مؤتمر الشرق الأوسط للسلامتحت ظلّ حرب العر
22 أغسطس ( آب) 2007
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
يبدو بأن مؤتمر الشرق الأوسط للسلام الذي اقترحته إدارة بوش قد لا يعقد قبل شهر نوفمبر ( تشرين الثاني) 2007، وهو وقت طويل نسبياً منذ الآن بالنظر الى تصاعد حدّة الأزمة في المنطقة، وبالأخص الوضع المتردي جداً في العراق والنزاع الذي يتعمّق أكثر فأكثر بين فتح وحماس. إن عقد مثل هذا المؤتمر خلال فترة الاضطرابات الحالية قد يعرّض أية آمال للخطر للتوصل حتى الى نجاح متواضع، هذا إلاّ إذا تخلّت الإدارة الأمريكية عن سياساتها الفاشلة واحتضنت المبادرة العربية وجعلت جميع المشاركين يتعهدون مقدّماً بقائمة من المبادىء يتمّ التفاوض حولها.
الكلّ يعلم بأن لمشاركة المملكة العربية السعودية في هذا المؤتمر أهمية قصوى ولو كان فقط لكونها دولة سنيّة قيادية. غير أن أهمية المشاركة السعودية أكبر من ذلك بكثير لأنها قد تعطي إشارة لقطع الأواصل مع الماضي حيث أنه لم يسبق أبداً للسعوديين أن جلسوا بصورة رسمية مع الإسرائيليين، فضلاً عن أنها ستضفي إعتماداً أكبر على المؤتمر وعلى أية تعهدات تخرج عنه. وحتى الأبعد من ذلك، فالمملكة العربية السعودية هي صائغة المبادرة العربية التي تدعو إسرائيل لإعادة الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل سلام شامل. وتعتبر المبادرة العربية حاسمة لأنها تماماً شيء خاصّ فريد من نوعه: إنها عربية. هي ليست خارطة طريق أمريكية الصنع، وليست خارطة وضعها كلينتون، كما وهي ليست أي اقتراح سلام آخر قادم من خارج الشرق الأوسط. ولأن السعوديين هم صائغو المبادرة فإن حضورهم المؤتمر سيحدث على الأرجح تأييداً عربياً شعبياً أوسع مما قد يجذبه المؤتمر بدونهم. هذا هو السبب لضرورة أن تقوم الإدارة الأمريكية باحتضان المبادرة العربية بصورة رسميّة، فهي بذلك لن تعطي السعوديين فقط سبباً مجبراً للمشاركة في المؤتمر، بل وستفتح لهم المجال أيضا للقيام بدور رياديّ في عملية السلام. إن الحضور السعودي للمؤتمر ضروريّ أيضاً لأنه بدون الإرادة العربية الجماعية كما هي معلنة في المبادرة والتغطية التي توفّرها لن يفلح أي جهد في التغلّب على الثورة العربية الإسلامية ولن تؤدي أية مفاوضات إلى شيء. ولتمكين الخروج بأية نتيجة إيجابية، يتعيّن على الدول العربية أن تعمل معاً بانسجام، وهو ما يجعل المبادرة أمراً لا بدّ منه.
وبالرغم من أنّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني سيكون مركز اهتمام المؤتمر، غير أنه على الإدارة أن تتأكّد أيضاً بأن دولاً أخرى في صراع مع إسرائيل، وهي بالتحديد سوريا ولبنان، متواجدة ويطلب منها أن تعرض مواقفها ومطالبها على المؤتمر. إن سياسة الإدارة تجاه سوريا سياسة فاشلة لأنها أعاقت عملية السلام بدلاً من دعمها في التحرّك إلى الأمام. سوريا هي المفتاح لشرق أوسط يسوده السلام وقد حان الوقت المناسب لإدارة بوش أن تنتقل من سياسة تغيير النظام في دمشق إلى سياسة الأشراك البنّاء مع سوريا. بإمكان الإدارة فقط على طاولة المفاوضات أن تجزم بجديّة عروض سوريا المتكررة للسلام. وليس من غير المحتمل كليّاً أن تتفق دمشق والقدس على إعلان مشترك يقبل مبدأ مبادلة الأراضي بسلام طبيعي حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) ويتعهد الطرفان بحلّ سياسيّ لنزاعهما. ولكن قبل أن يحدث أي شيء من هذا القبيل، يجب على الإدارة الأمريكية أن تعطي إسرائيل الضوء الأخضر لسبر المسار السوري، فبدون المشاركة الكاملة لسوريا محكوم على المؤتمر بالفشل منذ البداية.
وكما تبدو الأمور في الوقت الحاضر، حماس لن تشارك في المؤتمر. وفي حين يمكن أن يكون ذلك ذات فائدة للإدارة الأمريكية على الأمد القصير لإظهار أنّ الإعتدال يوتي ثماره بمكافأة محمود عبّاس وتقوية موقفه، غير أنه لا يمكن إقصاء حماس عن الساحة إلى أجل غير مسمّى. وبما أنه من المعطيات أن تقام الدولة الفلسطينية المرتقبة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، فأي إعلان للمباديء يتم التفاوض عليه بين إسرائيل والفلسطينيين يلزمه أيضا تأييد فلسطيني واسع.
وحيث أنه لا يُتوقّع في وقت قريب جداً أن تقوم حماس بإصلاح نفسها، ومن غير المحتمل أن تموت موتاً طبيعيّاً أو تقطّع أوصالها بالقوّة، بالإمكان فقط تخسيرها التأييد الشعبي إذا تطرّق إعلان المباديء لقضايا أساسية مثل الحدود وخطة عامة لحلّ مشكلة اللاجئين وخطط حقيقية لتنمية الإقتصاد الفلسطيني. وبالاجمال يحتاج الفلسطينيون لتآكل موقف حماس أن يروا رؤية حقيقية وملزمة جداً لحلّ الدولتين. وهنا بإمكان المبادرة العربية أن تلعب دوراً مهمّاً بإفهام حماس وبكلّ وضوح بأن السلام مع إسرائيل هو الخيار الحقيقي الوحيد. فإذا انضمّت سوريا الى المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية المعتدلة، حينئذٍ ستُعزل حماس سياسياً إلى حدّ بعيد وستفقد بصورة متزايدة زخمها الجماهيري. ولتوصيل هذه النقطة لحماس في عقر دارها، على الإدارة الأمريكية أن تصرّ بأن أي إعلان للمباديء يجب أن يخضع لاستفتاءٍ شعبي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ومن ثمَّ تقوم الإدارة بتوفير الوسائل
والإمكانيات – بما في ذلك حشد التأييد الدولي – لتنفيذ مثل هذا الإستفتاء مهما كانت الظروف. فإذا قاوم قادة حماس هذا الأمر، فإنهم سيواجهون خسارة. يجب على حماس أن تفهم خياراتها مقدّماً، غير أنّ استفتاء شعبي من هذا القبيل قد يمنح حماس طريقاً لحفظ ماء وجهها.
قد يأمل المرء بعد حوالي خمسة أعوام من حرب العراق أن تكون الإدارة الأمريكية قد تجاوزت أخيراً العبث باعتقادها أنّ بالإمكان حلّ النزاع العربي – الإسرائيلي بإطاحة صدام حسين عن السلطة. وقد يصبح أيضا من المفيد أن يدرك الرئيس بأن المؤتمر الذي دعا إليه لن يقدّم شيئاً إذا استمرّ في الإعتماد على السياسات التي لم تحرّك العملية السلمية إلى الأمام. وستري الأشهر القليلة القادمة عمّا إذا كان الرئيس بوش جادّاً فعلاً في الدفع بعملية السلام العربي – الإسرائيلي إلى الأمام أم أنه يستخدم المؤتمر فقط لصرف انتباه الرأي العام هنا في أمريكا وفي الشرق الأوسط عن حرب كارثية تلقي بظلال مشئومة على كامل المنطقة.