All Writings
يونيو 18, 2007

انتصار حماس الحلو – المــرّ

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

تسيطر حماس الآن – بفضل عدم كفاءة فتح وفسادها، وبفضل قصر نظر إسرائيل وسياسات إدارة بوش المضلّلة – على كامل قطاع غزّة، بادئة بذلك مرحلة من التطوّرات المنذرة بالسوء إلى حدّ بعيد.

إنها بالتحديد إسرائيل التي مدّت يد العون لمؤسسي حركة حماس في منتصف الثمانينات سعياً منها لخلق ثقل موازٍ لمنظمة التحرير الفلسطينية، وطرق فتح المجرّدة من المبادئ العقلانية في الحكم مقترنة بالفساد الذي كان متفشيّاً في ظل حكم عرفات والذي شجّع على السخط والاستياء والقتال المسلّح ؛ وسذاجة إدارة بوش وغيرتها المفرطة على إجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في وقتٍ مبكّر في شهر يناير ( كانون ثانٍ) 2006 ضد مشورة محمود عبّاس وإيهود أولمرت دون أخذ عواقب هذه الانتخابات بعين الاعتبار، وأخيراً مصر التي كانت تغضّ الطرف عن تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى غزّة خلال العشرة سنوات الماضية. جميعهم أوصلوا بنا إلى هذه الحالة المؤسفة من الأحداث.

لم تكن هذه النتيجة إدراكاً مؤخّراً لما حدث، بل إنه قد تمّ التنبّؤ بعواقب مثل هذه السياسات وكتبت أنا شخصيا الكثير حول ذلك في مقالاتي، وكذلك فعل العديد من المعلّقين السياسيين الآخرين عبر السنوات العديدة الماضية. لقد خلقت عشرات السنين من الفساد – مهما كان هذا قابلاً للتأويل أو التفسير أو مهما برّرته الظروف – جيلين من الفلسطينيين الناقمين على الوضع والمخيَّبي الآمال واللذين لا يرون لهم مفرّاً من هذه الظروف التي لا تطاق في سعيهم وراء مستقبل أفضل. وعلى الجانب الآخر سلطة فلسطينية غير مهتمّة بكل هذا، بل سلطة لم تنجح إلاّ بتبذير الأموال وإساءة استعمال السلطة والنفوذ، سلطة ناخرة حتى العظم بالفساد والمحسوبية والمحاباة. فانتهزت حماس الفرصة لملء الفراغ، لإعطاء معنىً لحياة محطّمة، لإعطاء الشباب مبرراً لحياة أو موت من أجل قضية يفهمونها.

ولكن بالطبع لا شيء من هذا يبرّر تطرّف حماس وعملياتها المسلّحة، ناهيك عن عزمها لتدمير إسرائيل. أجل، في الوقت الذي أعطت فيه حماس أتباعها أملاً للخلاص، فإن تصميمها على تدمير إسرائيل – في حالة تمسّك قيادتها بهذا السّراب – سيجلب لها الهلاك لا محالة. قد تأتي أيضا لحظة يسأل قادة حماس
أنفسهم فيها: إلى أين نذهب نحن من هنا ؟ فاحتلال غزّة شيء وحكمها وجعلها كياناً قابلاً للحياة من الناحية الاقتصادية يستطيع الناس فيه العيش بسلام وأمان لهو شيء آخر مختلف تماماً. وبالرغم أن إسرائيل لأسباب إنسانية ستسمح باستمرار دخول الاحتياجات الأساسية لقطاع غزّة، فإن بإمكانها أيضاً خنق القطاع وتدمير قادة حماس الواحد تلو الآخر. ومشكلة أخرى تلوح لحماس أيضاً في الأفق وهي أنّ مصر – لحماية مصالحها ووقوعها تحت ضغط متزايد من الولايات المتحدة وإسرائيل – قد تشعر نفسها مضطرة أكثر فأكثر لمنع تهريب الأسلحة مستقبلاً إلى القطاع.

ستحاول حماس، ولأسباب واضحة، أن تتحرّك الآن بسرعة لتثبيت سلطتها على القطاع. ولذا، فإن آخر شيء قد يفكّر به قادة حماس هو استفزاز الإسرائيليين. فبسيطرتهم الكاملة الآن على قطاع غزة، على قادة حماس إمّا أن يختاروا ما بين إظهار الإعتدال أو الضغط عن طريق ارتكاب أعمال عنفٍ ضدّ إسرائيل. إنّ فترة التردّد، وهي قصيرة الأمد على أية حال، ستكثّف بالتأكيد الصّراع ما بين المنظمات المعتدلة والمتطرّفة. ومن المحتمل أن يسعى المعتدلون، على الأقلّ بصورة مؤقّتة، إلى التكيّف مع إسرائيل. وقد أظهروا حتى الآن بعض المؤشرات أو الإيماءات بإيقاف إطلاق الصواريخ ولربما التفاوض حول إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف شاليت. أما المتطرفون، وهم الآن في نشوة انتصارهم ومندفعين مع تيّار خضمّ الأحداث، قد يحاولون الآن الضغط بقوّة بتحدّي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبذلك يجلبون على أنفسهم غضب وعقاب الجيش الإسرائيلي.

وأما بالنسبة لإسرائيل، فالخيارات الآن أوضح نوعاً ما من ذي قبل. فالآن وقد انحلّت حكومة الوحدة الفلسطينية، بإمكان إسرائيل التركيز على الضفة الغربية والتعاون مع محمود عباس بصفته رئيس السلطة الفلسطينية. لن يمنع هذا الاهتمام لإسرائيل المحصور الآن على الضفة الغربية حماس فقط من توسيع تواجدها وقوّتها في الضفة الغربية، بل سيدعم في نفس الوقت السيد محمود عبّاس لتوطيد سيطرته عن طريق المساعدات الإقتصادية المباشرة. أضف إلى ذلك أنّه سيكون الآن لإسرائيل مجال أكبر في اتخاذ المزيد من الإجراءات لتسهيل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية حتى على حساب أخذ إسرائيل بعض المخاطر على عاتقها بخلق تباين أشدّ وضوحاً وخطورة ما بين المنطقتين، الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا حدث ذلك، فإن خلق كيانين فلسطينيين سيسمح لمعسكر فتح في الضفة الغربية أن يظهر للناس كيف أنّ الإعتدال يجلب معه السلام والتقدّم والإزدهار، وأن استمرار المقاومة العنيفة لا يجلب معه شيئاً في قطاع غزة سوى المزيد من الدمار واليأس.

أجل، من المحتمل رؤية " بطانة فضيّة " كما يقولون في هذه التطورات، أي " كثيراً ما ينطوي الشرّ على شيءٍ من الخير". ولكن مرّة أخرى قد تشكّل هذه التطورات فصلاً آخراً محزناً في مأساة الشرق الأوسط المستمرة. فما هي النتيجة الأكثر احتمالاً ؟ لست متأكدا عما إذا كانت أطراف اللعبة الرئيسية في المنطقة، وبالأخصّ الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والفلسطينيين قد تعلّمت أيّ درسٍ من دروس الماضي أو من خبراتها الذاتية أم لا. فالخارطة الجديدة للمناطق الفلسطينية تنطوي على احتمال كبير لتطوّرات مشئومة. وهناك في نفس الوقت فرصة لا تعوّض ليست أقلّ احتمالاً للقيام بتغيير ايجابي في ديناميكية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولكن لتوسيع أية نافذة في هذا الإتجاه قد تكون نشأت عن استيلاء حماس على غزة، على إسرائيل والولايات المتحدة أن يأتيا بتصوّر جديد، حيث لا يسمح الوضع الحالي لإسرائيل فقط بفرصة التقدم في عملية السلام مع منظمة فتح فحسب، بل التحوّل أيضاً شمالاً لبدء حوار مع سوريا وعزل حماس كليّاً.

وبالنسبة لحماس وقد تركت الآن تواجه مصيرها بنفسها، فقد لا تستطيع مقاومة إغراء استفزاز إسرائيل، وبذلك تدمّر انتصارها قبل أن تتذوّق طعم ثماره. والجواب سيأتي سريعاً. وأنا شخصيّاً آمل أن يفوز المعتدلون من أجل الفلسطينيين اللذين يعيشون في قطاع غزة.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE