قد انحاز للشعب وأرسل رسالةً واضحة للرئيس مبارك بأنّ لديه في الواقع خياران، ولو أنّ لا أحداً منهما جذّاب جداً:

 

          الخيار الأول هو التخلي عن السلطة بطريقة سلمية وذلك بتعيين حكومة انتقالية جديدة خالية من الوجوه الحالية للحكومة القائمة. ويقوم الرئيس مبارك بموجب هذا السيناريو بالإعلان لشعبه بأنه سيتنازل عن الحكم في فترة محدّدة لا تتعدّى شهر أيلول (سبتمبر) 2011 وهو الموعد الذي من المقرّر فيه إجراء انتخابات برلمانية جديدة. ويعتبر شهر أيلول (سبتمبر) ذو دلالة فقط بالنسبة لرحيله على الرّغم من أنه من الأفضل إجراء الانتخابات البرلمانية العامة بعد منح أحزاب المعارضة العلمانية الفرصة لتنظيم نفسها بصورة أفضل استعداداً للحملة الانتخابية. وعلى الرئيس اختيار شخصيات معتبرة قد تضمّ محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذريّة والذي قد يلتف حوله معظم زعماء المعارضة، بما فيهم زعماء الإخوان المسلمين. وتقوم هذه الحكومة الانتقالية الجديدة بالتركيز خلال فترة تتراوح ما بين 18 شهراً لغاية سنتين (24 شهراً) على تحضير الشعب المصري للإنتخابات والقيام في نفس الوقت بكلّ جهد لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل ومحاربة الفساد والقيام بإصلاحات سياسية لكي تضمن بأنّ الانتخابات القادمة ستكون حرّة ونزيهة. سيسمح هذا الخيار لمبارك بترك منصبه بكرامة وهو أمرٌ ستوافق عليه حتماً إدارة أوباما، وبالأخصّ لأن هذا الخيار سيسمح بانتقال سلمي للسلطة ويقدّم في نفس الوقت فرصة أفضل بكثير للأحزاب العلمانية لكسب أرض ٍ صلبة مقارنة بجماعة الإخوان المسلمين، وهو أمرٌ سيحافظ في النهاية على اتفاقية السلام مع إسرائيل التي تعتبر حجر الزاوية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط.

 

 

-3-

 

          الخيار الثاني هو أن يقاوم الرئيس مبارك التخلي عن الحلبة السياسية وفي هذه الحالة ستستمدّ الانتفاضة الشعبية على الإرجح زخماً جديداً تصاعدياً. ويحمل هذا السيناريو في طيّه عدة نتائج لا يمكن التنبؤ بها: قد يؤدي ذلك لسفك دماء، وبالأخصّ إذا قرّرت قوات الأمن الداخلي والشرطة استخدام العنف ضد المواطنين المصريين العزّل. وقد تشعر في مثل هذه الحال جهات متطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين بأنها أكثر جرأة وتحاول فرض سلطتها، الأمر الذي قد ينتهي بمصادمات عنيفة مع الجيش. سيخلق تمديد فترة الاضطرابات والاحتجاجات نقصاً حادّاً في المواد الغذائية والطبية والوقود والاحتياجات الأساسية الأخرى وسيشجّع على النهب والسلب والفوضى. وإذا قُدّر لهذا السيناريو في نهاية المطاف أن يأخذ مجراه، سيضطرّ مبارك على التنحي عن السلطة وترك منصبه بصورة مهينة. ويميل العديد ممّن تحدّثت معهم من المثقفين  المصريّين والمسئولين الحاليين والسابقين وبشدّة للرأي القائل بأنّ السيناريو الثاني غير محتمل الحدوث لأنّهم لا يعتقدون بأنّ مبارك سيسمح لنفسه اختيار هذا المسار في الوقت الذي يستطيع فيه فعلاً الرّحيل بشيء من الكرامة. ويقول آخرون بأنّ الشعب المصري بالرّغم من سأمه وضجره من حكم مبارك، إلاّ أنّه يرغب في أن يرى رئيسه يتخلّى عن منصبه الرئاسي بنوعٍ من الكرامة، حتى ليس لسببٍ آخر سوى لتمييز مصر عن غيرها من البلدان مثل تونس التي هرب رئيسها المخلوع في جنح الظلام.

 

          تبقى مخاطر ورهانات الحكومة الحاليّة المعدّلة عالية جداً. قد يأخذ تعيين اللواء عمر سليمان – مدير دائرة الاستخبارات المصرية العامة – كنائب للرئيس المصري مع تخويله بالتفاوض مع أحزاب المعارضة منعطفات مختلفة حيث أنّ للواء عمر سليمان رغبة شديدة في الحفاظ على النظام القائم على أمل أن يتولّى هو الرئاسة. وأفضل رهان بالنسبة لعمر سليمان هو على أية حال العمل باتجاه قيام حكومة انتقالية مؤقتة في الوقت الذي يقدّم فيه نفسه كوسيط شريف. وحسب معرفتي به بصورة جيدة، فهو قادر بالتأكيد على القيام بذلك. فالإغراء الشديد المنبعث من المنصب الرفيع ورغبته الشديدة في البروز كالزعيم الجديد للأمة قد تمنعه على أية حال من رؤية ما هو محتّم وقوعه. لقد انتهى نظام مبارك بطريقة أو بأخرى،

 

-4-

 

والسؤال الذي يطرح نفسه للواء عمر سليمان هو: هل يريد أن يترك منصبه كرئيسه الحالي (أي بطريقة مخزية حسب هذا السيناريو) أو يبرز فعلاً كمنقذ للأمّة والمهندس الذي دخل حقبة جديدة في تاريخ مصر؟

 

          تواجه مصر – مهد الحضارة – مرّة أخرى – منذ اندلاع ثورة يوليو عام 1952 التي أنهت الحكم الملكي بمصر وجلبت الجيش للسلطة – مرحلة مصيرية صعبة. ويتحتّم على الشعب – بمساندة جيشه العتيد – أن يختار الآن نوع المستقبل الذي يطمح إليه لمصر بلداً وشعباً. عليهم أن يقرّروا كيفية الاستفادة ممّا سيبرز من ثورة الشعب لاستعادة زعامة مصر كحصن للإستقراء والسلام الإقليميين وأخذ زمام المسئولية للإرتقاء بالحريّة والتقدم والنمو الاقتصادي في بلدهم. إنّها مهمّة هائلة الصعوبة، غير أنّ الجيش المصري الذي أظهر مقدرةً عالية جداً للنظام والالتزام وحبّه لبلده مصر، يستطيع أن يرتقي لهذا الحدث وهو أهلٌ له.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE