All Writings
مارس 4, 2008

المبادرة المتواهنــــــــــــــة

4 آذار (مارس) 2008

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

إن مؤتمر القمة العربية المزمع عقده هذا العام في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي آذار (مارس) في العاصمة السورية دمشق أصبح في ورطة جدّية حتى قبل أن ينعقد: فهناك العديد من الخلافات السياسية بين الدول العربية والصراعات العنيفة المستمرة في المنطقة. وحيث أن حل الأزمة المزمنة في لبنان حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبدو شرطاً أساسياً لعقد مؤتمر القمة، غير أن لا أحد يتوقّع أن يتمكّن القادة العرب حتى من محاولة حلّ الأزمات والمشاكل الأخرى العديدة التي ابتُلي بها العالم العربي. والقضية المهمّة والحساسة التي ستطرح نفسها من جديد على أجندة المؤتمر في دمشق تتمثل في السؤال: ما العمل الآن بمبادرة السلام العربية المتواهنة مع إسرائيل لمنعها من أن تصبح مجرّد قيد تاريخيً آخر في سجلات تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي الذي لا ينتهي.

ليس هذا هو الوقت الآن للتهديد بسحب المبادرة أو لتقديم إخطاراً لإسرائيل فإمّا أن تقبل بها أو تواجه العواقب الناتجة عن ذلك كما يطالب بعض القادة العرب. لقد فشل كلا الجانبين، العربي والإسرائيلي، في فعل ما هو اللازم وكلاهما يتحمّل بالتساوي مسئولية عدم إحراز تقدّم في هذا الموضوع. وتمثّل المبادرة أهم موقف عربي تبنّته الدول العربية بالإجماع، ويجب أن تبقى المبادرة الأساس الوطيد الذي تعتمد عليه العمليّة السلمية لغاية التوصل إلى سلام شامل بين العرب والإسرائيليين. لن تؤدي المفاوضات الحالية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى شيء ملموس وسيستمر الصراع الدموي مع حماس ما لم تتدخّل الإرادة العربية الجماعية والثقل العربي، خصوصاً سوريا، بصورة إيجابية في العملية السلميّة. لقد فشلت جميع مخططات السّلام السابقة، بما في ذلك خارطة الطريق وأطروحات كلينتون / باراك واتفاقيات أوسلو، لأنها كانت تفتقر إلى شموليّة المبادرة العربية ولأنها – وبالأخص – قد استبعدت سوريا من عملية السّلام.

وبالرغم أنّ لإسرائيل بعض التحفّظات على المبادرة، غير أنّه يجب عليها أن تحتضن المبادرة بالكامل وتعلن عن إرادتها بأنّها من أجل تحقيق السلام مستعدة لمبادلة الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 به والإشتراك في البحث عن حلّ إنساني لمشكلة اللآجئين الفلسطينيين وكذلك البحث عن حلّ يقبله الطرفان لمستقبل مدينة القدس، وهذه القضايا كلّها ممثلة في المتطلبات الأساسية للمبادرة. واتخاذ هذا الموقف من جانب إسرائيل لن يمنعها من الإعلان هي أيضا ً بكلّ وضوح عن مطالبها الأساسية الأربعة للسّلام والتي تعتبر متوافقة مع مبادىء المبادرة العربية، وهذه: (1) ضمان أمن إسرائيل الوطني وسيادتها على أراضيها،
(2) الإبقاء على الهويّة الوطنية اليهودية لدولة إسرائيل، (3) ضمان أن تكون القدس عاصمة دولة إسرائيل (دون الإخلال بحق الفلسطينيين في إقامة عاصمتهم في نفس المدينة)، و (4) إقامة علاقات طبيعيّة مع كامل دول العالم العربي.

يجب على القادة الإسرائيليين أن يفهموا بأن عرض الدول العربية لهذه المبادرة يمثّل قفزة هائلة إلى الأمام. يستغرب القادة العرب – وبحقّ – لماذا لا تنتهز إسرائيل هذه المبادرة التاريخية لضمان السّلام الذي تدّعي بأنها تنشده منذ ستيّن عاما ً. تعرض هذه المبادرة على إسرائيل السّلام مع الأمن إضافة ً إلى قبولها في الحظيرة العربية. هل يمكن للقادة الإسرائيليين أن يتخيّلوا ماذا يعني بالنسبة لهم رفع الراية الإسرائيلية في سماء (22) عاصمة عربية ؟ هل يمكن أن يتصوّروا التحوّل الذي سيكتنف المنطقة بأكملها ؟

في هذه الأثناء، وبالرغم من أنّ المبادرة بالفعل وثيقة هامة جدّا ً، غير أنه من المفروض أيضا ً على الدول العربية ألاّ تنتظر أن تقوم إسرائيل أوّلا ً بفعل شيء ما. عليها أن تبادر باقتراحات وإيماءات واضحة تجاه إسرائيل لكي تبرهن لجماهيرها بأن زعمائها قد تبنّوا خيارا ً استراتيجيّا ً للسلام لا رجعة عنه، وفي نفس الوقت أن تؤكّد للجمهور الإسرائيلي على التزام القادة العرب بالسلام. هذا ما يريد أن يراه الجمهور الإسرائيلي الذي ما زال يتذكّر جيدا ً عرض الرئيس المصري الراحل أنور السادات للسلام مع مصر مقابل إستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. لقد سافر السادات آنذاك إلى القدس قبل أن يستلم أي تأكيد بأن إسرائيل قد تتخلّى حتّى عن شبر واحد من الأراضي. لقد ذهب السادات إلى إسرائيل لأنه أراد بخطوته هذه أن يبرهن على التزامه بالسلام. لقد أقنعت جرأته هذه – أكثر من أي شيء آخر – الجمهور الإسرائيلي بأن يدعم بالكامل مفاوضات كامب ديفيد في عام 1979 التي أدّت إلى السلام بين الدولتين وإلى الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المصرية.

تصوّر تأثير المشهد على الإسرائيليين إذا سافر الملك عبدالله عاهل المملكة العربية السعودية يوماً إلى القدس ليصلّي في ثالث أقدس مقام إسلامي وأثناء مكوثه في بيت المقدس يوجّه خطابا ً للبرلمان الإسرائيلي حول مزايا المبادرة العربية !! تصوّر التحوّل الجذري الذي سيحدث في الرأي العام الإسرائيلي عندما يرى الجمهور الإسرائيلي مسئولين عرب – عدا الأردنيين والمصريين (المفوّضين أصلا ً من قبل الجامعة العربية لمتابعة المبادرة مع إسرائيل ) – يجتمعون مع نظرائهم الإسرائيليين داخل أو خارج إسرائيل. تخيّل تأثير هذه اللقاءات على المتطرفين العرب اللذين يسعون إلى تدمير إسرائيل عندما يصطدمون وجهاً لوجه مع هذه الإرادة العربية الجماعية الصلبة !! لا تعني الإيماءات أو عروض التعبير عن حسن النيّة قبول العرب بموقف إسرائيل أو الموافقة على سياساتها. كلاّ ! ولا تدلّ هذه أيضا ً على أنّ العالم العربي يعترف بحدود إسرائيل أو أنّ القدس عاصمة ً للدولة العبرية أو أنّ المستوطنات كيانات شرعية. لا شيء أبدا ً من هذا القبيل ! كلّ ما ستعنيه هذه الإيماءات أو المفاتحات هو أن العالم العربي يقبل إسرائيل كدولة ويريد بذلك أن يترجم إعلان المبادىْ إلى عملية سلمية. عندما خاطب الرئيس الراحل أنور السادات البرلمان الإسرائيلي (الكنيست ) قال له بكلّ وضوح الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه مقابل السلام. لقد قوبل قوله هذا بعاصفة من الهتاف والتصفيق من قبل الأغلبية العظمى من الإسرائيليين الذين ينعتونه بالقائد الأكثر شجاعة ً وبعد نظر ومصداقيّة. والآن، وبعد حوالي 30 عاما ً من السادات، مصر محافظة على السلام مع إسرائيل. لقد وضعت الجامعة العربية وبكلّ شجاعة المبادرة العربية أساسا ً للسلام مع إسرائيل، وهذه قد تكون مستحيلة لو لم تكن رحلة السادات التاريخية إلى إسرائيل.

ولكن لنكن صريحين ! كيف يتوقّع السعوديون أن تكون مبادرتهم أساس صنع السّلام العربي – الإسرائيلي إذا ما زالوا يرفضون حتى هذه الساعة مصافحة مسئول إسرائيلي ؟!! رغم أنّ هناك قائمة طويلة من القضايا التي تقصي إسرائيل عن الدول العربية، غير أن عدم الثقة يبقى العامل الأساسي المؤثّر عند إسرائيل ما دام هناك مجموعات عربية متطرفة ودول إسلامية مثل أيران قد أخذت على نفسها علنا ً تدمير إسرائيل وتسعى جاهدة ً لتحقيق هذا الهدف. قد تٌتّهم إسرائيل بجنون الشكّ والإرتياب في القضايا التي تتعلّق بأمنها الوطني. ولكن كيف تفكّر الدول العربية بمعالجة هذا الجنون إذا كان الإسرائيليون يقيسون أمنهم الوطني بمقوّمات وجودهم ؟ ولذا، يجب أن تتضمّن الجهود التي تسعى إلى إقناع إسرائيل بتبني المبادرة خطوات ملموسة وشفّافة تبيّن لإسرائيل بوضوح تغييرا ً فعليّا ً في ديناميكية الصراع على النحو الذي يراه المجتمع الإسرائيلي.

"الجمهور" هي الكلمة المفتاح في هذا السياق. يجب على الدول العربية التي تسعى من أجل السلام أن تكون واضحة ً تماما ً من حيث إستعدادها للتفاعل مع إسرائيل. عليها أن تتجه رأسا ً إلى الجمهور الإسرائيلي الذي رغم طبيعته الحزبية يوافق على شروط السلام الحقيقي. فاذا لم تريد الدول العربية لهذه المبادرة أن تلقى مصير النصّ السابق الذي وضع في مؤتمر القمة في لبنان عام 2002، عليها إذن تغيير استراتيجيتها.

إنّ إسرائيل منفتحة ً إلى الإقتناع، غير أنه عليها أن تدرك أهمية هذه الفرصة التاريخية وتحتضن المبادرة علانيّة. وأخذا بعين الإعتبار التاريخ الطويل والمرير الذي مرّ به الصراع العربي – الإسرائيلي حتى الآن، فان الأمر يتطلّب أكثر من إعلان موجّه من الدول العربية لإسرائيل لكي تقتنع.

 

 

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE