All Writings
فبراير 15, 2011

الثورة المصريّة، هل تأخذ إسرائيل عبرةً منها؟

بينما لا زال الكثير مجهولاً عن النتائج النهائية للثورة المصرية بالنسبة لإسرائيل، غير أنّه يمكن الآن أخذ درسٍ منها وهو: قد يكون للفرص التي ضاعت للتوصل لسلامٍ مع الدول العربية تأثيرات مشئومة. ويرى العديد من الإسرائيليين بالطبع انحلال الحكومة المصرية التي كانت يوماً ما تتبجّح بكيانها على أنّه جزء من طبيعة الأنظمة العربية الغير مستقرة والتي تعني بأنّ أية اتفاقية سلام معها ستكون أيضاً غير مستقرة ومحفوفة بالمثل بالمخاطر. ولكن بدلاً من أن يكون هذا الوضع مبرراً لعدم صنع سلام، يجب أن تعني أحداث مصر والغموض الذي تشكله بالنسبة لإسرائيل تحذيراً بأن تضييع الفرص لإقامة وضعٍ يمنح إسرائيل السلام والأمن سيؤدي بدلاً من ذلك لوضع راهن يهيمن عليه عدم الاستقرار والتهديدات والصراع.

وبالفعل، فلو قبلت إسرائيل مبادرة السلام العربية وأقامت علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية الإثنتي والعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية قد يكون القلق المتحكم بإسرائيل الآن بالنسبة للوضع الحرج لاتفاقية السلام الإسرائيلية- المصرية متلاشياً إلى حدّ بعيد. بدلاً من ذلك تواجه إسرائيل الآن ثلاثة سيناريوهات محتملة ويجب عليها تحضير نفسها لها: 1) أن تتأثّر الحكومة المصرية القادمة بدرجة كبيرة بحركة الإخوان المسلمين التي ترفض إسرائيل من حيث المبدأ و2) إقامة حكومة علمانية إلى حدّ بعيد ولو أنها قد لا تكون صديقة لإسرائيل كحكومة الرئيس حسني مبارك و 3) بما أنّ الجيش المصري كان منذ الأساس خلف معاهدة السلام الإسرائيلية – المصرية، لا يُستبعد استمرار العلاقات الثنائية بشكلٍ مشابه للقائمة حالياً. ونظراً للأحداث التي ما زالت تتقلّب وتتصاعد باستمرار، يمكن أي من هذه السيناريوهات الثلاثة أن يحدث. ولذا على إسرائيل إعادة معايرة وتقويم سياساتها تجاه الدول العربية لأنّ ما حدث في تونس، وبالأخص في مصر، سيؤثّر على بقية الدول العربية بطريقةٍ أو بأخرى ولن يعود الشرق الأوسط إلى ما كان عليه.

تبقى حركة الإخوان المسلمين المجموعة الوحيدة المنظمة بصورة عالية ضمن أحزاب ومجموعات المعارضة في مصر والتي تدعم قوّتها شبكة الخدمات الاجتماعية التي توفرها الحركة في جميع أرجاء الدولة. وفي حين يٌنظر لحركة الإخوان المسلمين على أنّها حركة سياسيّة، فقد خدمت لتؤثر وتضع أساساً مشتركاً للعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة، بما في ذلك بنت عمها وإحدى فروعها، حركة حماس. إسرائيل بحق قلقة جداً من أن تقوم حركة الإخوان المسلمين – متقدّمة على مجموعات أخرى في التنظيم السياسي – بالتأثير بشكلٍ خطير على السياسة في مصر الديمقراطية، أو حتى قيادتها. فإذا أصبح للإخوان المسلمين مثل هذا الدور البارز في أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيراً، سيكون هناك مخاوف من حصول الإسلاميين على مكتسبات كبيرة في دول أخرى، بما فيها الأردن. وقد تشمل هذه المخاوف إمكانية التحام المجموعات الإسلامية السنيّة والشيعيّة مع بعضها البعض ضد عدوّ مشترك، وهو إسرائيل، مكتسبين بذلك دعماً قوياً من إيران وعاملين على تفكيك الدّعم الأولي الذي تمتّعت به إسرائيل من بعض الدول العربية في مساعيها لإيقاف طموحات إيران النووية. أضف إلى ذلك، فإن احتمال إجراء مراجعة جذرية للسياسة المصرية تجاه قطاع غزة قد يجبر إسرائيل على تحويل موارد عسكرية ضخمة للحدود مع مصر التي كانت حتى هذا اليوم هادئة نسبياً منذ أكثر من ثلاثين عاماً. علاوة ً على ذلك، فإن نهاية تعاون استخباراتي على مستوى رفيع مع مصر سيجبر إسرائيل الآن على استثمار ٍ ضخم للقيام بمراقبةٍ شديدة لبلدٍ كان يوماً ما معادياً للحركات الإسلامية الفعّالة في المنطقة ولكن أصبح الآن مفتوحاً لها. وأخيراً، فإنّ تحوّل مصر إلى بلد ٍ عدوّ ٍ لإسرائيل قد يوقف عن هذه الأخيرة إمدادات الطاقة التي أصبحت تعتمد إسرائيل عليها بصورة متزايدة لتغطية احتياجاتها. لقد بدأت هذه المخاوف تظهر حتى من خلال تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أشار في مؤتمره الصحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى قلقه من احتمال أن تأخذ الثورة المصرية شكل الثورة الإيرانية عند انطلاقها في عام 1979. قال نتنياهو للصحفيين: “إنّ خوفنا الحقيقي هو من وضع قد يتطوّر …. وقد تطوّر بالفعل في العديد من الدول، بما في ذلك إيران نفسها، التي تعتبر أنظمة قمعية لإسلامٍ متطرّف”. ويشير أثناء ذلك العديد من المراقبين السياسيين بأن الغموض الذي يسود الآن مصير العالم العربي يجعل على ما يبدو الحفاظ على اتفاقيات السلام أمراً مستحيلاً، حتى مع أنظمة ديكتاتورية قمعية. وقد يفاقم زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في مصر من هذا القلق، تاركاً إسرائيل مشلولة في الوقت الذي ينهار من حولها الوضع الراهن في المنطقة.

أمّا السيناريو الثاني المأمول أكثر من وجهة النظر الإسرائيلية فهو قيام دولة مصرية علمانية وديمقراطية تبقي على معاهدة السلام مع إسرائيل وعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. أمل حدوث هذا السيناريو مرهون بالجيش المصري ورغبته في الحفاظ على شكلٍ من الاستقرار في المرحلة الانتقالية من نظام مبارك إلى دولة ديمقراطية خالية من نفوذٍ كبير للإسلاميين. ستشعر أية حكومة جديدة التأثير السلبي لانقطاع المليار ونصف المليار دولار أمريكي المقدّمة كمساعدة من الولايات المتحدة لمصر كلّ عام، وبشكل أساسي كنتيجة للحفاظ على معاهدة السلام الإسرائيلية – المصرية. لقد حافظ الجيش المصري منذ أمد طويل على التعاون مع إسرائيل بالتزامه بإخلاء شبه جزيرة سيناء من أية قوات عسكرية وعدم إخلاله أبداً بمعاهدة السلام حتى قيام إسرائيل بمنح الإذن للقوات المصرية بالدخول إلى سيناء أثناء احتجاجات الأسبوع الماضي. وتوقّع أن يقوم الجيش المصري بذل جهده للحفاظ على المساعدة التي يتلقاها من الولايات المتحدة بينما يستمر أيضاً بتعاونه التام مع البنتاغون والتعاون الاستخباراتي مع إسرائيل يعطي الأمل المرجوّ بأن مصر الديمقراطية ستبدو في نهاية المطاف كتركيا وليس كإيران.

بعد أن تهدأ الأوضاع وتستقر الأمور في مصر وبصرف النظر عن الحزب السياسي أو إئتلاف الأحزاب السياسية الذي سيمسك بزمام الحكم في مصر، على إسرائيل أن تبيّن بوضوح تام بأنها تنوي على التقيد باتفاقية السلام الثنائية مع مصر واحترامها، وعلى إسرائيل أن تدعو الحكومة المصرية الجديدة إلى لعب دور مهم كما فعلت إسرائيل في ظلّ حكوماتها السابقة للتوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. والجدير بالذكر والاهتمام بأنّ إسرائيل لم تُلام أبداً خلال فترة الانتفاضة بأكملها عن تقصيرات الحكومة المصرية السابقة، الأمر الذي يبشر خيراً بمستقبل العلاقات ما بين البلدين.

في حالة الحفاظ بشكلٍ عام على العلاقات الإسرائيلية – المصرية والأمريكية – المصرية، يجب على إسرائيل أن تبقى مهتمة أيضاً، لا بل قلقة، حول ما تحدثه الاحتجاجات من صدىً. فمن المحتمل أن يسبب دور مصر كمركز الحضارة والثقافة العربية موجة من الإصلاحات في جميع أرجاء المنطقة. ويعمل زعماء عرب آخرون الآن على ركوب موجات الإحتجاج، فقد قام ملك الأردن عبدالله الثاني بحلّ مجلس وزرائه، بما في ذلك إعفاء رئيس الوزراء سمير الرفاعي من مهامه وأعلن رئيس اليمن، علي عبدالله صالح، أنّه لن يرشّح نفسه مرّة أخرى ولن يسلّم السلطة لابنه عند انتهاء ولايته الرئاسية في عام 2013. فلأيّ مدى سترضي هذه التغييرات الجماهير العربية وعمّا إذا كانت حكومات غير عربية أخرى ستسقط أم لا، هذا ما زال في علم الغيب. ومهما كان السيناريو، على إسرائيل أن تكون مستعدة لمواجهة منطقة في مخاض التغييرات. لن تستطيع إسرائيل وضع سياساتها على أساس أحداث تجري في بلد واحد في وقت معيّن. فعلاوةً على سعيها للحفاظ على السلام مع مصر بشكلها الجديد، على إسرائيل أيضاً أن تسعى وراء مسارات ثنائية أخرى مع سوريا والفلسطينيين واللبنانيين. لا توجد فعلا ً لحظة مثالية حقيقية لصنع السلام، بل سيكون هناك دائماً إلى حدٍ بعيد مجال للريبة والشّك ودرجة من المخاطرة. غير أن مجازفة عدم التوصل لسلام أو التوصل لاتفاقيات سلام ثنائية تترك صراعات أخرى غير محلولة هو أمر غير مقبول ببساطة في وقت تواجه فيه إسرائيل التهديد المتنامي من طرف عناصر راديكالية إسلامية،أكانت بشكل إيران في الشرق أم حماس في الجنوب أم حزب الله في الشمال.

تقدم مبادرة السلام العربية طريقة لتخفيف الخطرواستلام الجائزة الكبرى مقابلها وهي: علاقات طبيعية مع 22 دولة عربية. وبالفعل فكلّما زاد عدد الدول العربية التي تتوصّل إلى اتفاقية سلام معها، تقلّص التهديد الذي تواجهه. فإذا قامت دولة عربية واحدة بانتهاك بنود هذه الاتفاقية، سيكون ذلك بمثابة انتهاكاً للسلام الذي تمّ تحقيقه مع جميع الدول العربية الأخرى، وليس إسرائيل فقط. سيرتفع سقف المخاطر إذن لجميع الموقعين على الاتفاقية.

السؤال المطروح الآن بالطبع هو هل ستبقى مبادرة السلام العربية حيّة بعد هذه الفترة من التحوّل أم لا، فالإجابة عليه مرهونة بتطور الأحداث مستقبلاً، ولكن على إسرائيل أن تضمن بأنّها لن تفوّت الفرصة للاستفادة من هذه المبادرة على نحوٍ حاسم وبشكل نهائي. تستطيع أن تفعل ذلك باحتضان المبادرة ومعربة عن نيتها بإشراك مصر والأردن بصفتهما الدولتان المشاركتان في رئاسة لجنة الجامعة العربية لمتابعة مبادرة السلام العربية وإظهار رغبتها لقبول أسس المبادرة كأساس للمفاوضات مع الفلسطينيين والعالم العربي بشكل عام. هذا ويجب أن تبيّن إسرائيل بأنها مستعدة لدعم الديمقراطية المصرية والعمل مع الحكومة المصرية المشكّلة بصورة نهائية للحفاظ على العلاقات الإسرائيلية – المصرية، لا بل تطويرها، والأهم من ذلك كلّه معالجة القضية الفلسطينية بشكل إيجابي. لقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قريبين جداً في الفترة ما بين 2008 و 2009 من التوقيع على اتفاقية سلام فلسطينية – إسرائيلية، وليس هناك سبباً يدعو إسرائيل – حتّى بدعمٍ من إدارة أوباما – لعدم الإستمرار في المفاوضات من النقطة التي انقطعت عندها.

للثورة المصرية القدرة على القيام بتطورات عديدة، إيجابية وعظيمة، هذا بالرّغم من أنّ هناك دائماً احتمال بأن تنزلق الثورة في فترة مطوّلة من عدم الاستقرار، ولكن يجب على إسرائيل تحت أي ظرفٍ كان أن تبقى مركّزة على صنع السلام وأن تدعو المصريين ليكونوا جزء لا يتجزأ من عملية صنع هذا السلام. سيرسل هذا الأمر أيضاً رسالة قوية جداً مفادها أن إسرائيل مستعدّة لإرساء وضعٍ ثابت وجديد في الشرق الأوسط يعتمد على أساس علاقات سلامٍ وأمنٍ متبادلة مع جميع جيرانها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE