All Writings
سبتمبر 12, 2011

ماذا تعلّمنا من قرية بدرس بعد سبعة أعوام ؟

   بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          لقد تكلّمت في الآونة الأخيرة أمام هيئة الأمم المتحدة في نيويورك بعد عرض شريط ٍ وثائقي بعنوان" ُبدرس"- قرية صغيرة من قرى رام الله في الضفّة الغربية. وبالرّغم من أنني كنت أتابع عن كثب الأحداث التي وقعت في تلك القرية الصغيرة في الفترة ما بين 2003 و 2004 غير أنني أدركت عند مشاهدة هذا الشريط مدى ضآلة التغيير الذي حدث من ذلك الوقت في العلاقات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة. لقد قرّرت هذه القرية آنذاك التي لم يتجاوز عدد سكانها 1500 نسمة أن تستخدم الإحتجاجات السلميّة لمنع وزارة الدفاع الإسرائيلية من بناء سياج أمني قد يفصل قريتهم عن باقي أراضي الضفّة الغربيّة.

          انتهت الأحداث في تلك القرية – التي كان بمقدورها أن تتبنّى مسارا ً مأساويّا ً – بانتصار المقاومة السلميّة لسكانها القرويين بطريقة لبّت متطلبات إسرائيل الأمنية وفي نفس الوقت أعادت للقرويين بكرامة نمط حياتهم الطبيعيّة. فما هي الدروس التي تعلّمها الإسرائيليّون والفلسطينيّون من قصّة هذه المقاومة السلميّة ضد الإحتلال ؟

          أوّلاً: المقاومة السلميّة فقط هي التي تستطيع أن تحسّن الديناميكيّة على الأرض. هذا ما أثبتته الخبرة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة عندما صمّمت السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة على نبذ العنف كوسيلة لتحقيق هدفها الوطني في إقامة الدولة الفلسطينيّة، هذا عندما تترسّخ أخيرا ً فكرة حتميّة التعايش السلمي بين الشعبين.

          الفرق بين الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة شاسع جدّا ً. ففي الوقت الذي أنشأت فيه الضفة الغربيّة بنية تحتيّة للدولة، شاملة مؤسسات اجتماعيّة وسياسيّة وتعليميّة ومراكز للتسويق وحتى دور للسينما وغير ذلك، في حين تحافظ أيضا ً قوات الأمن الداخلي على النظام والقانون بالتعاون التامّ مع إسرائيل، بقي الكثير من قطاع غزّة بمنظور هذه الزاوية  أرضاً  جرداء.

          أهذا بسبب الحصار الإسرائيلي ؟  أقول ليس بالدرجة الأولى بل بسبب رفض حماس نبذ العنف والدعوة لتدمير إسرائيل. فهذا الموقف المتشدّد يجبر حماس على التركيز بالدرجة الأولى على الأمن وحيازة أسلحة هجوميّة ضدّ إسرائيل بدلا ً من توفير فرص العمل وبناء أساس الدولة في قطاع غزّة بالتوازي والتعاون مع نظيرتها السلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة.

الدّرس الثاني المستفاد من خبرة بدرس هو أنّ مخاوف إسرائيل الأمنيّة الشرعيّة قد تُخفّف بتعديل ٍ بسيط على الحدود من خلال عمليّات تبادل الأراضي دون ترحيل أو تهجير فلسطيني واحد وبدون اجتثاث المئات من أشجار الزيتون التي تعتبر أحد الموارد الرئيسيّة لمعيشة القرويين.

          وخلافا ً لادعاء نتنياهو بأنّ حدود عام 1967 يتعذّر الدفاع عنها، قد يتساءل المرء في عصر الصواريخ والقاذفات الصاروخيّة: أي حدود تلك التي يمكن الدفاع عنها ؟ فهل مثلا ً الحدود مع غزّة قابلة للدفاع عنها ؟  هل امتلاك إسرائيل لبعض قطع الأراضي من قطاع غزّة سيغيّر الكثير من الرؤية الأمنيّة ؟

الواقع أنّ السلام فقط هو الذي يلبّي المتطلبات والإحتياجات المتبادلة لكلا الطرفين وهو الذي يجعل تقريبا ً أية حدود آمنة ويصبح حتّى مصدرا ً ومنطلقا ً للتعاون والتجارة وعشرات التبادلات الثقافيّة والعلميّة واللقاءات الأخرى. لقد بيّنت بدرس – هذه القرية الصغيرة – للعالم بأن إسرائيل تبقى آمنة أيضا ً ببناء السياج على طول الخط الأخضر لعام 1967 دون التعدّي على الأراضي الفلسطينيّة. ويمكن في ظلّ السّلام الدائم إزالة السياج بالتعاون معا ً للسماح بحريّة الحركة للناس والبضائع في كلا الإتجاهين.

          لقد بيّنت قصة بدرس بأن التطرّف لا يخدم لا إسرائيل ولا القضيّة الفلسطينيّة. قد ينجح المتطرفون في إعاقة أو تأخير عملية السّلام لبعض الوقت، غير أنهم لن يتمكّنوا أبدا ً من منع تحقيق السّلام لأن غالبيّة الشعب على كلا الجانبين يتوق للسّلام. لقد أكّد على ذلك أحد مؤيدي حماس في القرية وهو أب لسبعة أطفال ومعلّم. كان هذا في البداية متشكّكا ً من المقاومة "السلميّة" ولكنه عندما أدرك بأن العديد من الإسرائيليين هم أيضا ً ضد الإحتلال وقد خرجوا جماعات لمساندة الفلسطينيين في بدرس بالإلتحام معهم يدا ً بيد توصّل هو أيضا ً إلى الإستنتاج بأن هناك سبب للإعتقاد أنّ حلّ الصراع ممكن بدون سفك دماء.

          تبيّن بدرس أهمية عنصر غالبا ً ما أهمل في عمليّة المقاومة السلميّة وهو بالتحديد دور المرأة. فخلافا ً للعمليّات السياسيّة والعسكريّة التي تعتبر حكرا ً على الرجال وتستثني النساء والعائلات، تستطيع هذه المجموعات المهمّشة أن تساهم في المقاومة السلميّة وتدعمها. لقد كانت النساء مع أطفالهنّ في مقدمة الإحتجاجات في بدرس التي فوّضتهم بتحمل المسئولية عن حماية قريتهم. فبالقيام بالإحتجاجات جنبا ً إلى جنب مع الرجال بيّن كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بأن هذا الصراع يتجاوز الحدود الثقافيّة ليوحّد ويقوّي مجتمعهم وبلدهم.

          لقد كشفت قصّة بدرس أيضا ً عن سوء فهم متبادل من طرف الإسرائيليين والفلسطينيين في حين بيّنت روح الإنسانيّة الأصليّة والرغبة الحقيقيّة في العيش بسلام. لقد أدرك الفلسطينيّون بأن ليس كلّ الإسرائيليين ماسكين بزناد بنادقهم وعلى هبة الإستعداد لقتل أي فلسطيني كما يصوّرهم المتطرفون الفلسطينيّون ووسائل الإعلام. وبالمقابل أدرك الإسرائيليون اللذين انضمّوا إلى احتجاج الفلسطينيين ضدّ بناء السياج بأن هؤلاء القرويين يريدون فقط بكلّ بساطة أن يعيشوا حياتهم بسلام ولا يضمرون مشاعر سيئة نحو الإسرائيليين ويقبلون بإسرائيل كدولة جارة لهم يريدون أن يتعاونوا معها ما دامت إسرائيل لا تتعدّى على ممتلكاتهم.

          الإستنتاج الذي لا مفرّ منه من هذه القصّة المؤثّرة هو أنّ التعايش الإسرائيلي – الفلسطيني ليس خيارا ً من عدّة خيارات بل هو الخيار الوحيد. وعلى الإسرائيليين والفلسطينيين أن يختاروا الآن ما بين استمرار الصّراع وسفك الدّماء وتسميم الجيل تلو الآخر أو العيش معا ً بسلام ٍ ورخاء.

          لن يفيد اتخاذ أي إجراء أحادي الجانب من قبل أيّ من الطرفين. لا استمرار الإحتلال ولا السعي للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينيّة سيخدم المصالح الوطنيّة لأي من الطرفين، فحلّ الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني يعتمد على مفاوضات ٍ بنيّة حسنة وبشرط أن يقبل الطرفان ما قبله سكان بدرس القرويّون ومعهم الإسرائيليّون الذين جاءوا لمساعدتهم على طول الخطّ:  عِش ودع الآخرين يعيشون.

 

_____________________________

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE