All Writings
أكتوبر 2, 2017

زوال الديمقراطية التركية: رسالة مفتوحة للرئيس أردوغان

عزيزي  السيد الرئيس،

لقد كنت في بلدك عشرات المرات وأقمت علاقات وثيقة وودية مع العديد من الأتراك من جميع نواحي الحياة الذين فخروا جميعا بالتقدم الهائل الذي أحرزته تركيا تحت قيادتك. فخلال السنوات العشر الأولى كرئيساً للوزراء، قمت بتحويل تركيا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ووضعت البلاد على طريق العظمة كقوة إقليمية وعالمية ناشئة. وهذا هو السبب، سيد أردوغان، الذي يؤلمني أن أشهد مُصلحا ً عظيما يدمر إنجازاته الرائعة التي كان سيحافظ عليها أي زعيم بكل ما لديه من إمكانات. لقد اخترت هذا المسار المدمر في قمة حياتك المهنية عندما كان بإمكانك ترك علامة تاريخية على مستقبل تركيا التي قد تنافس حتى مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك.

إن قائمة تجاوزاتك مؤلمة ولكن من الضروري تعدادها لأن حجمها له آثار وتداعيات بعيدة المدى على تركيا ولربما يحرمها من فرصة حصولها على مكانها الصحيح على المسرح العالمي. ويحدوني الأمل في أنه لا يزال من الممكن إنقاذ تركيا من حكمك الإستبدادي الذي حول تركيا إلى دولة بوليسيّة وقسّم مواطنيها وحطم ما تبقى من ديمقراطيتها.

لقد أتيحت لك فرصة تاريخية لعرض نموذج للديمقراطية الإسلامية للعالم العربي في أعقاب الربيع العربي. ولكن بدلا من ذلك قمت بتجميد جميع الإصلاحات السياسية ودفعت الإسلام أعمق في التعليم العلماني في البلاد من خلال توسيع التعليم الديني في المؤسسات التعليمية لتنشئة جيل إسلامي جديد ملتزم. وهذا ليس ما يطمح إليه الشعب التركي؛ إنهم يريدون ديمقراطية حقيقية على النمط الغربي مع القيم الإسلامية كما كان يتصوّرها أتاتورك.

لقد اقتربت من تحقيق حلم شعبك عندما تبنيت نهج شراكة الإنضمام للاتحاد الأوروبي الذي زوّد أنقرة بخارطة طريق لجعل تركيا عضوا نشطا في المجتمع الأوروبي، وذلك باستخدام مواردها البشرية والطبيعية الشاسعة لجعلها قوة بناءة على الصعيد العالمي. ولكن بعد ذلك تخليت عن المثل الإجتماعية والسياسية الأوروبية، الأمر الذي دمر عضوية تركيا المرتقبة في الإتحاد الأوروبي، هذا في حين تغازل روسيا بصورة تثير الفزع التام للشعب التركي والحلفاء الغربيين.

كم هي فكرة نبيلة أن تسعى وراء سياسة خارجية سليمة تعتمد على مبدأ “صفر مشاكل مع الجيران”، وهو ما ناديت به بفخر. ولكن بعد ذلك نفرت من أصدقاء تركيا التقليديين والجدد على حدّ سواء وابتعدت عنهم. وللأسف لدى تركيا في الوقت الحاضر مشاكل مع كل واحد تقريبا من جيرانها، فقبرص واليونان والعراق وإيران وسوريا وأرمينيا والقوقاز كلها على خلاف ٍ مع تركيا، ناهيك عن توتر علاقاتك مع الإتحاد الأوربى والولايات المتحدة.

وكيف يمكن أن تعكس نهجك مع جاليتك الكردية ؟ هم مواطنون أتراك، فلماذا تنكر عليهم حقهم الأصيل في العيش وفقا لتراثهم الثقافي؟ لقد شرعت بالتمييز ضدهم بلا هوادة كما لو كانوا أعداءك اللدودين. لا، سيد أردوغان. فعندما تقمع حزب السلام والديموقراطية المؤيد للأكراد وتعتقل الوجهاء والمفكرين الأكراد لعلاقات أو صلات مزعومة بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، فلا تتوقع منهم الولاء ! أنت بذلك تدعو إلى زيادة العنف. إنك تهدد علنا الأكراد العراقيين بالإنتقام لأنهم يسعون إلى الإستقلال، هذا لأنك تخشى أن يحذو أكراد تركيا حذوهم. إنك عاجز عن إدراك أنّ سياساتك الناطقة بالتهديد والوعيد لا تفاقم سوى الإنفصالية التي تخشاها.

أنت تدعو بشكل مثير للسخرية بأن تركيا ديمقراطية، ولكنك تقيد المظاهرات العامة السلمية التي هي السمة المميزة للديمقراطية. إن ثورة “ميدان تقسيم” ومعاملتك القاسية تجاه المتظاهرين تؤكد فقط أن تركيا تحت حكمك أصبحت حكم رجل واحد. فبعد المظاهرة مباشرة ً بدأت حملة وحشية ضد أولئك الذين شاركوا في المظاهرة لنشر الخوف وقمع صوت الشعب.

أنا أعلم أنك فخور – ولسبب وجيه – في نمو الإقتصاد حيث زاد الناتج القومي الإجمالي ثلاثة أضعاف تقريبا ً خلال السنوات الأولى من حكمك كرئيس وزراء. ولكن بعد ذلك أصبح معدل الفقر بين السكان في تركيا 22.4 في المائة، وهو ربع مذهل (أي ما يعادل20 مليون نسمة) من السكان الأتراك. هذه حقيقة أنت غيرمهتم بإدراك أبعادها. إنك تنكرها لتتناسب مع أنانيتك المفرطة حول المعجزة الاقتصادية في تركيا.

لقد ألغيت بشكل صارخ محاكم أمن الدولة، وانتهكت حقوق المدافعين والمحتجزين، وأرجعت وحشية الشرطة، ووضعت الحقوق المدنية والسياسية ليُعبث بها كما يشاء. هل اطلعت على التقرير الدولي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” (متابعة حقوق الإنسان) الذي وثّق أنه تحت سمعك وبصرك قامت الحكومة – على نحو غير مبرّر – بملاحقة “جرائم الخطابات” المزعومة واستخدمت قوانين الإرهاب التعسفية ؟ أصبح الأتراك العاديون يرتعبون بأن شخصا ما يستمع إلى محادثاتهم ولا يمكنهم حتى أن “يغرّدوا” دون خوف من التحقيق معهم لمعرفة أفكارهم.

لقد أضعفت الجيش الذي كان بمثابة الوصي على بلد علماني وديمقراطي مستغلاً مطالبة الناتو بإخضاع الجيش للسلطة المدنية كذريعة. لقد سرّحت، دون ندم ٍ أو وخز ٍ للضمير، ما يقرب من 3000 ضابط، هذا في حين توليت صلاحية إصدار أوامر مباشرة إلى رؤساء جميع الفروع العسكرية لمنع الجيش من الإطاحة بك من السلطة وملاحقتك على اتباع أجندة إسلامية بالطريقة التي لاحقت بها ثلاثة من أسلافك.

أنت تستعرض غطرسة جامحة تجاه الغرب، متهماً ألمانيا باستخدام “إجراءات نازية” لرفضها السماح لمؤيديك بعقد مسيرات في ألمانيا لإظهار نفوذك وتواصلك حتى تتمكن من تغذية أنانيتك المتضخمة. لقد أظهرت رضا ً وارتياحا ً مكشوفين عندما كنت تشاهد حراسك الشخصيين ينهالون ضرباً بلا خجل على متظاهرين سلميين في واشنطن ونيويورك، لأن مفهوم المعارضة والاحتجاج هو غريب تماما بالنسبة لك، حتى في البلدان الأجنبية.

ركّزت، تحت غطاء مكافحة داعش، على مدى السنوات الثلاث الماضية على محاربة الأكراد السوريين. وتشير العديد من التقارير الموثوقة إلى أنك قد اشتريت النفط من داعش، مما ساعدهم ماليا وكذلك في جهودهم للتجنيد من خلال السماح لآلاف المتطوعين بعبور الحدود التركية إلى سوريا للإنضمام إلى صفوفهم. لقد قمت بغضّ النظر عن الجرائم الشنيعة التي إرتكبها داعش لأن مصداقيتهم الإسلامية كانت أكثر أهمية لك  من حياة الآلاف من الأبرياء.

وعن الفساد حدّث بلا حرج !  إنه متفش تحت سمعك وبصرك. لقد ورّطت تهم الرشوة موظفي بلديات ورجال أعمال وأبناء ثلاثة من وزرائك وابنك أيضا ً. وبدلا من أخذ هذه التهم على محمل الجد، قمت بطرد مسؤولين رفيعي المستوى يتابعون التحقيق. كانت عرقلة سير العدالة من طرفك مزعجة جدا بحيث أثارت انتقادات حتى من أعضاء حزب العدالة والتنمية.

وبتعطش لا يشبع للسلطة إندفعت لتعديل الدستور للحصول على السلطة المطلقة للرئيس في حين قضيت على منصب رئيس الوزراء. لقد جعلت من البرلمان مجرد ختم مطاطي لتمرير أي قوانين ترغبها لتعزيز جدول أعمالك الشخصية. لقد خنت الشعب التركي الذي كان يثق بك عندما كنت تجمع سلطات غير مسبوقة وفي نفس الوقت تخضع مواطنيك للاستبداد واليأس.

حدثت عشرات المخالفات خلال الإستفتاء الذي أجري في ظل حالة الطوارئ المعمول بها منذ انقلاب تموز / يوليه 2016. لقد استغلت من طرفك ببراعة – واصفاً إياها بأنها “هدية من الله” – من أجل تخليص نفسك من خصومك، حيث قمت بشن عملية تطهير ونشر الخوف والقلق في جميع أنحاء البلاد. تم تخويف أعضاء المعارضة أو سجنهم أو إطلاق النار عليهم أو ضربهم. وكان الغشّ والإحتيال على الناخبين منتشرا وتم رصده على الكاميرات.

أنت تنمو بقوّة و”تزدهر” على نظريات التآمر”. يتهم العديد من المسؤولين الحكوميين المقربين منك والصحف الحكومية فتح الله غولن، وهذا رجل دين مسلم قوي، وأتباعه بالتآمر لإسقاط حكومتك دون أية أدلة. لقد قمت بقسوة بتطهير عشرات الآلاف من الرجال والنساء الأبرياء بدعوى دعمهم لحركة غولن وحرمانهم من فرص العمل وترك أسرهم لليأس من الناحية الإقتصادية.

وكم مريح بالنسبة لك أن تخضع القضاء بشكل ٍ منهجي لنزواتك الخاصة. لقد أصدرت مراسيم تطلب من المدعين العامين الحصول على إذن للتحقيق مع الوزراء الذين ينتهكون الدستور الجديد، مما يساعدك على إخضاع القوانين لتعزيز سلطاتك الإستبدادية. يا له من وضع ٍ كئيب عندما يكون المحامون والمدافعون مرتعبين  من الدفاع عن أي شخص متهم بأنه يدعم غولن أو الأكراد خوفا من الإنتقام من جهاز مخابراتك.

لقد جعلت الصحفيين أحد أهدافك الرئيسية وأخذت تعتقلهم  وتسجنهم بناء على اتهامات ملفقة؛ أكثر من مائة منهم يقبعون في السجون. وتحتل منظمة مراسلون بلا حدود المرتبة 154 من بين 179 دولة من حيث حرية الصحافة. وأغلقت أبواب عشرات من وسائل الإعلام، بما في ذلك الصحف ومحطات التلفاز، أو تمّ الإستيلاء عليها لتعزيز روايتك المنحرفة، هذا في حين تتجاهل الأخلاق الصحفية الأساسية.

لقد عبرت عن ورعك الكاذب من خلال الحد من الحريات الاجتماعية ومنع بيع الكحول بين الساعة العاشرة مساء و السادسة صباحا، ودفعت إلى حظر إقامة صالات نوم مشتركة في الجامعات الحكومية. تعتقد أن لديك الحق في فرض قانونك الأخلاقي على كل بيت والسيطرة على الحرية الشخصية الخاصّة بكل مواطن تركي كما لو جاء كل أمر من قبل سلطة أعلى وأنت بكلّ بساطة الرسول المتواضع.

وقد خلق تطرفك أيضا انشقاقاً في حزبك بين أولئك الذين يدعمونك بشكل ٍ أعمى وأولئك المعتدلين الذين يشعرون بالقلق حقا حول الطريقة التي تقود بها البلاد. أنت تبقي على قشرة من الديمقراطية، ولكنك في الواقع تخنق الأحزاب السياسية المعارضة، مما يجعل من الصعب للغاية عليهم تحديك. في مايو / أيار 2016 قمت بالضغط على البرلمان التركي للموافقة على مشروع قانون يجرد النواب من الحصانة من الملاحقة القضائية في محاولة سافرة لتهميش النواب الأكراد.

إنك تغرس بمثابرة وعناد الصور العثمانية في الوعي العام، بما في ذلك بناء “القصر الأبيض” الفخم البالغة مساحته 1100 غرفة كمسكنك العثماني. وكان آخر مشروع لك هو بناء مسجد جامليكا، وهو الآن أكبر مسجد في اسطنبول. وقد تم بناء مسجد آخر في ساحة تقسيم مع جميع زركشة العصر العثماني الذي تحاول إحياءه من جديد، في حين أنه في الواقع رُفض وهُزم قبل قرن.

أنت تدّعي بأنك رجل إيمان ومصلح يضع بلاده في المقام الأول، ولكن تعطشك للسلطة قد أعماك وأخذت حتّى تخون مواطنيك. إن آمالهم خلال مسيرة تركيا الأولى إلى العظمة تحت قيادتك قد تلاشت، تاركة في أعقابها الكرب والغضب.

أنا أعلم بأنك تريد أن ترأس الذكرى المئوية لجمهورية تركيا الجديدة في عام 2023. ولكن كيف تريد أن يتذكرك الناس ؟ كالرجل الذي كان لديه كل القوة لجعل تركيا نجمة ساطعة وأمة فخورة، أو السلطان القاسي الذي بدّد إمكانات تركيا لتصبح نموذجا للديمقراطية الإسلامية مع مستقبل باهر أمامها ؟

لقد أحبطت شعبك. وعليهم الآن أن ينتظروا رحيلك عن الحياة العامة لكي يتنفسوا مرة أخرى، وأن يفكروا مرة أخرى، وأجل، لكي يحلموا ثانية.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE