All Writings
أغسطس 19, 2024

مساهمة بايدن غير المقصودة في الرعب الذي يتكشف في غزة

سمح الرئيس بايدن بحسن نية من خلال التزامه الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل ليس فقط بإطالة أمد الحرب المروعة المأساوية في غزة وتشويه مكانة أمريكا الأخلاقية الدولية بشدة، بل من المحتمل أيضًا تفويت فرصة تاريخية للمساعدة في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

إنني أشارك وجهة النظر الشاملة للمسؤولين الحكوميين الأمريكيين الاثني عشر الذين استقالوا احتجاجًا على سياسة إدارة بايدن فيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحماس. لقد كتبوا في بيانهم المشتركالذي يحمل عنوان “الخدمة في المعارضة” أن “الغطاء الدبلوماسي الأمريكي والتدفق المستمر للأسلحة إلى إسرائيل قد ضمنا تواطؤنا الذي لا يمكن إنكاره في عمليات القتل والتجويع القسري للسكان الفلسطينيين المحاصرين في غزة. وهذا ليس فقط أمراً مستهجناً أخلاقياً وانتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي والقوانين الأمريكية، ولكنه أيضاً وضع هدفاً على ظهر أمريكا”.

لقد دعمت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وكذلك دعم إدارة بايدن لجهود الحرب الإسرائيلية والوقوف إلى جانب التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل من خلال تزويدها بكل المساعدات العسكرية اللازمة والغطاء السياسي. لقد ذكرت مرارًا وتكرارًا أن هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر 2023 والانتقام الإسرائيلي الذي لا مثيل له قد عززا وجهة نظري الخاصة، التي أتقاسمها مع كثيرين آخرين، بأنه لن يكون هناك حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر منذ 76 عامًا دون تحقيق حل الدولتين. وما زلت متمسكاً بموقف مفاده أنه سيكون من المستحيل العودة إلى الوضع الراهن الذي كان سائداً قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول حيث خُلق نموذج جديد قدم فرصة لا تضاهى لاستئناف مفاوضات السلام التي قد تؤدي إلى حل الدولتين.

أنا شخصياً كنت أؤيد شل حركة حماس عسكرياً. ومع ذلك فقد ذكرت مرارا وتكرارا أنه رغم أن إسرائيل قد تكون قادرة على سحق حماس عسكريا، فإنها لن تكون قادرة على تدميرها باعتبارها حركة سياسية تحمل إيديولوجية محددة تدعو إلى تدمير إسرائيل. إلا أنني لم أؤيد قط فكرة أن حماس سوف تكون في وضع يسمح لها بسحق إسرائيل لأسباب عديدة، بما في ذلك حقيقة مفادها أن قادة حماس يدركون جيداً أن إسرائيل قوة عسكرية هائلة لا يمكن إلغاء وجودها. لقد بيّنت الحرب أن تحدي حق إسرائيل في الوجود هو بمثابة الانتحار.

كان الرئيس بايدن أول زعيم عالمي يؤكد أنه، في ظل الظروف المتطورة الجديدة، فإن حل الدولتين هو شرط أساسي لإنهاء هذا الصراع المستشري. ومع استمرار الحرب وتزايد عدد القتلى والدمار في صفوف الفلسطينيين ورفض رئيس الوزراء نتنياهو بشكل قاطع مجرد ذكر أي حل على غرار دولة مستقلة، تم إسقاط فكرة حل الدولتين برمتها من معجم بايدن. لكن تدفق الأسلحة إلى إسرائيل كان يتزايد دون أي شروط مسبقة.

علاوة على ذلك، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعوان إلى وقف إطلاق النار، بينما كان الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية تتضاءل و نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين يستمر بلا هوادة. وفي الوقت نفسه، فإن القصف الإسرائيلي المتواصل والذي لا يرحم باستخدام القنابل الأمريكية الصنع والتي كانت تقتل الآلاف في المناطق المكتظة بالسكان، جعل الولايات المتحدة متواطئة في المذبحة المروعة. حتى الآن قُتل أكثر من 37 ألف فلسطيني وأصبح أكثر من نصف قطاع غزة في حالة دمار.

لقد ذكرت ما سبق لأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي يمكنها ممارسة النفوذ اللازم للتغلب على مقاومة نتنياهو لما يلي: أ) صياغة استراتيجية خروج من غزة، و ب) الموافقة على بدء عملية تفاوضية من شأنها أن تتوج بإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وبصرف النظر عن تعقيد هذا الصراع والمدة التي قد يستغرقها ذلك، فلا يوجد حل آخر قابل للتطبيق، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تكتفي بالإدلاء بتصريحات حول الحاجة إلى مثل هذه النتيجة، بل يتعين عليها أن تعمل على تحقيقها.

هذا هو عام الانتخابات، وقد شكلت حرب غزة عبئاً هائلاً على بايدن بسبب الوضع المتضارب الذي يجد نفسه فيه. فمن ناحية، يشعر بأنه مضطر لتقديم المساعدة لإسرائيل ليس فقط بسبب التزام الولايات المتحدة طويل الأمد، ولكن أيضًا لأنه كان مؤيدًا قويًا لإسرائيل طوال حياته السياسية. ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من ميله إلى إبطاء إمدادات الأسلحة من خلال وقف تسليم 2000 قنبلة تسببت في أضرار لا حصر لها، وخاصة في المناطق الحضرية، فإن الجمهوريين يتهمونه بالمخاطرة بأمن إسرائيل في مثل هذه الساعة المصيرية.

لقد حان الوقت لكي يتصرف بايدن بشكل أكثر حسماً للمساعدة في إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس من خلال اتخاذ أربعة إجراءات حاسمة:

الإمدادات المشروطة من الأسلحة
على الرغم مما سبق ذكره، يجب على بايدن الآن أن يربط أي إمدادات إضافية من الأسلحة الأمريكية لإسرائيل باستراتيجية خروج تتفق عليها إسرائيل والولايات المتحدة. لا شك أن نتنياهو سيقاوم، خوفاً من انهيار حكومته التي يهدد فيها وزيران مسيانيّان، بن غفير وسموتريتش، بتركها ما لم تتم هزيمة حماس بشكل كامل. ومع ذلك، إذا فشل نتنياهو في الموافقة على أي خطة من هذا القبيل، فيتعين على بايدن أن يوضح تماما عندما يجتمع مع نتنياهو في 24 يوليو/تموز أنه لن يتمكن بعد الآن من الاعتماد على الدعم العسكري والسياسي غير المشروط من الولايات المتحدة.

وقف إطلاق النار
قدم بايدن بالفعل خطة شاملة يمكن أن تؤدي إلى وقف فوري للأعمال العدائية تتضمن وقفًا أوليًا لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع وإطلاق سراح الرهائن في المرحلة الأولى. ولابد من السماح للمساعدات الإنسانية بالتدفق إلى غزة لتجنب المزيد من المجاعة، وفي الوقت نفسه السماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم. وستتضمن المرحلة الثانية مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم. وهنا، حيث أشار بايدن إلى أنه ستكون هناك تفاصيل يجب تسويتها، ذكرت في الماضي أن المفاوضات في المرحلة الثانية يجب، على الأقل، أن تتناول المعايير العامة لحل دائم يتضمن معالجة الأسباب الجذرية للصراع، معالجاً قضايا مثل حصار غزة والتوسع الاستيطانيوعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية الأوسع.

إعادة إعمار غزة
وحتى قبل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، يتعين على الولايات المتحدة أن تجمع عشرة مليارات دولار بالتعاون مع بعض الدول الأوروبية والعربية للبدء في إعادة إعمار غزة. والشروط الأساسية هنا هي أن تتصالح حماس والسلطة الفلسطينية مع بعضهما البعض وأن يلتزم الطرفان بالتوصل إلى حل سلمي لصراعهما مع إسرائيل. ويجب أن تتم إدارة عملية توفير وتسليم الإمدادات الأساسية من قبل الأونروا حيث أن لديها خبرة واسعة في هذا المجال، شريطة أن يتم الإشراف عليها من قبل أطراف يمكن أن تثق بها إسرائيل، مثل الولايات المتحدة وربما بعض الدول الأوروبية. ومن شأن ذلك أن يساعد في تخفيف الأزمة الإنسانية وبناء الثقة بين الطرفين.

الوساطة والمفاوضات
ينبغي لإدارة بايدن أن تواصل العمل مع الشركاء الإقليميين، وخاصة مصر وقطر وتركيا، لتسهيل الحوار بين إسرائيل وحماس. ليس باستطاعة هذه الأطراف أن تهدف فقط إلى ضمان التزام حماس باتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التفاوض عليها، وهو أمر بالغ الأهمية، بل يمكنها أيضاً أن تشجع حماس على التصالح مع وجود إسرائيل. وفي هذا الصدد، تستطيع هذه الدول أيضاً أن تعمل، جنباً إلى جنب مع الجهود الجديدة التي تبذلها الصين للتوسط بين السلطة الفلسطينية وحماس،على المصالحة بين الفصيلين. وسيكون هذا أمرًا أساسيًا لتشكيل حكومة فلسطينية منتخبة حديثًا تكون مسؤولة عن كل من غزة والضفة الغربية وتعترف بالدولة الإسرائيلية، وهو ما يتماشى مع موقف السلطة الفلسطينية منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993.

ما ورد أعلاه يمثل الإجراءات الأربعة البالغة الأهمية التي يجب على بايدن اتباعها، ولكن ليس مع استبعاد الخطوات الحيوية الأخرى. وفي الواقع، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لزيادة تعبئة المجتمع الدولي لدعم هذا الإطار العام. ومن الملحّ إشراك الحلفاء في الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية التي يمكن أن تلعب دورا محوريا في إغراء كل من إسرائيل من خلال تطبيع العلاقات معها والحكومة الفلسطينية المنتخبة حديثا من خلال تمويل مشاريع أساسية في الضفة الغربية وغزة. ومن شأن هذه الجهود أن تخلق جبهة موحدة تشجع إسرائيل والفلسطينيين على الالتزام بالمصالحة والسلام.

ونظراً لموقف الولايات المتحدة ونفوذها غير المسبوقين، فإن بايدن لا يزال لديه فرصة فريدة لتغيير ديناميكية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني واستخدام مأساة حرب غزة لتعزيز السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. كان دعمه المطلق لإسرائيل حتى الآن سبباً في إثارة تساؤلات جدية حول الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة في حين تعمل عن غير قصد على إطالة أمد الحرب في غزة بكل ما يترتب على ذلك من عواقب مروعة.

لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار؛ وحتى لو فشل بايدن، فيمكنه أن يدعي بشكل مبرّر أنه حاول ذلك حقا.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE