All Writings
أكتوبر 17, 2007

الافتقار إلى الأسس الأخلاقية لتصحيح الخط

17 أكتوبر (تشرين أول)2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

لقد أصدرت لجنة النوّاب الأمريكية للشئون الخارجية – التي تبنّت قرارا ً يدعو المذبحة الجماعية ضد الأرمن على يد الأتراك العثمانيين بالإبادة الجماعية للشعب الأرمني – حكمها من حيث المبدأ على حدث وقع قبل (92) عاماً. والسؤال هنا عمّا إذا كان القتل الجماعي للأرمن خلال فترة الحرب العالمية الأولى إبادة جماعية اقترفها الجيش العثماني. كما يجادل الكثيرون, أم أنها كانت نتيجة حرب عالمية قتل خلالها الملايين على جميع الجبهات والجوانب, بما في ذلك الأرمن, كما تصر على ذلك الحكومة التركية.

أنا أعتقد بأن القرار مضلّل فليس هناك أدنى شك بقتل مئات الآلاف من الأرمن آنذاك, ولكن بسبب الميل إلى نبذ هذا العمل – المثير للاشمئزاز إلى أبعد الحدود – بتصنيفه إبادة جماعية ضد شعب وثمّ توقع استئناف العلاقات الطبيعية مع تركيا وكأن شيئاً لم يحدث. لماذا يفاجأ هذا العدد الكبير من أعضاء الكونجرس الأمريكي بعتاب تركيا السريع للولايات المتحدة حول تصويت اللجنة؟ هل لأنهم أساءوا تقدير حساسية الحكومة التركية أم لأنه لم يسبق لهم أبداً أن أعطوا هذا الموضوع المهم الاعتبار الجدي الذي يستحقه؟ ومهما كانت أي من الطريقين فقد فشل أعضاء اللجنة في تفريغ اجتهادهم وسيفشلون مرّة أخرى, وحتى بدرجة أكبر خطورة, إذا هم ساندوا القرار في حالة عرضه على المجلس. عليهم أولاً أن يتفحصوا دافعهم الذاتي والتعقيدات الفظيعة من الناحيتين الأخلاقية والعملية الناتجة عن تمريره.

المحزن في هذه القضية أن القرار قد أعطي الصيغة السياسية منذ صدوره, وهوبذلك قد ضيّع الكثير من مفهومه الأخلاقي, ولكنه لم يفقد أصداءه أو مضاعفاته. لقد تمّ تبنيه من قبل الكثيرين من أعضاء الكونجرس, وبالأخص السيدة نانسي بلوسي بصفتها الناطقة باسم الكونغرس وممثلين آخرين من نيوجرسي وميشيغان اللتين يتواجد فيهما بصورة خاصة جاليات أرمنية كبيرة. ومهما كانت الفائدة السياسية كبيرة التي قد يجنيها هؤلاء الأعضاء بدفع هذا القرار إلى الأمام, فإنها سرعان ما تضمحل في وجه التآكل الأخلاقي الذي سيعاني منه الكونغرس عند اعترافه بحجم الضرر الذي سيسببه على العلاقات التركية- الأمريكية. وكما لاحظ مرّة نهرو:"يقود الاستسلام السياسي بصورة حتمية تقريباً إلى الإستسلام الأخلاقي". يتطلب مثل هذا القرار الخطير تطبيق أعلى مستويات النقد والسلوك الأخلاقي وليس إجراءً مريحاً من الناحية السياسية يعتبر إهانة للهوية التركية. فإذا ارتكبت بالفعل إبادة جماعية ضد شعب, حينئذ يجب ترك أمرها لمحكمة استقصائية دولية, لا لسياسيين يسعون وراء انتخابهم مرّة أخرى كل سنتين.

لقد كانت تركيا صديقة مخلصة للولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من نصف قرن. إنها دولة علمانية عصرية وقد قامت بخطوات عظيمة للإبقاء على ديمقراطيتها وتقدمها. فهل يُلقي كونغرس الولايات المتحدة المسئولية على أحفاد أحفاد العثمانيين لآثام قد يكون أجدادهم ارتكبوها قبل (92) عاماً؟ وحيث أن تركيا ترفض بشدة مصطلح " إبادة جماعية", فما هو الحكم الذي سيصدر ومن قبل من؟ هل سيكون حكماً لا يمسّ بسمعة الجيل الحالي من الأتراك؟ جيل ليس له أي شأن بأحداث الماضي وهو يدين بالفعل الفظاعات التي ارتكبت خلال تلك الحرب الشنيعة, وذلك بصرف النظر عن مرتكبيها. لقد قال لي موظف تركي سام مرتعب بما يحدث:" تحتاج أهمية القضية إلى أكثر من مراجعة سريعة من قبل بعض أعضاء الكونغرس" وأضاف قائلاً على سبيل المثال:"لم يكفي أن تتهموا ألمان الرايخ الثالث بالإبادة الجماعية. لقد أجريت محاكمات نورنبورغ لملاحقة منفذي جنون هتلر, ولكنها أثبتت وراء ظلال من الشك إجراءات ألمانيا للإبادة الجماعية". لم يكن هناك يوماً ما عملية مراجعة أو استقصاء لهيئة قضائية دولية للإبادة الجماعية المزعومة بأيدي تركية, ولم يكن هناك أي قصد إلى ذلك".

وبصرف النظر عن أهمية الشراكة الإستراتيجية الأمريكية- التركية من الخطأ الآن محاولة إقناع أعضاء الكونغرس برفض القرار لسحب الكثيرين تأييدهم له, وذلك لسبب وجيه واحد وهو أنه قد يقوّض بصورة خطيرة مثل هذه العلاقات أو جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. يجب أن يكون الجدل المضاد للقرار من طرف الكونغرس بأكمله معتمداً على أسس أخلاقية وعلى الأعضاء ألاّ يتصرّفوا كقضاة ومحلفين. وقبل أن يحرّر الكونغرس لسجلاته موقفاً رسمياً أمريكياً لما حدث فعلاً, يجب أولاً القيام باستقصاء مكثف للأحداث من قبل هيئة قضائية دولية.

أجل, يجب على أمريكا أن تعبّر عن رأيها جهاراً ضد الإبادات الجماعية للشعوب. ولكن في وقت تعاني أمريكا من اضمحلالٍ في صورتها العالمية وفقدان الكثير من سلطتها المعنوية الأخلاقية بسبب الأحداث في العراق, على كونغرس الولايات المتحدة أن يضاعف جهوده لبناء قضيته على عقيدة وأساس أخلاقي قويين. تستحق تركيا حكم هيئة قضائية دولية نزيهة ومستقلة ويستحق الأرمن العدالة وليس مِنّات سياسية.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE