All Writings
ديسمبر 6, 2010

حان الوقت لاستقالة باراك

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          ما زال على الحكومة الإسرائيلية أن توافق على الاتفاقية الأمريكية – الإسرائيلية المقترحة لتجميد البناء في المستوطنات في الضفة الغربية مقابل عرض أمريكي بقيمة ثلاثة مليارات دولار وهي ثمن معدات عسكرية شاملة طائرات "الشبح" المقاتلة. وإذا نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحصول على موافقة مجلس وزراءه، سيكون للأطراف مدة تسعين يوماً للتركيز بالدرجة الأولى على التوصل لاتفاقية حول الحدود. فقط ستمكّن اتفاقية على الحدود من استمرار المفاوضات وذلك بتحديد أية مستوطنات ستنضم لإسرائيل وأي منها ستبقى في الأراضي الفلسطينية. وتبعاً لذلك ينحصر استئناف البناء الإسرائيلي على تلك المناطق التي ستعتبر جزءاً من إسرائيل. ويتوقف نجاح أو فشل جهود إدارة أوباما للتوصل للسلام على مدى التّقدم الذي سيتم إحرازه لحث القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية على الاستمرار بالمفاوضات ما بعد فترة التجميد التي قوامها (90) يوماً.

 

          إن احتمال التوصل إلى مثل هذه الاتفاقية ضعيف للأسف، حيث أنّ أية اتفاقية تتطلّب تنازلات جوهرية من جانب كلا الطرفين، غير أنه ليس من الواضح على أية حال عمّا إذا بإمكان الحكومة الإسرائيلية الحالية تجميد الاستيطان مدة ثلاثة أشهر، حتى لو كان ذلك مقابل عرض أمريكي سخيّ، وثمّ الاتفاق على حدود تتخلّى بموجبه عن نسبة (95%) أو أكثر من أراضي الضفة الغربية. حركة شاس الدينيّة وحزب إسرائيل "بيتنا" ستعترضان بوجهٍ خاص على ذلك، وسيقاومه أيضاً الجناح الأيمن ضمن حزب الليكود الذي يدعو حزب شاس لمعارضته بدلاً من التحفظ على تصويت مجلس الوزراء على التجميد. لقد ذكرت شاس بأنّها ستمتنع فقط عن التصويت في حالة حصولها على رسالة من الولايات المتحدة تضمن استئناف البناء في القدس وبأن فترة التجميد لن تجدّد بعد انقضاء ال (90) يوماً. إنّه لمن

 

-2-

 

الصعب – إن لم يكن من المستحيل – أن تكون متفائلاً حول آمال حركة فعلية نحو السّلام في هذه المرحلة بوجود شركاء تحالف من هذا النوع.

 

          وإذا ثبت أن المتشككين – بما فيهم أنا شخصياً – على حق وفشلت جهود التفاوض على اتفاقية حدود، يصبح من الواضح أنّ على حزب العمل بقيادة وزير الدفاع إيهود باراك ترك الحكومة في محاولة للحث على إعادة تشكيل الخارطة السياسية الإسرائيلية. لقد فقد باراك منذ زمنٍ طويل بريقه. قد يظن نفسه منقذ إسرائيل، ولكنه ليس كذلك. وما دام باراك باقياً في هذه الحكومة فإنه يخدم كورقة التين لتحالف يميني متطرف يسير في طريق مسدود ويعارض إيديولوجيّاً القيام بتنازلات بعيدة المدى تعتبر ضرورية للوصول إلى اتفاقية سلام. لقد ذكر باراك طبعاً بأن وجوده في الحكومة قد أبقى العملية السلميّة حيّة بالرّغم من أغلبية التحالف اليميني المتطرف. والإخفاق في التوصل إلى اتفاقية بشأن الحدود سيكشف عن هذه المغالطة. لقد أصبح باراك بالفعل عبئاً على العملية السلميّة.

 

          لقد أظهر استطلاع أجرته منذ أسبوعين جريدة "يديعوت أحرونوت" بأنه لو أجريت انتخابات في إسرائيل اليوم مع إيهود باراك زعيماً لحزب العمل فإن الحزب سيخسر ثمانية مقاعد، أي من (13) مقعداً في الوقت الحاضر إلى (5) مقاعد مهمّشة في الكنيست. وإذا قاد أفيشاي بريغرمان الحزب، فإنّه سيفوز بِ (14) مقعداً. وإذا كان إسحاق هرتسوغ رئيساً للحزب، سيفوز بِ (17) مقعداً، وفي حالة ما إذا دخل الجنرال غابي أشكينازي السياسة ليقود حزب العمل، فقد يحصل الحزب على (23) مقعداً. وفي رسالةٍ من باراك للجنة قيادة حزب العمل رداً على موجة الأصوات التي تدعوه لترك الحكومة وبروز منافسين لقيادته في الحزب كتب يقول: "سيكون خطأً مأساوياً إذا تخليت عن الحملة من أجل السّلام في هذه المرحلة وقدت إسرائيل لحالة من العزلة الدولية." غير أن استمرار وجوده في حكومة غير ملتزمة بإصرار وبلا تردّد بالخيار الحيوي الوحيد للسّلام وهو حلّ الدولتين سيستمرّ في تصعيد هذه العزلة بدلاً من كبحها. فإذا ترك باراك الحكومة سيُترك نتنياهو مع تحالف يميني ضعيف،

 

-3-

 

بخبرة عسكرية ضعيفة وحتى بعلاقات دبلوماسية أضعف مع الأمريكان. وسيكون خروج باراك أمراً باعثاً لتحسين الخارطة السياسيّة وتشكيل حكومة قادرة في النهاية على توقيع اتفاقية سلام.

 

          إنّ الطريقة الوحيدة لعكس اتجاه العزلة الدولية ووضع العمليّة السلمية في المسار الصحيح باتجاه حلّ الدولتين هي إصلاح الإئتلاف الحكومي الحالي. وهذا يتطلب وجود قيادة معتدلة من صلبٍ قوي فيها عناصر من الليكود وكاديما والعمل. ستحقّق مثل هذه القيادة الجديدة في إسرائيل عدداً من الأشياء الغير قادرة أو الغير راغبة الحكومة الحالية على القيام بها.

 

          أوّلاً، بإمكان حكومة جديدة إعادة ثقة الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع إسرائيل. قد يكون "التآلف الكيميائي" السيء ما بين أوباما ونتنياهو غير قابل للإصلاح وبالأخصّ بعد اجتماع نتنياهو مع زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي، إريك كانتور، وهو اجتماع تمّ الترويج له كثيراً من طرف وسائل الإعلام، وخرج بعده كانتور يقول بأنه سيعمل بمثابة "أداة ضبط أو كبح" ضد الإدارة الحالية. إنّ جهود شركاء نتنياهو المكرّسة لمعارضة الرئيس الأمريكي ومبادراته والاستمرار في المشاريع الاستيطانية، حتى لو كان ذلك لربّما ضد إرادة نتنياهو وطبيعته السلوكية، قد ألحقت أضراراً جسيمة في الثقة ما بين واشنطن والقدس. إعادة الثقة المتبادلة ما بين الطرفين قد يشترط تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل تتمتّع بالدّعم اللازم للقيام بتنازلات لاتفاقية سلام. وستقوّي أيضاً قيادة جديدة في إسرائيل التنسيق مع الولايات المتحدة في عدد من القضايا المهمة، شاملة لبنان وإيران وحماس.

 

          ثانياً، ستعيد حكومة إسرائيلية جديدة بعض الثقة المفقودة ما بين إسرائيل والفلسطينيين من ناحية، وإسرائيل والدول العربية البارزة من الناحية الأخرى. قليلون جداً

-4-

 

من الزعماء العرب من يعتقد بأن حكومة نتنياهو قادرة أو راغبة في القيام بالتنازلات الضرورية للوصول لحلّ الدولتين، ولا يمكن تخفيف عدم الثقة هذه بدون قيام حكومة جديدة في إسرائيل تكون غير مشدودة لحركة الاستيطان. فبدون تغيير جذري في تركيبة الحكومة سيكون من غير المحتمل لدول عربية مثل المملكة العربية السعودية حتّى مجرد التفكير في اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكن قد يحفّز تغيير في إسرائيل تغييّراً مقابلاً له في المواقف العربيّة.

 

          ثالثاً، قد تعطي حكومة جديدة في إسرائيل الحملة الدولية لعزل إسرائيل بعض الوقت للتروي، وذلك في الوقت الذي قد تتحسّن فيه العلاقات، وبالأخصّ مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتركيا بصورة جذرية. ويمثّل موقف حركة شاس المعطّل لأي تقدّم في الإئتلاف الحكومي الحالي مأزق إسرائيل. لن يتحقق تجميد محدود للاستيطان، كما هو مطلوب حالياً، إلاّ إذا تخلّت شاس عن موقفها. ويتزعّم هذا الحزب الديني الحاخام عوفاديا يوسف الذي وصلت ملاحظاته الغريبة في الآونة الأخيرة إلى مستوى منخفض من العقلانية عندما ذكر في وعظةٍ له بأنّ "غير اليهود قد خلقوا فقط ليخدموننا. بدون ذلك ليس لهم مكان في العالم – فقط لخدمة شعب إسرائيل." فإزالة هذا التأثير الخطير الصادر في الوقت الحاضر عن هذه الشخصية المتطرفة لن يكون إلاّ لصالح علاقات إسرائيل الدولية.

 

          رابعاً، ستضع حكومة إسرائيلية جديدة الفلسطينيين والدول العربية التي تؤيدهم على المحك بتغيير النظرة الدولية المتزايدة بأنّ إسرائيل هي العقبة أمام السلام. من يلوم أولئك الذين يقولون بأنّ إسرائيل لا تريد السلام؟ لقد قال في الواقع وزير خارجية إسرائيل، أفيغدور ليبرمان، للصحفيين بأنّه لا يفكّر أنّ على إسرائيل السعي وراء سلامٍ مع سوريا وأنّه باقٍ صامداً على موقفه في معارضة حتى فترة تجميد قصيرة جداً لأعمال الاستيطان لصالح تحسين الأجواء لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. وكون إسرائيل أيضاً عاجزة ًعن تمرير مثل هذا التجميد إلاّ بحوافز أمريكية هائلة – وحتّى لو حدث ذلك فبأغلبية هامشية

 

-5-

 

هزيلة – يعزّز التأكيد على أنّ إسرائيل غير مهتمّة بصنع سلام حقيقي. ولذا فإن حكومة جديدة قادرة على عرض رؤيتها لحلّ الدولتين وتعمل للتوصل لهذا الحلّ قد تجبر الفلسطينيين والدول العربية على العودة إلى مواقفهم ونواياهم الحقيقية مطالبة إيّاهم بالتجاوب معها أو تحمّل مسئولية وضع عقبات أمام السلام.

 

          وأخيراً، قد يبدأ ائتلاف حكومي محسّن بتحضير الجمهور الإسرائيلي لاحتمال حلّ الدولتين. يجب تحرير الشعب الإسرائيلي من وهم فكرة الربط ما بين أمن إسرائيل القومي واحتلالها للأراضي الفلسطينية. لقد عزّزت الحكومة الحالية هذه الفكرة على حساب آمال التوصل لحل الدولتين الدائم والحيوي. المطلوب إذن قادة أوفياء وذوي خبرة يقودون إسرائيل في المجالات الدبلوماسية والأمنية، وفي نفس الوقت يضعون الأساس لاتفاقية سلام تضمن أمن إسرائيل القومي، لا الانتقاص منه.

          يقع اختيار تغيير الحكومة الحالية بأيدي رئيس الوزراء نتنياهو. أمّا العامل المساعد للتغيير فيجب أن يكون، على أية حال، إيهود باراك. عليه أن يدرك ذلك باستقالته من الحكومة ومن قيادة حزب العمل فيحرّك بذلك تركيبة سياسيّة جديدة من شأنها خلق طريق نحو اتفاقية السّلام التي يزعم أنه يسعى لها لصالح إسرائيل. وللقيام بذلك، عليه أن يكون أوّل من يضع مصالح إسرائيل فوق مصالحه الشخصية وطموحاته السياسية وإجبار نتنياهو بدوره أن يحذو حذوه.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE