All Writings
أغسطس 16, 2011

دولتان لشعبين

 

          بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعايشوا بسلام وأن يسمحوا أخيراً بحرية الحركة للناس والبضائع من الجانبين.

 

          يبدو أن مقالتي الأخيرة في جريدة "الجروزلم بوست" بعنوان:"حتمية التعايش السلمي" قد سبّبت بعض الإرباك أو التناقض حول موقفي من حلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

 

          وأود هنا أن أبيّن بصورة واضحة جداً بأنني لم أؤيد أبداً في الماضي حلّ الدولة الواحدة وإنني لا أؤيده الآن ولن أؤيده في المستقبل.

 

          أضيف هنا بأن التعايش السلمي الإسرائيلي – الفلسطيني أمرٌ لا بدّ منه لأن كلا الشعبين عالقان بكلّ معنى الكلمة ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، ولا يستطيع أيّ منهما أن يزيح الآخر إلاّ بكارثة لا يمكن تصوّر أبعادها.

 

          على الجانب الإسرائيلي جناح يميني متطرف ومتدّينون أصوليّون وعلى الجانب الفلسطيني أيضا ً مجموعات فلسطينيّة متطرّفة مثل حماس. هؤلاء يحلمون بتحقيق إسرائيل الكبرى وفلسطين الكبرى على التوالي وسيستمرّون في اللجوء إلى أية إجراءات – بما فيها

العنف المتواصل – لتحقيق أحلامهم الطائشة. لقد فشلوا في مساعيهم حتّى الآن وسيفشلون فشلا ً ذريعا ً في النهاية بفعل الواقع على أرض التعايش السلمي.

          لن يتمكّن الفلسطينيّون أبدا ً  من هزيمة إسرائيل عسكريّا ً، وإسرائيل لن تنجح أبدا ً في الإبقاء على الإحتلال وإخضاع الشعب الفلسطيني إلى الأبد.

          لقد خُلقت إسرائيل كالملاذ الأخير للشعب اليهودي، ولذا يجب أن تبقى حرّة، مستقلّة وديمقراطيّة. وبإمكان إسرائيل بالفعل، لا بل يجب عليها، المحافظة على الهويّة الوطنيّة اليهوديّة للدولة عن طريق الإبقاء على أغلبيّة يهوديّة فيها. والطريقة الوحيدة لتحقيق هذه الرؤية هي تنفيذ حلّ الدولتين، دولة يهوديّة ودولة فلسطينيّة.

          ولضمان استقرار الأغلبيّة اليهوديّة على الحكومة الإسرائيليّة خلق الظروف الإجتماعيّة – الإقتصاديّة والسياسيّة المناسبة التي ستجعل من إسرائيل ملاذ جميع اليهود. لقد خلقت للأسف الشديد سياسات نتنياهو – ليبرمان الخرقاء الظروف المعاكسة تماما ً مجبرة ً العديد من الإسرائيليين على الهروب من إسرائيل بدلا ً من البقاء فيها والعيش برغد ٍ وازدهار في وطنهم. واستنادا ً إلى آخر تقديرات موثوق بها فقد هاجر أكثر من مليون إسرائيلي حتّى الآن لبلدان ٍ مختلفة سعيا ً وراء فرص ٍ أفضل. فالفجوة الإجتماعيّة – الإقتصاديّة المتنامية ما بين الغنّي والفقير والإفتقار لأية رؤية للسّلام مع الفلسطينيين ستجبر عددا ً أكبر من الإسرائيليين على الهجرة ممّا كان يُدعى في الماضي "الملاذ الأخير للشعب اليهودي".

          ليس لزاما ً على الفلسطينيين الإعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة كما يطالب بذلك نتنياهو، بل على الإسرائيليين أنفسهم وحكومتهم ضمان استمراريّة الهويّة اليهوديّة للدولة من خلال أغلبيّة يهوديّة مستقرة بدون ممارسة العنصريّة والتمييز.

          يجب أن تعتمد أرض إسرائيل على أساس حدود عام 1967 مع بعض عمليّات تبادل أراضي بحجم ٍ لا يتعدّى 5 بالمائة وذلك للسّماح بضمّ جميع المستوطنات الإسرائيلية (وهي ثلاثة تجمّعات استيطانيّة رئيسيّة) على طول حدود 1967 لأراضي دولة إسرائيل.

 

وبالمقابل، يجب أن تضمّ أراضي الدولة الفلسطينيّة قطاع غزّة و 95 بالمائة من مساحة الضفّة الغربيّة مضافا ً اليها 5 بالمائة من الأراضي الإسرائيليّة كبدل للخمسة بالمائة المستقطعة من الضفة الغربيّة والتي ستنضمّ إلى دولة إسرائيل.

          سيُحافظ على أمن إسرائيل القومي تحت أيّة اتفاقيّة سلام مع الفلسطينيين من خلال ستّة إجراءات أمنيّة وسياسيّة شاملة، وهي بايجاز على النحو التالي:

1)   الإبقاء على قوّة ردع يوثق بها تمنع أيّة مجموعة فلسطينيّة كانت أو دولة من دول المنطقة من تشكيل تهديد ٍ جادّ على إسرائيل.

2)   الإصرار على دولة فلسطينيّة منزوعة السّلاح باستثناء الإبقاء على قوات أمن ٍ داخليّة فلسطينيّة تتعاون بالكامل مع نظيراتها الإسرائيليّة.

3)   وضع قوّة حفظ سلام دوليّة قويّة على طول نهر الأردن تحت قيادة ٍ أمريكيّة وذلك لمنع تسلّل إرهابيين أو تهريب أسلحة.

4)   التوقيع على معاهدة أمن إقليميّة بين جميع دول المنطقة التي لها مصلحة حقيقيّة في حفظ السّلام مع إسرائيل.

5)   تشجيع التبادل الثقافي والتجاري والسياحة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني بصورة خاصّة وبين شعوب المنطقة والإسرائيليين بصورة عامّة وذلك لتعزيز علاقات الجوار بين شعوب المنطقة.

6)   وأخيرا ً، تغيير الروايات السياسيّة لكلّ طرف ٍ حول الطرف الآخر وذلك لتحرير عدد ٍ متزايد من الإسرائيليين والفلسطينيين من فكرة أنّ كلّ منهما يضمر الدّمار أو الطرد أو الهيمنة للطرف الآخر.

وبينما يستقرّ الوضع الأمني تدريجيّا ً ويقبل المتطرّفون على كلا الجانبين حقيقة التعايش السلمي التي لا مفرّ منها، تستطيع إسرائيل أخيرا ً أن تزيل جميع الحواجز والجدران الأمنيّة للسماح بحركة البضائع وتنقّل الناس بحريّة ودون إعاقة في كلا الإتجاهين عبر الحدود.

 

سيكون هناك تحت أية اتفاقيّة سلام بعض الإسرائيليين اللذين يرغبون في الإستمرار في العيش في ظلّ الدولة الفلسطينيّة وفلسطينيّون (عدا فلسطينيّو الداخل) يرغبون في الإستمرار في العيش في إسرائيل. هؤلاء الفلسطينيّون والإسرائيليّون الراغبين في العيش في دولة الطرف الآخر يُمنحون وضع المقيم الدائم الذي بإمكانه فقط التصويت في بلده الأصلي. هذا لن يحلّ فقط مشكلة بعض المستوطنين اللذين يختارون – بالإتفاق مع الفلسطينيين – البقاء في الضفّة الغربيّة تحت السلطة الفلسطينيّة، بل يحافظ أيضا ً على الهويّة الوطنيّة لكلا البلدين، إسرائيل كدولة يهوديّة وفلسطين للعرب الفلسطينيين.

على الإسرائيليين أن يثوروا الآن ليس فقط ضدّ الفجوة الإجتماعيّة – الإقتصاديّة العميقة بين الغني والفقير، بل أيضا ً ضد السياسات الميّتة للثنائي نتنياهو / ليبرمان تجاه الفلسطينيين والتي، في حالة عدم تغييرها، ستؤدي بإسرائيل إلى حافّة الكارثة الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة.

______________________________

 

  

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE