All Writings
أغسطس 23, 2006

خيــار حمــــاس

بقلم أ.د. ألون بن مئير 30 أيلول (سبتمبر) 2005
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــة.

على حماس أن تقرر اليوم قبل الغد عما إذا كانت تريد فعلا الانضمام للعملية السياسية وتصبح قوة سياسية ايجابية في المجتمع الفلسطيني أو تستمر في الصراع المسلح مع إسرائيل وبذلك تدمر نفسها في هذه العملية. هذا أخيرا هو الخيار. لأنه وبأسرع ما يتصوره قادة حماس، ستجد حماس نفسها يوما ما بين مطرقة إسرائيل الثقيلة وبين صخرة السلطة الفلسطينية الصلبة والمؤلمة.

إن انفجار شاحنة محملة بصواريخ حية الذي أدى إلى مصرع 20 فلسطينيا بينما كانت حماس تقوم بعرض عسكري لأسلحتها في منطقة ذات كثافة سكانية عالية في قطاع غزة كان بحد ذاته عملا طائشا. وأن يلقى اللوم بعد ذلك على إسرائيل ثم تطلق حماس قذائف صاروخية على مناطق إسرائيلية في عملية ثأرية لتغطية تصرفها الفظيع والغير مسئول هو على أية حال ذنب أسوأ بكثير مما سبقه لان الكثير من الفلسطينيين الأبرياء فقدوا حياتهم نتيجة الرد الإسرائيلي القاسي. وإذا كانت حماس مصممة فعلا على تدمير نفسها، فهناك بالتأكيد طريقة لفعل ذلك، وهي أن تستفز المزيد من عمليات الثأر الإسرائيلية الأكثر عنفا وقتلا، الأمر الذي سيدعو أعدادا متزايدة من الفلسطينيين للمطالبة بوقف هذه المذابح التي لا معنى لها. وقبل أن يخرج الأمر عن نطاق السيطرة عليه، على حماس أن تقيم الواقع في قطاع غزة بكل عناية في صحوة الانسحاب الإسرائيلي منه وإلا تدفع بحظها في اتجاه أن القوى السياسية قد تغيرت جذريا في المنطقة، فهي لم تتغير لصالح حماس، لماذا ؟

أولا، إن العالم بأسره يراقب غزة الآن عن كثب ويراقب سلوك الفلسطينيين مع بعضهم البعض في ظل غياب العنصر الإسرائيلي عنها. وبالرغم من أن بروز سلطة مركزية معتبرة لن يكون على الأرجح قبل ظهور نتيجة انتخابات المجلس التشريعي، نجد أنه من الضروري التحكم الآن في حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تسيطر على غزة. إن مستقبل التطور الاقتصادي، بما في ذلك التطلعات للاستثمارات الأجنبية لإعادة تعمير البنية التحتية المحطمة في قطاع غزة وجعلها جزءا حيويا من الدولة الفلسطينية الناشئة والمزدهرة، مرهون بالاستقرار السياسي وبنهاية العنف. يجب على حماس أن تدرك بأن العنف ضد إسرائيل

والتقدم الاقتصادي ببساطة لا يلتقيان معا. وسيلقى المجتمع الفلسطيني المسئولية على حماس إذا أهدرت أول فرصة حقيقية للعيش بكرامة بعد أكثر من خمسة عقود من النزاع.

ثانيا، لقد اعتمد قرار رئيس الوزراء شارون بالانسحاب من غزة على فرضية أن استمرار الاحتلال يتعارض ومبدأ التعايش السلمي وأنه يجب إعطاء الفلسطينيين الفرصة لحكم أنفسهم بأنفسهم. وحيث أنه قام بالانسحاب من غزة بالرغم من الخلافات الجسيمة التي كان يواجهها وعلى حساب خسارة قاعدته السياسية ومخاطر بثرواته ونجاحاته السياسية، خصوصا عند مواجهة سيناريو انتخابات جديدة، فان شارون مصمم ألا يسمح لحماس بتقويض مثل هذا الانجاز العظيم الذي يبشر المنطقة بمستقبل زاهر. على حماس أن تتوقع ضربات إسرائيلية موجعة لا تعرف الرحمة لأي عمل استفزازي ينطلق ليس فقط من قطاع غزة فحسب، بل وأيضا من الضفة الغربية، وعليها أيضا أن تحرر نفسها من وهم أنه بإمكانها عن طريق القوة إجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة الغربية. وكما قال لي مسئول إسرائيلي رفيع المستوى:"بالتغييرات التي تحدث في القوى السياسية في إسرائيل والمناطق الفلسطينية، سيسارع استمرار العنف في هذه المرحلة في موت حماس فقط."

ثالثا، بالنسبة للسلطة الفلسطينية وخصوصا لمستقبل رئيسها محمود عباس ( أبو مازن)، فان التقدم والاستقرار في قطاع غزة هما العاملان اللذان يقدمان فقط أملا حقيقيا لمزيد من الانسحابات من الضفة الغربية. الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لقيام دولة فلسطينية. وبالرغم من أن السيد محمود عباس يفضل إقحام حماس في العملية السياسية، فانه يرفض أن يضحي بمستقبل الشعب الفلسطيني لصالح نزوات حماس. ولذا بالقدر الذي يحاول فيه أبو مازن جاهدا تجنب نزال مع حماس، قد تجبره حماس على ذلك إذا استمرت في استعمال العنف كأحد استراتيجياتها. أضف إلى ذلك أنه كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في شهر يناير ( كانون ثان) القادم، زادت حاجة السلطة الفلسطينية للتعاون الإسرائيلي معها لإجراء هذه الانتخابات بدون إعاقات، ولذا فان السلطة ملزمة أن تبين في هذه المرحلة الانتقالية بأنها قادرة على الحكم وفرض النظام والقانون، خصوصا في قطاع غزة. وهذا تماما ما دعا السلطة الفلسطينية لإدانة العنف الذي حدث في الأيام القليلة الماضية ووضع اللوم في انتهاك وقف إطلاق النار على حماس.

لقد سنحت لي الفرصة- أثناء رحلة قمت بها حديثا للشرق الأوسط وتركيا –
للقاء أكاديميين ومسئولين أتراك في أنقرة. وتمركزت الكثير من حواراتنا ومناقشاتنا حول إمكانية مساهمة تركيا في العملية السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية. ويرى كلا الجانبين، المسئولون الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء، بأن مساهمة تركيا في التطور الاقتصادي في قطاع غزة يمكن أن يكسب أهمية بالغة، أكان ذلك في بناء البنية التحتية – مثلا الميناء البحري، المطار، المستشفيات، المدارس، الطرق السريعة – أو في تطوير المناطق الصناعية التي من شأنها أن توفر آلاف فرص العمل للفلسطينيين. وبالنسبة للوقت الراهن، بإمكان تركيا أن تساعد على تهدئة الأوضاع كوسيط بين أطراف المجتمع الفلسطيني من ناحية، وبين إسرائيل وبعض الفصائل الفلسطينية، بما فيهم حماس، من ناحية أخرى. وحيث أنه بإمكان تركيا أن تقدم المساعدات بصورة محايدة دون ارتباطها بهذا الطرف أو ذاك، وبدون اقترانها بمواقف سابقة، فإنها تتمتع بحرية تفوق حتى حرية الولايات المتحدة في بعض الحالات للعمل في هذا المجال الحيوي.

تواجه حماس كمنظمة مفرق طرق حرج: عليها إما أن تختار النهج السياسي وتصبح بذلك من مشيّدي حياة فلسطينية جديدة، أو تستمر في طريق العنف مدمرة بذلك كل الفرص المأمولة لشعبها في العيش بسلام، وفي العملية هذه تدمر نفسها. هل سترى قيادة حماس النور أم ستبقى عمياء من جراء الاستمرار في غطرستها وزهوها الكاذب ولربما تفوّت عليها بذلك الفرصة الأخيرة لخلاص نفسها ؟

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE