All Writings
نوفمبر 1, 2011

االربيع العربي: هل تسير الإصلاحات السياسيّة جنبا ً إلى جنب مع التنمية الإقتصاديّة ؟

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

ليس هناك دولة عربيّة في الوقت الحاضر مستعدّة لإصلاحات ديمقراطيّة سريعة وشاملة بدون فترة انتقاليّة منتظمة وذات هدف تكون مصحوبة – إن لم تكن مسبوقة – ببرامج تنمية اقتصاديّة. وبالفعل، فبدلا ً من الحصول على النتيجة المرجوّة لنظام اجتماعي واقتصادي جديد، نظام حرّ ينبض بالحياة، تؤدي الإصلاحات السياسيّة بدون تنمية اقتصاديّة إلى فترة عدم استقرار ٍ متواصل. وهذا باحتمال ٍ كبير قد يمهّد الطريق لإعادة بروز أنظمة استبداديّة تنتزع السلطة بحجّة المحافظة على النظام والأمن والإستقرار.

لم تُمنح أحزاب المعارضة السياسيّة في مصر وتونس، والآن ليبيا، الوقت الكافي أو الفرصة الكافية لتنظيم أو إدارة حملات انتخابيّة حرّة بطريقة فعّالة. ليس لدى هذه الأحزاب ثقافة التنمية السياسيّة وخبرتها في الحملات السياسيّة واسعة النطاق محدودة، مقيّدين بذلك نموّ المشاركة المدنيّة. لهذا السبب، يجب أن يكون هناك فترة انتقاليّة مدتها سنتان على الأقلّ للسماح بنموّ وتطوّر الأحزاب السياسيّة العلمانيّة، ليس فقط لترتيب أجندتها السياسيّة، بل لتكون في وضع ٍ يسمح بالإعلان عن أجنداتها السياسيّة في جوّ حرّ.

الحزب السياسي الوحيد، في الواقع، الذي بإمكانه وبسرعة أن يبرز كقوّة سياسيّة رئيسيّة في مصر هو على سبيل المثال جماعة الأخوان المسلمين التي كانت تنظّم نفسها منذ أعوام ٍ عديدة بهدوء ولكن بفعاليّة. وإذا انعقدت انتخابات حرّة ونزيهة كما هو مخطّط لها في

شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2012، فسيبرز حزب الأخوان المسلمين كحزب سياسي قوي مع القدرة على التأثير على سياسات الحكومة وذلك بصرف النّظر أكان هذا الحزب جزءا ً من الإئتلاف الحكومي أم بقي في المعارضة. والفوز الإنتخابي لحزب النهضة الإسلامي في الإنتخابات الأوليّة في تونس بعد عهد زين العابدين بن علي التي جرت الشهر الماضي (أكتوبر 2011) بعد عشرة أشهر فقط من الإطاحة بالنظام البائد هو في الواقع مؤشّر لما قد يحدث في مصر.

وما قيل عن تونس ومصر ينطبق أيضا ً على ليبيا، لا بل هناك يجب تأجيل الإنتخابات العامّة مدّة سنتين على الأقلّ. فإجراء انتخابات على المدى القريب على النحو الذي تميل إليه الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي سيكون خطأ ً فادحا ً بالنسبة لليبيا التي تركها القذّافي عمدا ً حطاما ً في جميع المجالات. يجب منح الأحزاب السياسيّة في هذا البلد الوقت والموارد الكافية لتنظيم وتطوير أجندات سياسيّة وتعريف عامّة الناس بمواقفها حول مختلف القضايا التي تهمّ تنمية البلد في المستقبل أمنيّا ً واقتصاديّا ً. والدّعوة لانتخابات في وقت ٍ قريب جدّا ً سيمنح الكثير من الثقة والقوّة الغير مستحقّة لفصائل قبليّة معزولة ولإسلاميين، وبالأخصّ "الجماعة الإسلاميّة المقاتلة بليبيا" وهي المجموعة الوحيدة المحتمل أن تكون قادرة ً على كسب الولاء على الساحة السياسيّة الليبية الغير ناضجة.

الإسلام كدين وثقافة جزء لا يتجزّأ من أيّ نظام ٍ سياسي صاعد وسيبقى دوما ً كذلك حاضرا ً ومستقبلا ً. وبالفعل، هناك أحزاب إسلاميّة تعتبر حليفا ً طبيعيّا ً للتنمية الإقتصاديّة حيث أنّ معظم نشاطاتها كانت من الناحية التاريخيّة تقديم خدمات اجتماعيّة على المستوى الشعبي، غير أنّ الخوف الرئيسي – وبالأخصّ لدى الشباب العربي – هو احتمال توغّل الخطوط السياسيّة في الدّين، فهم لا يريدون استبدال القادة الحاليين- الظالمين والفاسدين – بما جلب الحكم الإسلامي مثلا ً لإيران – القمع والحرمان والإذلال.

لا تقف المخاطر المتأصّلة في الإصلاحات السياسيّة السريعة على أيّة حال عند قيام الأحزاب الإسلاميّة بتولي السلطة. أوّلا ً، من المرجّح جدّا ً أن تفتقر أيّة حكومة تتبنّى إطارا ً زمنيّا ً مختصرا ً للإنتخابات إلى الدعم الشعبي العريض والشرعيّة المطلوبة للحكم، وبالأخصّ خلال الفترة مباشرة ً بعد تغيير ثوري. فالتحدّيات لمثل هذه الحكومة في ثقافة سياسيّة فجّة قد تتراوح من خلافات قانونيّة لا نهاية لها في المحاكم الإداريّة والدستوريّة (إن وجدت) حتّى العنف المنظّم من قبل جماعات تشعر بأنها غير ممثّلة بصورة عادلة. وثانيا ً، وهو أهمّ من ذلك، لن تتمكّن هذه الحكومة على الأرجح أن تلبّي المطالب الشعبيّة الأساسيّة مثل دفع الرواتب وتقديم الخدمات والتنمية الإقتصاديّة وهذه جميعها تعتبر بحدّ ذاتها السبب الرئيسي لقيام الإنتفاضة الشعبيّة أو الثورة.

لذا من المهمّ أن يكون جزء أساسي من المرحلة الإنتقاليّة في كلّ دولة عربيّة مكرّسا ً لبرنامج تنمية اقتصاديّة مدفوعا ً بنظام تخطيط تشاركيّ يساعد على تلبية الإحتياجات الإنسانيّة المهمّة بصورة عاجلة ويطوّر بالتدريج ممارسات ديمقراطيّة على المستوى المحلّي. فإذا تمّ تنفيذ هذه البرامج بفعاليّة ستكون خير دعاية على كيفيّة عمل الأحزاب السياسيّة. من المهمّ إذن في حالة مصر وفي العديد من البلدان العربيّة الأخرى أن يكون هناك هذه الفترة الإنتقاليّة من الحكم الإستبدادي إلى الديمقراطيّة وأن يكون هناك اقتصاد سوق قوي يدعم العمليّة السياسيّة السلميّة. لقد كان في الواقع الحرمان والتفاوت الإقتصادي هما العاملان الرئيسيان اللذان قادا إلى الإنتفاضة الشعبيّة أكثر من التّوق إلى الحريّة السياسيّة، وهذا ما يعلّل استمرار الثوار والعمّال على حدّ سواء في مصر في التظاهر والإضرابات لأنّ سقوط النظام لم يجلب لهم ما يحتاجونه من الغذاء وفرص العمل والرعاية الصحيّة والتعليم.

أحد الأسباب الجذريّة للإنتفاضة الشعبيّة في العالم العربي هو التخلّف الإقتصادي. كانت حكومات مصر وليبيا وتونس تدعم مشاريع التنمية التي تديرها الدولة وقطعت الإقتصاديّات من التجارة والتمويل الدولي، فلا غرابة إذن إن كانت دائما ً نسب البطالة في هذه الدول عالية من رقمين. وعندما حاولت هذه الدّول أن تتجه إلى ليبراليّة وخصخصة اقتصادياتها، لم تؤدي

عمليات التحرّر من قيود الدولة إلى خلق تنمية ثابتة ومستمرّة تخدم أن تكون المصدر الجديد لشرعيّة النظام أو تعزّز استقراره. فبدلا ً من ذلك، وبسبب الفساد الحكومي أو سوء الإدارة أو كلاهما أدّت هذه الخطوات إلى تفاقم الفروق الإجتماعيّة – الإقتصاديّة، بما في ذلك خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال الأثرياء جدّا ً اللذين ينتمي اليهم العديد من عائلات الزعماء الحاكمين واللذين أصبحوا بدورهم أهدافا ً للسخط الشعبي.

قد يكون المغرب في هذا السياق بداية حسنة (بل لربما نموذجا ً) للإصلاح، إذ يحاول المغرب بعد موجة الإحتجاجات أن يربط الديمقراطيّة والتنمية معا ً بحيث يتقدّم أيّ منهما مع تقدّم الآخر. أجل، يجب أن تحدث التنمية المستقرّة والمستمرّة من خلال عمليّات التبادل الديمقراطيّ وبناء الإجماع الشعبي، فالديمقراطيّة تشيّد خلال عمليّة خلق تنمية مستقرّة ودائمة. واللامركزيّة التي تنقل السلطة الإداريّة والمهارات والكفاءات إلى مستويات شعبيّة دنيا هو الإطار التنموي الذي اختاره المغرب للدّفع تعاونيّا ً بالديمقراطية والتنمية إلى الأمام – من الأسفل إلى الأعلى، من القاعدة إلى رأس الهرم.

وبالنّظر إلى هدف اللآمركزيّة المعلن، تجدر الملاحظة بأن ترتيباته التنظيميّة تؤكّد على "الأسلوب التشاركي.". يُطبّق هذا النهج الديمقراطي من قبل مجموعات أو جماعات محليّة تقدّر وتقيّم معا ً تحديّات وفرص التنمية لديها وثمّ تضع وتنفّذ خطط عمل تعكس أولويّاتها المشتركة مثل خلق فرص عمل والتعليم والصحّة والبيئة وغير ذلك. ويتمّ هذا كلّه من خلال عمليّة ديمقراطيّة تبدأ من القاعدة باتجاه الأعلى وتقوم بها مجموعات محليّة مؤهّلة تنمويّا ً وتعتمد على نفسها. هذه المجموعات أو الجماعات مندمجة في نظام وطني لامركزي يتم ّ اختيار قادته المنتخبين على أساس الكفاءة وقدرتهم على المساعدة في صيغة قرارات دوائرهم الإنتخابيّة التي تمّ اتخاذها بالإجماع وتنفيذها.

المنظّمات الغير حكوميّة – أينما وجدت – هي جزء لا يتجزّأ من نموذج التنمية المستقرّة. لدى هذه المنظمات بصورة عامة التزام أكبر تجاه العمليّات الديمقراطيّة وتجميع وتجنيد أفكار الناس والقيام بالتبرعات والمنح الماديّة لأغراض التنمية. ونظرا ً للحاجة الملحّة للمشاريع التنمويّة في بلدان مثل مصر وليبيا وتونس وغيرها، وأخذا ً بعين الإعتبار قدرة الحكومات على توفير المرونة للإستجابة إلى الظروف الإجتماعيّة والإقتصاديّة الخاصّة بسكانها الذين تتزايد أعدادهم بنسب عالية، يُعتبر نظام التنمية التشاركي ليس فقط نظاما ً بحاجة اليه فورا ً، بل سيصبح مركزيّا ً أيضا ً لإصلاحات سياسيّة ثابتة ومستمرّة. ومما يزيد هذا النظام عولا ً واعتمادا ً عليه هو حقيقة أنّ مشاريع التنمية التشاركيّة عمليّة ومناسبة من الناحية الإقتصاديّة وبالأخصّ في الدول الأكثر فقرا ً لأنها تكتفي بشكل ٍ عام برأسمال محدود ومعقول ولا تحتاج لتقنيات عالية جدّا ً، هذا إضافة ً إلى إمكانيّة تنفيذهاعلى نطاق ٍ واسع.

وللتأكيد، الإصلاحات السياسيّة والإقتصاديّة متشابكة بشدّة مع بعضها البعض. والعلاقة بينها قويّة في الدول النامية، وحتّى أقوى من ذلك في الدول الأقل نموّا ً بصورة خاصّة. ولكي ينجح أي منها، من الضروري التحرّك على كلا المسارين في نفس الوقت.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE