All Writings
يونيو 17, 2014

إسرائيل: الخطر يكمن في الداخل

يستمر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي ناهز عقده السابع في إلقاء ظلاله على الصراع المتنامي ما بين الأغلبية اليهودية والأقليَة العربية في إسرائيل. وهناك أدلة دامغة على فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوفيق ما بين الحفاظ على الهوية الوطنية اليهودية للدولة وديمقراطية تتضمن أيضاً المساواة، وهما المبدءان اللذان أُسّست عليهما دولة إسرائيل.

تستطيع الحكومات الإسرائيلية بدعمٍ من القطاع الخاصّ أن تقوم بدمجٍ كامل للمواطنين العرب في التيارات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية للبلد، لا بل يجب عليها القيام بذلك. وفشل إسرائيل في القيام بذلك سيقربها بشكلٍ لا مفرّ منه من أن تصبح دولة تمييز عنصري “أبارتهايد” (مهما كان هذا الإستطلاح بغيضاً ومثيراً للإشمئزاز) ويحوّل العرب الإسرائيليين إلى أعداء ألداء بدلاً من جعلهم مواطنين مخلصين ومعطائين. لقد عمّقت الممارسات التمييزية المستمرة إحساس الإغتراب لدى العرب الإسرائيليين وهذه تواصل أيضاً تعزيز شعور الإستياء الجماعي ضد النظام القائم وضد شريحة واسعة من اليهود الإسرائيليين لقبولهم هذه الممارسات، إن لم يكن مشاركتهم الفعلية فيها.

لم تسفر التعهًدات المتكررة من طرف الحكومة لتحسين حياة العرب الإسرائيليين إلى شيء يذكر أكثر من كونها أداة دعائية لخلق مفهوم بأن الحكومة تتخذ إجراءات لتخفيف المشكلة فيما العكس في الواقع هو الصحيح.

وللتأكيد، تنظر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والعديد من الإسرائيليين للعرب الأصليين على أنهم تهديد أمني. وقد قدّمت الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو مجموعة كبيرة من القوانين التمييزية والعنصرية للبرلمان (الكنيست)، وهذه القوانين مصمّمة على فصل العرب الإسرائيليين عن نظرائهم اليهود. وتتضمن هذه القوانين: قانون النكبة الذي يمنع العرب الإسرائيليين من إحياء ذكرى نكبة عام 1948، ثم قسم الولاء والقانون الأساسي الذي ينصّ على أن “إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي”، وهو بهذا التعريف يصنّف العرب الإسرائيليين على أنهم ليسوا جزءاً من الدولة.

وقانون آخر يستحق التوبيخ والشجب هو قانون “الجنسية والدخول لإسرائيل” الذي يحدّ من الهجرة لإسرائيل بموجب لمّ شمل العائلة وقد تمّ تمديد نطاق صلاحيته حديثاً وأخذ طابع الأمر المؤقت. وعلاوةً على ذلك، تستمر الحكومة في ممارسة التمييز الوظيفي بمنع التعيينات للوظائف الحكومية وعدم المساواة في تمويل مشاريع عامة ما بين المناطق اليهودية والعربية.

ولمنع العرب من أن “يصبحوا أغلبية” وللحفاظ على الهوية الوطنية اليهودية للدولة، فقد اقترح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في عام 2004 خطة صفيقة تدعو إسرائيل للإحتفاظ بمناطق في الضفة الغربية مقابل إعطاء السلطة الفلسطينية مناطق مأهولة بالعرب الإسرائيليين داخل إسرائيل. وحيث أن تقرير صدر في الآونة الأخيرة عن المكتب المركزي للإحصائيات يبيّن بأن عدد سكان إسرائيل سيصل في عام 2035 إلى 11.4 مليون نسمة وسينمو عدد السكان العرب ليصبح 2.6 مليون نسمة، يخلق المسئولون الإسرائيليون الإنطباع بأن هناك “تحوّل ديمغرافي خطير” لصالح العرب الإسرائيليين، هذا بالرغم من أن نسبة اليهود الإسرائيليين للعرب ستبقى تقريباً في عام 2035 بدون تغيير. وهذا ما يبيّن أيضاً سخف الزعماء الإسرائيليين اليمينيين العاجزين حتّى عن التفكير بإمكانية أن يعيش اليهود والعرب جنباً إلى جنب ويزدهروا معاً، فتراهم مستعدين للجوء إلى إجراءات التطهير العرقي التي عانى منها اليهود تاريخياً وبشكلٍ مأساوي.

إن تربية وتعزيز ولاء العرب الإسرائيليين للدولة يحتاج بالطبع لأكثر من التأكيدات الكاذبة التي تصرّح بها الحكومة الإسرائيلية أو بعض الأفراد “الصالحين” اللذين يؤكدون بأنه لا يوجد تمييز ضد العرب الإسرائيليين.

وبالرّغم من أن الحكومة تدّعي بأن العديد من العرب الإسرائيليين يدرسون في أرقى جامعات إسرائيل والآلاف يعملون يداً بيد مع نظرائهم اليهود، وهو أمر صحيح، إلاّ أن ذلك ليس إلاّ واجهة لتغطية واقع وحقيقة التمييز العنصري المنهجي. ولذا أرى أنه على الحكومة والقطاع الخاص بشكلٍ خاص أن يتعاونا معاً لتخفيف هذه المشكلة المستأصلة مع جميع الأخطار الناتجة عنها إن لم تُعالج، لأن الوقت عامل أساسي.

دور الحكومة:

يجب على الحكومة أن تعترف بالعرب الإسرائيليين كأقلية قومية بحقوق كاملة ومتساوية حسب القانون الذي يجب أن تمتد صلاحيته لجميع النواحي التي تسيطر عليها الحكومة، شاملاً التعيينات السياسية. ويجب على هذا القانون بطلان جميع القوانين التمييزية وعدم إدخال أية قوانين جديدة تميّز ما بين الأغلبية اليهودية والأقليّات القومية العرقية الأخرى. وبالرّغم من أنّه على العرب الإسرائيليين من الناحية المثلى أن يخدموا بلدهم أيضاً في الجيش، غير أن هذا الأمر قد يكون في هذه المرحلة في غير محله لأن لا اليهود الإسرائيليين ولا الحكومة سيجيزان تجنيد عدد كبير من العرب الإسرائيليين في الجيش.

لكن هذا لا يعني بألاّ تطلب الحكومة من الشباب العرب الإسرائيليين القيام بدلاً عن ذلك بخدمات مجتمعية، الأمر الذي سيعزّز بشكل جوهري عملية الإندماج وتطوير الثقة ما بين الجاليتين العربية واليهودية. أضف إلى ذلك، على الحكومة أيضاً القيام بكلّ ما بوسعها لتسوية المطالبات العديدة المرفوعة من العرب الإسرائيليين فيما يتعلّق بمصادرة ممتلكاتهم وذلك بتعويض أصحاب المطالبات الشرعية اللذين يشعر العديد منهم بأنهم ُمرحّلون أو ُمشرّدون كما لو كانوا لاجئين في وطنهم.

إن للقرابة والألفة المتبادلة ما بين العرب الإسرائيليين والفلسطينيين في المناطق المحتلة تأثير مباشر على محنة كلّ منهما تجاه الآخر. فما دام العرب الإسرائيليون يعانون من التمييز الإجتماعي والإقتصادي والسياسي في إسرائيل، يصبح حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أكثر من أيّ وقتٍ مضى بعيد المنال.

وبالعكس، حتّى لو تمّ دمج العرب الإسرائيليين بالكامل في المجتمع الإسرائيلي وأخذوا يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية، ولكن من الناحية الأخرى ما دام الاحتلال قائماً، سيبقى العرب الإسرائيليون “ممزقين” ما بين ولائهم المتوقع منهم للدولة والقرابة لإخوتهم الفلسطينيين. ولذا على قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية عدم إظهار أي تسامح بهذا الخصوص لاعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، حيث أن هذا يؤثر سلباً بشكل مباشر على رؤية العرب الإسرائيليين لإمكانية التعايش الإسرائيلي – الفلسطيني مستقبلاً وتأثيره بعيد الأمد على طبيعة ونوعية وجودهم وتعايشهم وولائهم للدولة.

دور القطاع الخاص:

على المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والتربوية والمنظمات الغير حكومية أن تلعب دوراً أكبر لتطوير وتعزيز حوار مفتوح يسمح للعرب الإسرائيليين بالتعبير عن إحباطهم ويسمح كذلك لهذه المؤسسات والمنظمات للتكاتف بجهودٍ جماعية لمساعدتهم في الإندماج في المجتمع، وعليهم أيضاً مساندة التعايش بين اليهود والعرب على طراز “نيفي شالوم” (واحة السلام) و”النضال” من أجل الحصول على الإعانات المالية الحكومية والبحث عن مستثمرين ومقاولين لبناء وحدات سكنية جديدة في المناطق المختلطة. ستحسّن مثل هذه الجهود والمساعي الأحوال الإجتماعية والإقتصادية لهذه المناطق وتخفف من الصراعات وتعزّز الوئام بدلاً من العداء.

“يغزوا” الإسرائيليّون المتشدّدون بكلّ ما في الكلمة من معنى الأحياء المختلطة وذلك لشراء المناطق العربيّة المتخلّفة عمرانيّا ً وتحويلها إلى مدن كما في يافا وعكّا واللدّ. وهؤلاء يعترفون بصراحة بأن هدفهم هو ترحيل العرب الإسرائيليين بدلا ً من تشجيع التعايش السّلمي والتعاون. أضف إلى ذلك، فإنّ النّداء المروّع الذي يطلقه رجال الدين اليهود برفض تأجير أو بيع ممتلكات لعرب إسرائيليين هو مسعى ً آخر جدير بالإزدراء لتغيير الطابع الديمغرافي في هذه المجتمعات والأحياء، الأمر الذي سيؤدي في النهاية لاضطرابات اجتماعيّة إن لم يكن لمواجهة مسلّحة حقيقيّة.

وأخيرا ً، على القطاع الخاصّ أن يلعب دورا ً نشطا ً بتوفير فرص عمل للعرب الإسرائيليين لتسهيل اندماجهم ليصبحوا مواطنين مساهمين وفعّالين في نموّ إسرائيل ونجاحاتها، هذا في الوقت الذي يعزّزون فيه إحساسا ً بالملكيّة.

يجب على جميع الإسرائيليين والحكومة أن يتوصّلوا إلى نوع ٍ من المصالحة مع واقع العرب الإسرائيليين. هؤلاء موجودون وسيبقون في أماكنهم ولو بالتهديد بطرد ٍ قسري الذي لا مجال حتّى للتفكير فيه من قبل الإسرائيليين اليمينيين الأكثر هوسا ً وتطرّفا ً. وعلى الإسرائيليين، أكثر من قادتهم السياسيين المضلّلين، أن يستيقظوا لهذا الواقع المصيري وأن يقرّروا أي نوع ٍ من المستقبل يريدون أن يرسموا لأنفسهم وللأجيال القادمة. فبإمكانهم اختيار مسار فاسد ومشوّه بالممارسات التمييزيّة العنصريّة التي ستضحّي بالديمقراطيّة وتدفع البلد تدريجيّا ً حتّى تصبح دولة تمييز عنصري “أبارتهايد” مع كلّ ما تتضمّنه هذه التسمية من معنى ً أو يناضلون من أجل تعايش سلمي وتعاوني.

وباختيار هذا الأخير يستطيع الطرفان النموّ والإزدهار وأن يجعلا من إسرائيل دولة ديمقراطيّة فعليّة دون المخاطرة بالهويّة الوطنيّة. هذا سيمحو الخطر من الداخل وسيسهّل أيضا ً التوصّل لحلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE