All Writings
يوليو 10, 2017

الأكراد تحت حكم أردوغان الإستبدادي

قُتل عشرات الآلاف على مدى 40 عاما من سفك الدماء بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني، ومن المأساوي أنه لا تبدو أن هناك نهاية في الأفق، إذ صرّح الرئيس أردوغان في أيار / مايو 2016 أن العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني ستستمر حتى “قتل آخر المتمردين”. ومما يثير القلق حول تصريح أردوغان هو أنه لا يزال يعتقد أنّ بإمكانه حل الصراع من خلال القوة الوحشية. أردوغان لا يفهم أنه لا يستطيع أن يتخلّص من المشكلة الكردية بهذه البساطة، وهي مشكلة ستظل تطارده والبلاد لعقود أخرى لا تحصى من الزّمن ما لم يتم التوصل إلى حلّ يحترم حقوقهم الإنسانيّة الثقافية والأساسيّة.

هناك 15 مليون كردي يمثلون حوالي 18٪ من السكان الأتراك. هم مثل نظرائهم الأتراك بشكل عام من السنة ، إلا أن تميزهم الثقافي يفوق معتقداتهم الدينية. هم يكافحون من أجل الحفاظ على هويتهم العرقية ويخشون إن لم بفعلوا ذلك  من أن تتلاشى ثقافتهم ولغتهم.

إن تاريخ الصراع طويل ومعقد ومؤلم. رفع في السبعينيات من القرن الماضي عبد الله أوجلان الوعي حول محنة الأكراد التي أعقبتها حملات قمع تركية من قبل الحكومات التركيّة المتعاقبة، الأمر الذي أدى إلى تشكيل حزب العمال الكردستاني وإلى تصعيد العنف على مر السنين.

وفي ظل تكثيف الضغوط المحلية ومن طرف الإتحاد الأوروبي، وافق أردوغان في أواخر عام 2012 على إستئناف المفاوضات ، وهذه انهارت بحلول تموز/ يوليو 2015. وفي أعقاب صحوة الإنقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016، انتقل أردوغان لسحق حزب العمال الكردستاني والتطلعات الكردية، هذا على الرغم من أنه لا يوجد حتّى الآن على الإطلاق ما يثبت وجود صلة بين الأكراد ومؤامرة الإنقلاب. واستمر هجومه العنيف ضد الأكراد بالرغم من دعوة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لوقف نهجه المتشدد الذي انتهك حقوق الأكراد الإنسانيّة الأساسية انتهاكا صارخا. ففي الآونة الأخيرة فقط أعلن رئيس الوزراء بينالي يلدريم في مدينة ديار بكر الكردية عن تعليق خدمة  حوالي 14.000 معلما كرديا متهما ً إياهم زورا ً وبهتانا ً  باقامة علاقات مع حزب العمال الكردستاني.

ومما زاد الأمور سوءا هو تفويض أردوغان بشن هجوم عنيف على قوات حزب العمال الكردستاني الذين كانوا مترسخين في مجتمع مدني ذو أغلبية كردية في جنوب شرق البلاد. وقد وثق تقرير الأمم المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك عمليات القتل والإختفاء والتعذيب وتدمير المنازل ومنع الوصول إلى الرعاية الطبية مع ترك المنطقة في حالة خراب.

وفي الفترة ما بين تموز / يوليو 2015 وكانون الأول / ديسمبر 2016، قتل أكثر من 000 2 شخص من بينهم 1200 مدني و 800 من أفراد قوات الأمن التركية، وأكثر من 000 500 شخص نزحوا عن ديارهم. وقد زُجّ بمئات من أعضاء الحزب الديمقراطي الشعبي الكردي وراء القضبان بتهم التعاون مع حزب العمال الكردستانى  مع استمرار رفض أردوغان التفاوض معه وإصراره على أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ويجب إخضاعها بالقوة العسكرية.

من المؤكد أنه يهمّنا ما هو خطأ أو صواب ، ولكن ما يجب أن نواجهه هنا هو حقيقة لا يمكن لأي من الجانبين أن يتجاهلها ويتوقع إيجاد حل يمكن أن يلبي متطلبات كلا الجانبين على وجه الحصر. فبعد أكثر من أربعة عقود من الصراع الدموي الذي أودى بحياة الكثيرين وتدمير عانى منه  مئات الآلاف من الأكراد والأتراك يتساءل المرء: متى سيعود أردوغان إلى حواسه ورشده ويدرك بأن الحل لا يكمن إلا في مفاوضات السلام؟

والأمر الأسوأ هو أن المجتمع الدولي، ولا سيما الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كان صامتا علنا عن تجاوزات أردوغان وقسوته. وكثيرا ما يستشهدون بدور تركيا في محاربة داعش وبعضويتها في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وأهميتها الجيوستراتيجية كمركز للطاقة  لأنّ السبب هو عدم رغبتهم في الضغط على تركيا لتغيير الإتجاه.

ومع ذلك، وبغض النظر عن التحديات التي تواجهها تركيا، بما في ذلك المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”  واقتصاد متدهور والإضطرابات الداخلية التي تفاقمت بسبب الإنقلاب الفاشل وضغط استضافة ثلاثة ملايين لاجئ – لا شيء يبرّر قيام أردوغان بعمليات التطهير الفاحشة.

إن تجاهله المطلق لحقوق الإنسان بسجن عشرات الصحفيين الأكراد وإلقاء القبض على اثني عشر برلمانيا كرديا واستخدام أساليب العقاب الجماعي ضد المدن والقرى الكردية ومهاجمة الأكراد السوريين الذين يتهمهم بتقديم المساعدات لحزب العمال الكردستاني لا يزيد إلاّ من حدة التوتر في جميع أنحاء البلاد ويدعو للإرهاب ويؤدي إلى زيادة الإستقطاب الإجتماعي والسياسي.

وبصفته مؤمنا يبشر بإنجيل القيم الإسلامية، فإنه يسخر وينتهك هذه القيم ويبرر ببساطة القتل العشوائي للرجال والنساء والأطفال الأكراد الأبرياء، ولا يزال يدعي بلا خجل التقوى.

إن ديماغوغية أردوغان هي طبيعته الثانية. وكما قال الرئيس كينيدي في عام 1960، “أصوات تنادي بعقائد لا علاقة لها بالواقع … [تخدع نفسها بأن] القوة ليست سوى مسألة شعارات”. فأردوغان يدعي بأن تركيا هي ديمقراطية كاملة، لكنه يفكك آخر بقايا الحكم الديمقراطي في البلاد الذي كان هو نفسه يقوم بالترويج له خلال ولايته الأولى والثانية في السلطة.

يدعي أن الأكراد متساوون في الحقوق السياسية وحقوق الإنسان مثل أي مواطن تركي آخر ويشير إلى وجود 110 برلماني كردي. صحيح أنهم متساوون بمقتضى الدستور التركي، ولكن في الممارسة العملية يتعرضون للتمييز بشكل منهجي في التعيينات الحكومية والعقود التجاريّة وفرص العمل والتعليم.

لا يدرك أردوغان ببساطة حقيقة أنه حتى لو تمّ التعامل مع الأكراد على قدم المساواة في كل نواحي الحياة، فإن ما يريدونه يتماشى مع إطار الديمقراطية التركية بل ويكمله. انهم لا يسعون الى دولة خاصة بهم، ولكن ببساطة للعيش بحرية كمواطنين أتراك مخلصين والتمتع بعاداتهم وبالموسيقى الشعبية والرقص الخاصّ بهم وبطريقة الحياة بما يتفق مع تراثهم الثقافي العريق والغني.

والمفارقة هي أنه في حين يريد أردوغان أن يكون الأكراد مواطنين مخلصين، لم يفهم أبدا أن ولائهم للبلد يعتمد على الطريقة التي يُعاملون بها والحقوق التي تُمنح لهم وكذلك اللطف والكياسة التي يشعرون بها. إن مطالبة الأكراد بالولاء غير المشروط في الوقت الذي تُسلب فيه حقوقهم الأساسية لا تزيدهم إلاّ نفورا ً وتجبرهم على السعي للقتال والموت من أجل الحكم الذاتي إن لم يكن الإستقلال الذي يعتزم أردوغان منعه.

أنا لا أؤيد، و أدين أي فرد أو جماعة يستخدم أو تستخدم القوة الوحشية لتحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية بغض النظر عن مصدرها ودوافعها وإيديولوجيتها أو معتقدها. وأردوغان وحزب العمال الكردستاني مذنبان بنفس القدر ويجب أن يتوقفا مؤقتا وأن يفكرا أين سيؤدي كل هذا القتل والدمار، هذا في حين أنه في نهاية المطاف سيُفرض عليهم التعايش ومواجهة بعضهم بعضا.

عندما يتزايد التطرف العنيف، وعندما تفتقر اللعبة لحقوق الإنسان العادلة، وعندما يزداد الإرهاب، وعندما تتصاعد الصراعات العرقية العنيفة ، وعندما يذبح الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، لا يجوز لقادة الوعي والضمير إضافة الوقود إلى الحرائق الإقليمية المستعرة التي كانت تستهلكنا بلا رحمة وبدون هوادة.

لا يجوز لحزب العمال الكردستاني أن يقع فريسة ً في أيدي دكتاتوريين مثل أردوغان عن طريق قتل مدنيين أبرياء، فما دام يُنظر إليهم على أنهم جماعة إرهابية لن يحصلوا على أي دعم من منظمات مدنية ذات نفوذ ومن المواطنين  الأتراك بشكل ٍ عامّ.

ومن أجل التخلص من وصمة العار بأنه منظمة إرهابية، يتعين على حزب العمال الكردستاني إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد والإعراب عن استعداده للدخول فى مفاوضات سلام دون قيد أو شرط، الأمر الذى سيزيد من الضغط الشعبي على اردوغان لاستئناف محادثات السلام.

وفي غياب القيادة الأمريكية يجب على الإتحاد الأوروبي أن يتحمل على عاتقه مسؤولية استخدام نفوذه السياسي والإقتصادي الهائل لوقف أردوغان من اتباع أساليب وسياسات فظّة لا ترحم، ليس ضد الأكراد فحسب، بل أيضا ضدّ مواطنيه الأتراك. إن حماس أردوغان القومي يقسم البلاد ويمكن أن يؤدي إلى انتشار العنف بين الأتراك  مع زيادة عدم الإستقرار الإقليمي.

يا سيّد أردوغان، إستيقظ ! إنّك لن تنجح في قتل كل مقاتل من حزب العمال الكردستاني، ليس فقط بسبب طبيعة حرب العصابات، ولكن أساسا بسبب تصميم الأكراد على الحفاظ على تراثهم الثقافي الغني ولغتهم وحقوق الإنسان الأساسية. سيبقوا على عزمهم  وسوف يصمدون أكثر منك، بغض النظر عن مدى ودرجة  الألم والمعاناة التي سيتحملونها تحت حكمك الإستبدادي.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE