All Writings
أغسطس 5, 2011

طريق الفلسطينيين الخادع إلى الأمم المتحدة

يتسابق النقاد وصانعو السياسة في الوقت الحاضر بشكل ٍ محموم في جمع وتقييم النقاط الإيجابيّة والسلبيّة المتعلقة بخطط السلطة الفلسطينية للسعي وراء اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدولتهم في شهر أيلول (سبتمبر) القادم. وبصرف النظر عن الجدارة أو الحكمة الكامنة وراء مثل هذا التحرك، يبدو أن الفلسطينيين مصمّمين على التّقدم بخططهم، هذا إلاّ إذا عُرض عليهم بديلٌ حيويّ فعّال يؤدّي إلى نفس النتيجة وهي قيام دولة فلسطينية ضمن إطار زمني معقول وقابل للتنفيذ. وبالرّغم من أن المعارضين والمؤيدين للخطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقدمون حججاً مقنعة لمساندة مواقفهم، غير أنّه يبدو أنّ كل من الطرفين غير راغب أو قادر على قبول قواعد إشراكه لدعم رغبته المعلنة بخصوص الدخول في مفاوضات جادة لإبرام اتفاقية سلام تفي بالمتطلبات الأساسية لكلّ منهما.

إنّ الإخفاق في إشراك الأطراف المعنية ثانية في مفاوضات قبل شهر أيلول (سبتمبر) أو تعديل أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة لإحداث زخم إيجابي قد يؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار وبعواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لجميع الأطراف: الولايات المتحدة، إسرائيل والفلسطينيين.

أولاً، النتائج الواضحة لخطة الأمم المتحدة هي تهميش الولايات المتحدة. فتدويل الصراع بعد أن كان يُعتقد بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الوسيط الوحيد الموثوق به لحلّ الصراع العربي – الإسرائيلي سيكون في الواقع بمثابة تصويت بعدم الثقة في قدرة إدارة الرئيس باراك أوباما على إعادة الأطراف لطاولة المفاوضات مع فرصة النجاح في التوصل لاتفاقية سلام عادلة.

ثانياً، ستواجه إسرائيل موجةً غير مسبوقة من جهود ومحاولات نزع الشرعية عنها. سيشترك المجتمع الدولي وبصورة متزايدة للتضامن مع الفلسطينيين، أكان ذلك بتصريحات الاعتراف “بدولة فلسطين” المعلنة حديثاً أو بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو في المساعدة على وضع إسرائيل في قفص الاتهام في المحاكم الجنائية الدولية. أضف إلى ذلك، فإن تهميش الولايات المتحدة الذي بدوره سيزيد من تقليص نفوذها على الساحة العربية – الإسرائيلية سيصعّد على الأرجح من توتر العلاقات ما بين واشنطن والقدس.

وأخيراً، سيواجه الفلسطينيون اختباراً لم يسبق له مثيل، فبعد سنتين من العمل المنهجي الذي كرّست فيه القيادة الفلسطينية نفسها للتحضير لكيان الدولة، يطرح الآن السؤال الآتي نفسه:” إلى اين سيتوجّه الفلسطينيّون بعد ذلك للتقدّم بقضيتهم الوطنيّة بعد قرار الأمم المتحدة لوضع نهاية للإحتلال الإسرائيلي ؟”. إذن سيكون الإختبار بالنسبة للسلطة الفلسطينيّة إدارة استراتيجيّة مرحلة جديدة بعد اعتراف الجمعية العموميّة للأمم المتحدة بما يتماشى مع التوقعات العالية التي نشأت مع التقدّم الدولي للإعتراف بفلسطين. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار التحديّات التي ستواجهها السلطة الفلسطينيّة بشكل ٍ مستمرّ مع منافستها حماس والمجموعات ألأخرى المتطرّفة الراغبة في العودة إلى دائرة العنف والمستعدّة له كوسيلة للدفع بالأجندة الفلسطينيّة إلى الأمام، الأمر الذي قد يجلب على الشعب الفلسطيني عواقب وخيمة.

إذن ما العمل ؟

لقد أضنى هذا الصراع الأبدي في الواقع الإسرائيليين والفلسطينيين، غير أنّ الطرفين ما زالا يلهثان وراء سياسات تأتي بنتائج عكسيّة وتقوّض في الواقع الشّرط الذي لا بدّ ولا مفرّ منه والذي على أساسه فقط يُقام سلام دائم. فإذا اراد نتنياهو منع الفلسطينيين من الذهاب للأمم المتحدة، يجب عليه وضع مقترحات ٍ واقعيّة جذّابة على طاولة المفاوضات تسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس بطريقة تحفظ ماء وجهه. وعلى الفلسطينيين إبّان ذلك أن يبيّنوا للإسرائيليين وللعالم بأنّهم يعنون ما يقولون والتوقّف عن ترويج “رواياتهم” القديمة، وبالأخصّ حقّ عودة اللأجئين الفلسطينيين، وهي أمور تحول دون أخذ الإسرائيليين بجديّة ما يقوله الفلسطينيّون.

قد يكون لمصادقة الدول العربيّة على التحرّك الفلسطيني للأمم المتحدة صدى ً أكبر بكثير في إسرائيل لو ارتبطت هذه المصادقة بشكل ٍ أو بآخر بمطالبتهم حماس نبذ العنف بشكل نهائي وتعهدها بحلّ سياسي كنظيرتها السلطة الفلسطينيّة بقبولها مبادرة السّلام العربيّة. هم، بتقصيرهم القيام بذلك، يرسلون أيضاً إشارة ً لإسرائيل مفادها بأنّ ما يهمّهم فعلا ً هي المواقف أو المظاهر السياسيّة بدلا ً من محاولة الدّفع فعلا ً بقضية السّلام إلى الأمام.

الواقع هو نّ كلّ طرف عالق إلى حدّ كبير في موقفه السياسي وغير قادر ً على الرجوع عن قراره أو التخفيف من حدّة موقفه قبل مواجهة أيلول / سبتمبر القادم. والسبيل الوحيد لتجنّب ما سيكون فترة ً غير مسبوقة من القلق والخوف وانعدام اليقين والطمأنينة التي بدورها قد تؤدي الى استئناف العنف هو ان تقوم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي باستلام زمام الأمور. عليهم ايجاد بديل قبل شهر أيلول (سبتمبر) يساعد كلاًّ من الطرفين على حفظ ماء وجهه لتجنب حدوث كارثة محتملة. وللتوصّل لذلك، بإمكان إدارة أوباما ن تختار أحد هذين الخيارين:


أوّلاً: إعادة التأكيد على حدود عام 1967 مع عمليات تبادل اراضي

أكّد الرئيس أوباما ثانية وعلنا ً في خطابه الأخير حول “الربيع العربي” والصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني على ما هو معروف أنّه أساس المفاوضات ما بين إسرائيل والفلسطينيين في جميع دورات المفاوضات السابقة بين الطرفين بقوله:
“ما باستطاعة أمريكا والمجتمع الدولي فعله هو ان يقولا بصراحة ما يعرفه كل فرد – أنّ السّلام الدائم سيعني دولتين لشعبين: إسرائيل كدولة يهوديّة ووطن الشعب اليهودي، ودولة فلسطين وطنا ً للشعب الفلسطيني، وكلّ دولة منهما تتمتّع بتقرير المصير واعتراف متبادل وسلام …. نحن نعتقد بأن حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تعتمد على خطوط عام 1967 مع عمليات تبادل أراض ٍ يتفق عليها الطرفان..”

على الولايات المتحدة ان تطلب من مجلس الأمن تبنّي هذا الموقف وتفويض الولايات المتحدة بتنفيذه. لقد ورد في الفترة الأخيرة ما يفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد ألمح بصفة شخصيّة للولايات المتحدة بأنّه مستعدّ لقبول مقترحات الرئيس أوباما بشرط أن يعترف الفلسطينيّون بإسرائيل كدولة يهودية. وقد أشار بدوره الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بأنه مستعدّ للدخول في مفاوضات ٍ مع إسرائيل على أساس مقترحات أوباما –دون أن يطلب تعديل أو إلغاء الإشارة للدولة اليهوديّة في خطاب أوباما – والتخلي عن خططه للذهاب للأمم المتحدة للإعتراف بالدولة الفلسطينيّة.

ليس هناك شكّ بأنّ مجلس الأمن الدولي سيتبنّى مثل هذا القرار. ونتيجة لذلك، فإن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين على أساس حدود عام 1967 مع عمليّات تبادل أراض ٍ سيؤكد مرّة ثانية على وجود كيانين ما بين البحر الأبيض المتوسّط ونهر الأردن. وبهذا المعنى سيكون هناك تحرّك – بتأييد الأغلبيّة العظمى من المجتمع الدولي – يعلن بأن حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو عن طريق إقامة دولتين، لا دولة ٍ واحدة. حينها فقط سيكون الفلسطينيّون والدول العربيّة في مقدّمة من سيدعمون هذه الصيغة بدلا ً من رفضها الذي لن يكون إلا لصالح تجدّد الصراع المسلّح. سيتعزّز بهذا الدعم لحلّ الدولتين وبصورة جذريّة موقف إسرائيل ضدّ المجموعات المتطرفة مثل حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي. هذا وسيقوّض تصويت الأمم المتحدة لصيغة حلّ الدولتين مطالبات المتطرفين بمحو الدولة اليهوديّة. ومن المرجّح من ناحية أخرى أن يصبح المجتمع الدولي أكثر تقبّلا ً وفهما ً لمخاوف إسرائيل الأمنية تجاه هذه المجموعات المهمّشة التي لن تعارض فقط السّلام مع إسرائيل وإنّما أيضا ً صيغة حلّ الدولتين التي وافق عليها المجتمع الدولي والعالم العربي بأكمله.


ثانياً: عرض عوامل محدّدة لحلّ معيّن

الخيار الثاني الأقلّ تفضيلا ً خصوصا بالنسبة لإسرائيل هوأن تقوم إدارة أوباما – بدلاً من الإطاحة ببساطة بقرار الفلسطينيين باستخدام حق النقض “الفيتو” – بقيادة حملة لاستصدار قرار يحظى بدعم مجلس الأمن الدولي مقترنا ً بشرط قبوله بشكل قطعي من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ويجب أن ينصّ هذا الشرط – الذي ستجنّد الولايات المتحدة لدعمه الدول الكبرى في الإتحاد الأوروبي مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا – على وضع اربعة عوامل يجب تنفيذها في أية مفاوضات ٍ مستقبليّة، وهي: 1) أن ترسّم الحدود المستقبليّة بين الطرفين على أساس حدود عام 1967 مع عمليات تبادل أراض ٍ يتفق عليها الطرفان، 2) ترتيبات أمنيّة تنهي أيّة دلائل للإحتلال وتمنع الإرهاب، 3) أن تكون القدس عاصمة للطرفين و 4) حلّ عادل للآجئين الفلسطينيين.

ستشكّل هذه العوامل إطارا ً عاما ً لحلّ إقامة دولتين ومعالجة قضايا الوضع النهائي ابتداء من الحدود والقضايا الأمنيّة على النحو الذي عرضه الرئيس أوباما، هذا بدلا ً من عرض إطار ٍ مفصّل لاتفاقيّة قد يرفضها الطرفان. سيوضع بهذه الطريقة القرار في إطار وكأنّه استمرار للجهود المبذولة من طرف الأمم المتحدة في هذه القضيّة منذ نهاية حرب الأيام الستّة عام 1967. وقد يخدم ايضا ً القرار بهذا الخصوص لإعادة التأكيد على روح القرارين (242) و (338) الصادرين عن مجلس الأمن الدولي واللذين يعتمدان مبدأ “الأرض مقابل السّلام” وهو المبدأ الذي تقوم على أساسه رؤية حلّ الدولتين. وأخيرا ً، على هذا القرار أن يعترف بالمتطلّبات الأمنيّة المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين ونبذ جميع أشكال التحريض والإرهاب.

ومع فشلها في دفع العمليّة السلميّة ما بين العرب والإسرائيليين إلى الأمام منذ توليها السلطة، قد لا نستغرب إن حاولت إدارة أوباما وبكلّ بساطة إسقاط القرار الفلسطيني بحق “الفيتو” في محاولة ٍ منها لحشد تأييد أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة قبل الإنتخابات الرئاسيّة القادمة، غير أنّ ذلك سيكون خطأً فادحا ً. فبدون دوبلماسيّة ناجحة لإيجاد طريق ٍ بديل ستُقوّض مكانة الولايات المتحدة بشكل ٍ جسيم في الشرق الأوسط وهو المنطقة التي تحتاج فيها الولايات المتحدة لمزيد من النفوذ في حقبة زمنيّة تتّسم بالتغيير والثورات. يجب على الإدارة الأمريكيّة أن تكون واقعيّة في نظرتها وتقييمها، هذا مع العلم بأنه من المستبعد الآن التوصّل لاتفاقيّة سلام ٍ نهائية على ضوء المواقف السياسيّة الحاليّة المعلنة لكلا الطرفين خلال ما تبقّى من مدة زمنيّة قصيرة لهذه الإدارة.

وبالنظر لما تقدّم فإنّ قراراً مبدعا ً بصورة مختلفة وصيغة ٍ متوازنة يقدّم التأييد الدولي لحلّ الدولتين وإطارا ً زمنيّا ً قابلاً للتنفيذ ولإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات من شأنه أن يمنع الإسرائيليين والفلسطينيين من السباق نحو مستنقع ٍ جديد بعواقب لا يمكن التكهّن بها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE