All Writings
أغسطس 23, 2006

في تحــدٍّ للسيد بوش

بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة

إن نجاح إيران في تطوير اليورانيوم المخصّب، حتى لو كان هذا الانجاز محدودا في نطاق معيّن، إلا أنه قد يجرّ معه تعقيدات إقليمية وعالمية. من المحزن أن نرى أن إخفاق إدارة بوش في إتباع إستراتيجية متماسكة صلبة تجاه إيران والتخلي عنها طوعا أو كرها خلال السنوات الخمسة الماضية قد مكّن إيران من الوصول لهذه المرحلة المتقدمة. والآن وقد تحدّت إيران الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وقطعت مرحلة حاسمة في طريقها لتطوير قدراتها النووية، فان إيران في الوقت الحاضر قد تكون راغبة أكثر في عقد صفقة بخيارين: إما أن تستلم مساعدة اقتصادية ومالية معتبرة أو تعاقب بطريقة تهدّد أساسات النظام الحاكم في طهران.

أولا، لنجاح مثل هذه الإستراتيجية يجب على إدارة بوش التخلي عن انشغالها بفكرة تغيير النظام الحاكم في إيران. فطالما يعتقد رجال الدين في إيران بأن الولايات المتحدة عاقدة العزم على تغيير النظام في إيران، فان المباحثات مع إيران – كما حدث في الماضي – ستراوح مكانها ولن تتقدم خطوة واحدة. وإذا كان البيت الأبيض يبحث فعلا عن حل دوبلماسي كما أكّد مرارا أن هذا هو هدفه، عليه في نفس الوقت ألا يحاول تقويض النظام لأنه في هذه العملية سيقضي على مصداقيته. ولذا لا أجد ضرورة لفتح مكتب في الآونة الأخيرة للشئون الإيرانية تابع لوزارة الخارجية الأمريكية يركّز على تغيير النظام السياسي في طهران. وكدلالة لأهمية مهمة هذا المكتب فقد وضع تحت رئاسة نائبة مساعد وزيرة الخارجية، السيدة أليزابيث تشيني ابنة نائب الرئيس الأمريكي المعروف عنه دعوته لاستعمال القوة ضد إيران.

ثانيا، على الولايات المتحدة أن تتفاوض مباشرة مع إيران. لقد تركت الإدارة حتى الآن هذا الأمر للأوروبيين وفي مقدمتهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا ليقوموا بالتفاوض نيابة عنها. ولكن إيران على دراية تامة بأن ما يهمها الأمر فعلا بالدرجة الأولى هي الولايات المتحدة الأمريكية، ليس – بكل بساطة – أنها الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تهدّد جديّا طهران ( هذا إضافة إلى إسرائيل التي بحاجة على أية حال لموافقة أمريكا إذا أرادت القيام بأية عملية ضد إيران)، ولكن أيضا لان الولايات المتحدة تمسك بزمام الأمور عند تنفيذ أية اتفاقية مستقبلا. ولذا، إذا أرادت إدارة بوش فعلا حلا سلميا للمأزق الحالي، يجب عليها أن تكون على استعداد للتفاوض مباشرة مع إيران.

ثالثا، على إدارة بوش بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي أن تقدم لإيران بديلين تختار واحدا منهما. الأول يكون على شكل "باكيت" شامل ومتكامل من المساعدات الاقتصادية المغرية التي يصعب جدا على طهران أن ترفضها. إيران بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الأجنبية وعليها إعادة بناء بنيتها التحتية المتدهورة. ولن يقوم بتحسين أوضاعها الاقتصادية سوى رزمة من الأرصدة الاستثمارية المعتبرة من رؤؤس الأموال الأجنبية. وبالمقابل، على طهران أن توافق على التخلي عن برنامجها النووي والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) بالكشف عن منشآتها النووية بدقة وبدون أية إعاقة. وتجدر الإشارة هنا أن القيادة الإيرانية لا تقف كلها صفا واحدا خلف تنفيذ برنامج نووي يتحدى المجتمع الدولي، ولذا فان أولئك الراغبين في تسوية الموضوع بالتراضي قد ترجح كفتهم إذا أبدت الولايات المتحدة رغبة فعلية في إتباع سياسة عدم المواجهة.

أما البديل الثاني فهو أن تقوم الإدارة الأمريكية بتهديد صارم وقابل فعلا للتصديق. تهديد يشعر رجال الدين الإيرانيين بأن الولايات المتحدة جادّة هذه المرة في تهديدها وستقوم بالتنفيذ في حالة فشل المفاوضات. ولكن الأكثر حرجا وجديّة من ذلك هو أن يبدو هذا التهديد جديّا أيضا بالنسبة لروسيا والصين، لأنه فقط في حالة وثوق هاتين الدولتين بتصميم الولايات المتحدة على تنفيذ تهديدها ستضغطان على حكومة رجال الدين في إيران لحملها على تغيير نهجها وتجنب أزمة دولية لن تخدم مصالح أي من الدولتين سياسيا واقتصاديا. وللوصول لهذا الغرض، يجب على الولايات المتحدة أيضا أن تظهر للعالم شيئا من الصبر لدرجة أن تسمح لإيران حتى أن تزهو وتفتخر بنجاحها، الأمر الذي سيساعد في الكشف للمجتمع الدولي أن الإدارة الأمريكية قد قامت بكل ما بوسعها للوصول إلى حلّ دوبلماسي. وفي نفس الوقت، على الإدارة أن توضّح بما لا يدعو للشكّ أنها لن تسمح للمفاوضات أن تستمر سنوات طويلة. ستة أشهر لغاية سنة هو الإطار الزمني المعقول لعقد مثل هذه الاتفاقية.

رابعا: إن التسريع في حلّ هذا الخلاف مع إيران أمر مهم على وجه الخصوص بالنسبة لإسرائيل التي صرّحت أكثر من مرة بأنها لن تسمح بإيران كقوة نووية. لقد أطلق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أكثر من مرة تهديدات تمسّ وجود إسرائيل، وليس لدى الإسرائيليين أي سبب للتشكيك في قوله "بأنه يعتقد أنه من الضروري محو إسرائيل عن وجه الكرة الأرضية". لقد أعلمني خبراء دفاع إسرائيليون، بما فيهم مدراء سابقون للموساد، بأنه في الوقت الذي تحبّذ فيه إسرائيل قيام المجتمع الدولي بمعالجة سلوك إيران الشاذ، غير أنها – أي إسرائيل – لن تنتظر ذلك للأبد، خصوصا الانتظار

للحظة التي تتمكّن فيها إيران من حيازة أسلحة نووية أو – على الأقل – حيازة تقنية تصنيع مثل هذه الأسلحة. لقد تجاوزت إيران – من وجهة نظر إسرائيل – مرحلة حرجة بقيامها بتخصيب اليورانيوم بنجاح، وهي مهارة فنية تقصّر الوقت اللازم لوصول إيران لنقطة اللارجعة في برنامجها النووي، أي فترة زمنية قد تكون أقل من سنة واحدة حسب تقدير إسرائيل. ولذا تعتقد إسرائيل أن أحمدي نجاد عندما صرّح مؤخرا أن إيران "تقوم في الوقت الحاضر بأبحاث على وحدة الطرد المركزي بي 2 وأن هذه الأبحاث ناجحة"، فإنها سترفع قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم أربعة أضعاف وتشكل تحديّا أكثر خطورة وفي أسرع وقت ممكن بالنسبة لإسرائيل.

وبالنظر لانشغال الإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر في حربها المدمّرة في العراق، فان هذه الإدارة لا تستطيع الاستمرار في إتباع سياسة تغيير النظام في طهران حيث برهنت هذه السياسة فشلها الذريع حتى الآن. فبعد نجاحها في تخصيب اليورانيوم قد تبدو طهران الآن أكثر ميلا لعقد اتفاق، لأنها بهذا الانجاز قد ضمنت حفظ ماء وجهها وتستطيع التفاوض من مركز أكثر قوة. على إدارة بوش أن تدرك هذا الواقع الجديد وتغيّر نهج سياستها إن أرادت الحيلولة دون اندلاع حريق هائل في منطقة الشرق الأوسط.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE