All Writings
أغسطس 23, 2006

  إلى متى سننتظر أيُها الفلسطينيون؟    

بقلم:  أ.د.  ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدوليةبجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة          إن قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإقحام جميع الفصائل الفلسطينية في حوار وطني لوضع حد للشقاق الداخلي وتفادي خروجه عن نطاق السيطرة ووضع سياسة وطنية متماسكة تجاه إسرائيل قد جاء في وقته المناسب تماماَ. إنّ التحدي الذي عرضه السيد محمود عباس قد يغيّر الديناميكية السياسيّة الفلسطينية الداخلية ويعطي حماس فرصة لحفظ ماء وجهها وإخراجها من ورطتها الحالية وعزلتها الدولية المتزايدة وكلاهما يسبب حرجاَ لمصالحة وطنية.           إنّ تحدي السيد محمود عباس لحماس وغيرها من المجموعات الأخرى لتأييد اقتراح السجناء الفلسطينيين الذي يطالب باتفاق يتم التفاوض عليه مع إسرائيل هو خطوة حرجة ومهمّة نحو إنهاء الشّلل السياسي. لقد بقي الفلسطينيون ولمدة تقارب ستة عقود من الزمن ــ وبالرغم من استغلالهم من قبل الدول العربية وقادتهم الفلسطينيين ــ ينظرون إلى إسرائيل على أنها مصدر كل محنهم. لا شك أن العيش تحت الاحتلال هو بالفطرة أمر غير طبيعي ويؤثر تأثيراَ عميقاَ على الحياة اليومية لجميع الفلسطينيين. وبالرغم من ذلك، لا يجب ترجمة هذا الواقع إلى شلل اجتماعي واقتصادي أو لصراع داخلي لا ينتهي قد يمزّق النسيج الاجتماعي الفلسطيني. لم تخلق ستون عاماَ من الفصائلية والدسائس والاقتتال الداخلي الفلسطيني إلاّ مزيداَ من الخلافات وتعميق النزاعات الداخلية. عشرات الآلاف من الشباب والرجال القادرين على العمل هائمون على وجوههم في الشوارع المتربة، الفقراء محبطون، ومن هم بوضع أفضل ليس لهم مكاناَ يذهبون إليه، بينما يستغرب متوسطو الحال من الرجال والنساء ما يحدث باسم الله ولماذا. هذا الجرح الاجتماعي والسياسي المزمن الذي تسبب به الفلسطينيون أنفسهم يهدد الآن بتقويض ما بقي من المجتمع المدني الفلسطيني. ومن المأساة فعلاَ في وجه هذه الحقيقة أن نرى جميع الفصائل والمجموعات السياسية الفلسطينية الأخرى تقريباَ منشغلة على ما يبدو فقط بمصالحها الآنية الذاتية الضيقة. كثيرون منهم يستعمل شعارات أو اصطلاحات سامية مثل " الوحدة الوطنية " و " حب الوطن " للتمويه على عجزهم وسخافتهم. إلى متى سيستمر هؤلاء القادة في وضع اللوم على إسرائيل، أو في ملامة بعضهم البعض والعالم لتقصيرهم ولمحنة شعبهم المتزايدة؟ وإلى متى سينتظر الشعب لتحقيق خلاصه الوطني؟           لأول مرة في الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني المضني على مدى تاريخه الطويل تبدو نهاية الاحتلال " على مرمى البصر ". هذا هو الوقت بالنسبة للفلسطينيين لكي – 2 -  يضعوا أيديهم على أرض الواقع، فالحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء إيهود أولمرت ملتزمة بإنهاء الاحتلال بشكل أو بآخر. وبأي شكل ينتهي فيه هذا الاحتلال، فالشعب الفلسطيني هو المستفيد إلى حد كبير من ذلك. إن تسوية يتم التفاوض عليها هي بالتأكيد أفضل بكثير من فك ارتباط أحادي الجانب. ولكن إذا أراد الفلسطينيون التفاوض حول الانسحاب الإسرائيلي، عليهم أولاَ إنهاء جميع الأنشطة العدائية ضد إسرائيل، وثانياَ عليهم التوصل إلى إجماع وطني يقبل بوجود إسرائيل. وهذا ما يجعل الاستفتاء الشعبي حوله أن يصبح تظاهرة ضرورية وحاسمة للإرادة الوطنية الفلسطينية. فإذا أيدت الأغلبية حل الدولتين، فإنها بذلك تمنح الفريق الفلسطيني المفاوض المصداقية التي يفتقدها الآن في أعين نظائرهم الإسرائيليين. لقد أنكرت القيادة الفلسطينية، خصوصاَ حماس، ولفترة طويلة جداَ حقيقة إسرائيل، وقد جروا من خلال هذه العملية شعبهم إلى الهاوية. وقد أصبح إنكار حقيقة وجود إسرائيل عند هذه النقطة درباَ من الجنون. إن فكرة استفتاء الشعب فكرة متينة لا بل حاسمة في خضم هذا الزّخم السياسي: دعوا الشعب الفلسطيني ولو مرة واحدة أن يقرّر مصيره بنفسه! هل يريد نهاية سفك الدماء والعيش بسلام ورخاء جنباَ إلى جنب مع إسرائيل، أو أن الشعب الفلسطيني يريد صراعاَ لا نهاية له يسبب المزيد من الدمار واليأس، وأيضاَ احتمال فقدان أي أمل منظور في إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة؟ لقد حان الوقت ــ بعد خسارة جيلين من الفلسطينيين في الكرب والعذاب وفقدان الأمل ــ لوضع نهاية لتضليل الجيل القادم لأوهام الماضي التي لن تقود إلاّ للكارثة والضلال. كل طفل فلسطيني يستحق مستقبلاَ أفضل وهذا الهدف السامي يجب أن يكون صلب الأجندة الوطنية والحوار الوطني.           سيجتاز السيد محمود عباس ــ الذي اتهم على أنه قائد ضعيف وعاجز ــ شدّته ويظهر للعالم في هذه اللحظة المصيرية في تاريخ الشعب الفلسطيني على أنه قادر على تغيير وجهة التحرك السياسي ورفع المعاناة عن شعبه ومنحهم الأمل. وبالرغم من أن استطلاعات الرأي، الواحد تلو الآخر، تشير إلى أن أغلبية الفلسطينيين تؤيد حل الدولتين، فإن التأكيد على هذا الإجماع باستفتاء شعبي سيساعد في وضع صيغة لسياسة متماسكة وواضحة تجاه إسرائيل ويدفع الجانبين نحو اتفاقية أكثر إنصافاَ وعدلاَ.  

         إن الشعب الفلسطيني شعب ذكي ومجد وله تاريخ طويل وعريق. شعب يتمتع بالمروءة والتسامح، شعب كدود وواسع التدبير غير أنّه قد غرر به من قبل زعامات استفادت من معاناته. ولكن سيضع استفتاء شعبي شرعي وحسب الأصول كل فصيل ومجموعة إيديولوجية على المحك. لقد حان الوقت فعلاَ ليقوم الشعب الفلسطيني نفسه بتقرير مصيره.   

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE