All Writings
أبريل 25, 2011

لعبة الشطرنج الكبيرة

         بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

    بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          يبدو أنّ عاصفة من النشاط الدوبلماسي تتلبّد وسط مأزق ٍ في عمليّة صنع السّلام الإسرائيلي – الفلسطيني. فالفلسطينيّون وإسرائيل والولايات المتحدة – كلّ يحسب بعناية التحرّكات التي يزمع القيام بها عن قريب. والظاهر أنّ الفلسطينيّون وحدهم هم من لديهم استراتيجيّة واضحة تماما ً حتى الآن وهي جرّ الصّراع إلى الحلبة الدوليّة من خلال قرار ٍ من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة يعترف بدولة فلسطين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة ضمن حدود عام 1967. وتعمل الولايات المتحدة وإسرائيل إبّان ذلك بشكل ٍ محموم لوضع استراتيجيّات مضادّة تضع خطة الفلسطينيين في الأمم المتحدة على الرفّ مع الإحتفاظ بشيء من رؤية إمكانيّة التوصّل لحلّ الدولتين عبر مفاوضات النيّة الصادقة. ولنجاح ذلك، على إسرائيل على أيّة حال أن تأتي بخطّة سلام معقولة يستطيع الفلسطينيّون قبولها كأساس للمفاوضات وتستطيع إدارة أوباما أيضا ً احتضانها. ولكن بما أنّ موعد انعقاد الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة سيكون بعد أقلّ من أربعة أشهر، فإن موعد القيام "بنقلة" على لوحة شطرنج الشرق الأوسط قد حان الآن.

          تبدو استراتيجيّة السلطة الفلسطينيّة ظاهريّا ً للإعتراف بالدولة ناجحة. لقد وافق على مشروع القرار حتّى الآن ما يزيد عن (130) دولة والعديد من الدول الأخرى مستعدّة للإعتراف بالدولة الفلسطينيّة. واعترفت إبّان ذلك العديد من دول أمريكا الجنوبيّة بفلسطين على مدى بضعة أشهر مضت. وتتطلّع دول أوروبا الغربيّة التي تدعم حلّ الدولتين وتبرّعت بسخاء لتنفيذ برامج للمجتمع المدني الفلسطيني بشوق ٍ لترى ثمار استثماراتها على مدى العقود الماضية. وقبل انعقاد مؤتمر آخر للدول المانحة في باريس في شهر حزيران (يونيو) لمناقشة المساعدات الجديدة للفلسطينيين، التقى رئيس وزراء السلطة الفلسطينيّة، د. سلام فيّاض، مجموعة تنسيق الدول المانحة للأراضي الفلسطينيّة التي تدعى " لجنة الإرتباط" يوم

-2-

13 أبريل (نيسان) في بروكسل. وكتب فيّاض في مقدمة التقرير:" نحن نقف اليوم على مشارف استعدادنا الوطني لميلاد دولة فلسطين". وقدّم فيّاض لأعضاء اللجنة خططه الجديدة حول التنمية الوطنية للفترة من 2011 لغاية 2013 بعنوان: "إقامة الدّولة، بناء مستقبلنا".

          ودعما ً لطروحات فيّاض، فقد صدرت تقارير من منسّق الأمم المتحدة الخاصّ لعمليّة السّلام في الشرق الأوسط، روبرت سيري، وصندوق النقد الدولي والبنك الدّولي، وجميعها تعبّر عن دعم ٍ متحمّس للتقدّم باتجاه دولة فلسطينيّة تعتمد على نفسها. فقد بيّن تقرير الأمم المتحدة أنّه "في ستّ مناطق تعمل فيها الأمم المتحدة بصورة مكثّفة، تعتبر العمليّات الحكوميّة الآن كافية لحكومة تؤدي وظيفتها في فلسطين". وذكر صندوق النقد الدولي في تقريره بأن "السلطة الفلسطينيّة قادرة الآن على القيام بالسياسات الإقتصاديّة السليمة المنتظرة من دولة فلسطينيّة مستقبليّة تعمل بشكل جيّد". وقال البنك الدّولي أنّه "إذا حافظت السلطة الفلسطينيّة على أدائها في بناء المؤسسات وتقديم الخدمات العامّة، فإن وضعها جيّد لإقامة دولة في أيّ وقت ٍ في المستقبل القريب". وحتّى أكثر من ذلك، فقد قال الرئيس باراك أوباما نفسه في ظلّ موجة من التصفيق الحادّ في خطابه الذي ألقاه العام الماضي أمام الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة: " عندما نعود إلى هنا العام القادم، سيكون بإمكاننا عقد اتفاقيّة تؤدي إلى عضو ٍ جديد في الأمم المتحدة – دولة فلسطين المستقلّة وذات السيادة تعيش بسلام ٍ مع إسرائيل". وبهذا العدد من العناصر المندمجة مع بعضها البعض تبدو الخطة الفلسطينيّة للإعتراف بالدولة في شهر أيلول (سبتمبر) القادم في محلّها – أليس كذلك ؟

          يدرك بعض الفلسطينيين بصورة شخصيّة عوائق خيار الأمم المتحدة ويقرّون حتّى بأنّه ليس حلاًّ بل تغييرا ً فقط في طبيعة الصّراع. فاعتراف الأمم المتحدة لا يستطيع إزاحة الجنود إلإسرائيليين ولا مستوطني الضفّة الغربيّة،  ولا يستطيع تفريغ البضائع بحريّة داخل الأراضي الفلسطينيّة أو حتّى بين مناطقها. فإن لم يكن هناك تقدّم سياسي بعد شهر أيلول (سبتمبر)، حتّى مع الإعتراف، فقد هدّد الرئيس محمود عبّاس بالإستقالة. ولكن ماذا بعــد ذلـك ؟ ففي الوقت الذي قيل فيه الكثير من تصريحات التهديد في حالة الإعلان الأحادي الجانب، يبدو أنّ هناك القدر الضئيل من الإستراتيجيّة حول ما هو العمل بذلك الإعتراف. تستمرّ خطّة رئيس الوزراء سلام فيّاض حول بناء المؤسسات مشروعا ً يثير الإعجاب، ولكن هل هذه الخطّة مستديمة بدون التعاون المستمرّ والتنسيق والمفاوضات مع إسرائيل، خصوصا ً وأن جزء مهم من النجاح الفلسطيني – كما أشار اليه تقرير صندوق النقد الدولي –

-3-

يعود إلى التعاون الأمني الإسرائيلي ودعم برامج التنمية الإقتصاديّة الفلسطينيّة.؟ وما هو موقف حماس وقطاع غزّة من ذلك كلّه ؟  أيعقل أن يسعى جزء هام من حكومة الدولة الفلسطينيّة المستقبليّة وقد أصبحت عضوا ً في الأمم المتحدة إلى تدمير دولة عضو في الأمم المتحدة، ألا وهي إسرائيل ؟ هذا الغموض يتزامن مع الإضطرابات والثورات الإقليميّة وكان الدافع الرئيسي لتجدّد مباحثات المصالحة بين فتح وحماس، فالمصالحة بين الطرفين أمرُ حيويّ قبل الذهاب للأمم المتحدة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستدوم هذه المصالحة وتثبّت على أسس سليمة خصوصا ً أنّ كلّ من الطرفين قد تبنّى استراتيجيّة مختلفة كليّا ً عن الآخر فيما يتعلّق بإسرائيل ؟ هذا إن لم تكن أهدافهما أيضا ً مختلفة.  هذا ما سنراه في المستقبل القريب. غير أنّه من الواضح على أية حال بأن السلطة الفلسطينيّة قد تتلهّف للتمسك بمبادرة دوبلماسيّة جديدة إذا عُرضت فيها طريقة لحفظ القيادة الفلسطينية "على ما وجهها" وأكدت للشعب الفلسطيني بثقة بأن طموحاته الوطنيّة ستلبّى وأنّ الصراع مع إسرائيل سينتهي أخيرا ً.

          باستطاعة الولايات المتحدة وإسرائيل فقط أن يقدّما للفلسطينيين مثل هذه التأكيدات، ولكن هل سيفعلان ذلك ؟ لقد صرّح المسئولون الإسرائيليون علنا ً عن حجم الفوضى التي ستنشأ عند إعلان الدولة الفلسطينيّة. فقد قال وزير الدفاع ايهود باراك في مؤتمر لمعهد دراسات الأمن الوطني في تل أبيب بأن إسرائيل في مثل هذا السيناريو ستواجه "تسونامي دوبلماسي". وفي اجتماعه قبل أسبوعين مع الرئيس باراك أوباما يُعتقد بأنّ الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس قد وضع أساس إمكانيّة مبادرة إسرائيليّة ستسبق المبادرة الفلسطينيّة. وعندما يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن في أوائل شهر أيّار (مايو) لحضور المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامّة الأمريكية – الإسرائيليّة (آيباك)، ستكون كلّ الأعين مشدودة لخطّة نتنياهو المأمولة. وقد يكون نتنياهو قد دعي أيضا ً من قبل الناطق باسم البيت الأبيض، جون بوهنر، لإلقاء خطاب في جلسة مشتركة للكونغرس المتوقّع أن يُستقبل نتنياهو فيها بحرارة خصوصا ً من قبل الجمهوريين. وتقول إشاعات بأن خطّة نتنياهو قد تتضمّن انسحاب قوات من جيش الدّفاع من بعض مناطق الضفّة الغربية وتحويل مسئوليات الأمن إلى الإدارة الفلسطينيّة والسّماح لقوات الأمن الفلسطينيّة بالعمل بحريّة واستقلاليّة أكبر. وحيث أن نتنياهو قد كبح الخطط الجديدة للبناء في القدس، غير أنّ خطته موضوع الإشاعات لا تتضمّن ترحيل أيّ مستوطنين من الضفّة الغربيّة ( على الأقلّ في هذه المرحلة)، أو تجميد بناء وحدات سكنيّة جديدة في المستوطنات، وهذا بالنسبة للسلطة الفلسطينيّة شرط ضروري

-4-

لاستئناف المفاوضات. وللتأكيد، نتنياهو قد يفقد تأييد شريكين رئيسيين في تحالفه الحكومي وهما حزب شاس الديني والحزب اليميني المتطرّف "إسرائيل بيتنا"، اللذان يرفضان الحلول التوافقيّة حول القدس والتنازلات الإقليميّة الكاسحة التي تتضمّن اجتثاث عشرات المستوطنات. وإذا حاول بجديّة مناقشة هذه القضايا الحسّاسة التي يصرّ عليها الفلسطينيّون، سيفقد أيضا ً دعم العديد من أعضاء حزبه الليكود.  وعلى خلفيّة هذه العقبات السياسيّة، يبدو أنّ قدرة نتنياهو على تقديم خطّة كافية لتوقيف الفلسطينيين من استخدام خيار الأمم المتحدة مشكوك في أمرها. غير أنّ ما هو واضح تماما ً استنادا ً إلى تاريخه السياسي الشخصي، سيحاول نتنياهو تسويق أيّة خطّة يضعها هو خلال رحلته إلى واشنطن على أنّها قفزة عملاقة نحو السّلام، ومن الأرجح أيضا ً أن يشتريها منه العديد من النواب الأمريكيين.

          يبدو أنّ الرئيس أوباما الآن في ورطة كبيرة من جميع الجهات. فملاحظاته في خطابه العام الماضي أمام الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة ( وقبل ذلك في القاهرة) والتنمية المستمرّة والثابتة للسلطة الفلسطينيّة التي امتدحتها هيئات دوليّة معنيّة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أضف إلى ذلك الثورات الديمقراطيّة التي تجتاح العالم العربي فيما يدعى حاليّا ً "الربيع العربي" والتداعيات الخطيرة المحتملة في حالة عدم التوصّل إلى حلّ للمأزق الحالي، كلّ ذلك يقول أنّه حان الوقت فعلا ً للإعلان عن دولة فلسطينيّة. ولكن هناك أيضا ً قيود وتوتّرات وارتباكات على الجانب الآخر. أوباما يدرك بالتأكيد ش

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE