All Writings
أغسطس 20, 2006

العبر المأخوذة من الحرب الغير مدروسة

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

بصرف النظر عن كيف ومتى ستسكت البنادق، فقد خسرت إسرائيل الحرب الغير مدروسة. ومهما كان عدد من قتلوا من مقاتلي حزب الله أو عدد صواريخ الكاتيوشا التي قد دمّرت في مكانها أو مقدار الدمار أو الضرر الذي حلّ بالبنية التحتية للبنان ولحزب الله، فالمهم في الشوارع العربية أن حزب الله قد صمد ببسالة لمدة خمسة أسابيع أمام الجيش الإسرائيلي العتيد. فان قدرة حزب الله على إمطار آلاف الصواريخ على مراكز المدن الإسرائيلية وإجبار مليون إسرائيلي نتيجة لذلك على الاحتماء بالملاجئ المحصنة ضد القنابل هو أمر مغاير تماما لأداء الدول العربية خلال نزاعاتها في الماضي مع إسرائيل. عندما يترسّب غبار المعارك على الأرض ويصفو الجوّ، على إسرائيل أن تعيد تقييم إستراتيجيتها تجاه إيران والدول العربية وتعيد هيبتها العسكرية ليس من أجلها هي فقط بل أيضا من أجل أعدائها لمنعهم من القيام بخطأ فادح في التقدير معتمدين بذلك على الاحداث الأخيرة.

أكان لأسباب تكتيكية أم لوجود قيادة تفتقر إلى الخبرة في الشئون العسكرية أو لاعتماد خاطئ على الحملة الجوية، فان عجز إسرائيل في إحراز نصر مطلق على حزب الله سيستمر في الصّدى داخل العالمين العربي والإسلامي. وفشل إسرائيل هذا سيشجع بلا شك إيران لتحدّي إسرائيل مرة أخرى في وقت آخر وتحت ظروف مختلفة، بينما قد تفكّر سوريا بأن إسرائيل بعد كلّ هذا ليست بتلك القوّة العسكرية المريعة وتلجأ لتحركات تكتيكية أكثر عدوانية لاستعادة هضبة الجولان. هذا وقد يشتد عزم حماس أيضا على مقارعة إسرائيل . وحزب الله – الذي عانى بكل المعايير العسكرية الموضوعية هزيمة إستراتيجية وبرز منتصرا في أعين العالم العربي لصموده أمام الهجوم الإسرائيلي بجسارة – قد يتجرّأ للانقضاض من جديد في المواجهة القادمة.

يجب على إسرائيل بعد خسارتها الحرب الغير مدروسة أن تكون حريصة ألا تترجم هذه الخسارة إلى خسائر إستراتيجية حقيقية في التعامل مع الصراع العربي-الإسرائيلي أو مع إيران. وبالتحديد، يجب على إسرائيل أن تبقى متشبثة بجهودها في نزع سلاح حزب الله، وإلا لن يتعدى الأمر مسألة وقت لاندلاع حرب جديدة يكون ثمنها أكبر بكثير. لقد كان السماح لإيران وسوريا بإغداق السلاح على حزب الله خلال الأعوام الستّة الماضية في الوقت الذي تمّ فيه تجاهل تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم (1559) خطأ فادحا يجب ألا يتكرر مرة أخرى على الإطلاق.

يجب ألا ينسحب أي جندي إسرائيلي من لبنان قبل إخلاء كامل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من سلاح حزب الله وتكون عملية نزع سلاحه قد بدأت فعلا بكلّ جدية. يستحق لبنان أن يكون بلدا حرّا ويعيش بسلام وألا يصبح أبدا مرة أخرى أرض معركة لقوى إقليمية أخرى لإحراز مكاسب لها. إن قبول أي شيء أقل من ذلك سيسمح لإيران بالاستمرار في مساعيها الحثيثة لزعزعة الاستقرار على الحدود ما بين إسرائيل ولبنان وحرمان كلا الدولتين من فرصة التوصّل إلى تسوية سلميّة للخلافات بينهما.

وبالرغم من أن إيران قد تخسر شيئا من سيطرتها على لبنان بسبب متطلبات وشروط وقف إطلاق النار، غير أنها ستستمر في تحريض وتشجيع حماس على الاستمرار في مقاومتها العنيفة ضد إسرائيل. يجب على إيران ألا تخرج من هذه الكارثة المفجعة في لبنان سالمة معافى من الضرر لان هذا سيشجعها على التخطيط للمواجهة القادمة مع إسرائيل مباشرة أو بتكليف أطراف أخرى. على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يكونوا في المقدمة في التعامل مع تصرف إيران الفظيع. يجب على إدارة بوش ألاّ تنتظر الصينيين أو الروس أو الفرنسيين للمصادقة على قرار من الأمم المتحدة يفرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب تحديها المتواصل في متابعة برنامج التسلح النووي. قد لا يصدر قرار مناسب بهذا الشأن في القريب العاجل, وحتى لو صدر, فمن المحتمل أنه سيفتقر للقوة وبذلك سيكون غير كافياً لإحداث تغييراً استراتيجياً في سياسات إيران. وعلى ضوء هذا الواقع, يجب على الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أولئك الحلفاء الراغبين فعلا في اتخاذ موقف حقيقي ضد إيران أن يتفقوا على نظام شديد من العقوبات الاقتصادية على إيران. علاوة على ذلك, يجب توقيف برنامج إيران النووي بأية وسائل تتضح بأنها ضرورية مع عدم استبعاد التهديد بالقوة.

وبالرغم من أن إيران هي المذنب الرئيسي الذي يقف خلف الهجوم الأولي لحزب الله على إسرائيل, واختطافه الجنديين الإسرائيليين, غير أن إسرائيل محقة في وضع بعض اللوم على سوريا. ولكن يجب على إسرائيل أن تميّز ما بين الدولتين. ففي حين أن عداوة إيران لإسرائيل قد لا تخفّ إلا إذا أصبح هناك تغيير في نظام الحكم في طهران, تدرك سوريا تماماً أن عليها العيش في منطقة تحتوي إسرائيل كجارة لها. فبالرغم من مصالحها الكثيرة المشتركة, بما في ذلك عداءهما المشترك تجاه الولايات المتحدة الأمريكية ومخاوفهما أن يكون كل منهما هدفاً للسياسة الأمريكية لتغيير نظام حكمهما, إلاّ أن سوريا وإيران تختلفان في تقديراتهما الإستراتيجية وفي مصالحها القومية العليا. ففي حين تنظر سوريا إلى صراعها مع إسرائيل على أنه صراع إقليمي يتعلق بالأرض, فإن هذا الصراع

بالنسبة لإيران وجودي. وبالرغم من أن إسرائيل لعدة أسباب مختلفة شاملة التوقيت قد لا تكون حالياً في وضع يسمح لها القيام بإيماءة حقيقية تجاه سوريا, غير أن على إسرائيل الشروع بإعادة التفكير جدياً بموقفها بالنسبة لهضبة الجولان. وحيث أن مركزية سوريا في أي حل دائم مستقبلاً غير قابلة للجدل, قد تجد دمشق نفسها مرتاحة أكثر في القيام بإيماءة سلام تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك تفتح الباب لإشراك سوريا مباشرة في العملية السلمية. إن فصل مصالح سوريا عن مصالح إيران وقطع خط الإمداد لحزب الله تعتبران خطوتان مهمتان جداً لإضعاف حزب الله والتقليص الجذري لنفوذ إيران في لبنان الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى هدوء دائم على حدود إسرائيل الشمالية.

ومهما تكن حماس قد تضررت بعد أربعين يوماً من العقاب المؤلم قد لا تزال تشعر بالجسارة بسبب إخفاق إسرائيل المحسوس في لبنان. ومهما يحدث في لبنان ومهما كان مصير حزب الله, فإن حل الصراع مع الفلسطينيين بالنسبة لإسرائيل يجب أن يحظى الآن بأكثر أهمية وسرعة. وهذا يعني أنه على إسرائيل أن تتخذ نظرة جديدة حاسمة وتعيد فحص موقفها بالكامل تجاه القضية الفلسطينية. ومع الأخذ بعين الاعتبار الانشقاقات الداخلية في حكومة أولمرت التي يعود جزء منها إلى الانتكاسة الناتجة من الحرب في لبنان, فإن الانسحاب الأحادي الجانب من الضفة الغربية لم يعد خياراً حيوياً. إن زمن التردد والتذبذب قد انتهى. على الحكومة الإسرائيلية أن تتصرف الآن بوضوح وعزم. وعلى حماس أيضاً أن تفهم بأن لها خيارها, فإما أن تقبل التعايش السلمي أو يتم التعامل معها كعدو إسرائيل اللدود وفي هذه الحالة تتحمل وحدها العواقب. هذا ويجب على إسرائيل على أية حال أن تكون مستعدة للقيام بالتنازلات الإقليمية اللازمة وتسعى إلى حل دائم تتم صياغته والاتفاق عليه عن طريق المفاوضات مع المعتدلين من الفلسطينيين ما دام هؤلاء مخولين للتكلم باسم جميع الفلسطينيين. يجب على إسرائيل أن تنهي الصراع مع الفلسطينيين بكرامة لشعب عليها أن تتعايش معه بشكل أو بآخر.

لن تتمكن حكومة أولمرت, بعد إلحاق ضرر شديد بها, أن تعمل بعد الآن من موقف القوة. هذا لا يعني على أية حال أن على إسرائيل العودة إلى زعيم الليكود, نتنياهو, أو لشخص آخر على مثيلته قد يرجع العملية السلمية خمسين عاماً إلى الوراء. إن الأمة بحاجة بالأحرى إلى قائد قوي بعيد النظر وحازم أمثال رابين وشارون يكون قادرا على تقدير حقيقة وضع إسرائيل بشكل موضوعي بعد الحرب في لبنان. إن الخطر الحقيقي في المستقبل يأتي من إيران وهذا يلوح على أنه كبير للغاية. وإذا أرادت إسرائيل أن تواجهه بفعالية, عليها أن تطور استراتيجيات تحرم

 

إيران ليس فقط من فرصة التوسط في الصراع العربي ــ الإسرائيلي بل تجعل طهران تخاف على وجودها وبذلك تكفّ حتى عن التفكير في أي عمل عدائي ضد إسرائيل.

قد يكون من المستحيل على حكومة أولمرت أن تتجاوز الحرب ألغير مدروسة. وإذا تمكن السيد ايهود أولمرت من إنقاذ حكومته, إلا أنه قد يبقى عليه إعادة النظر في توزيع الحقائب الوزارية وتعيين وزير جديد للدفاع يستطيع إعادة إثبات التفوق العسكري لإسرائيل من أجل السلام. فدولة إسرائيل التي ينظر إليها حقاً أو باطلاً كدولة ضعيفة ستغري ببساطة المزيد من التحديات العسكرية الخطيرة لأن أعداء إسرائيل الحقيقيين مثل إيران لا يرقّون ولا يرحمون, خصوصا وأنهم الآن يشمون رائحة الدم.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE