All Writings
ديسمبر 21, 2016

أسئلة وأجوبة حول بعض الأحداث المثيرة جدّا ً في الشرق الأوسط الجزء الثاني

هذا الجزء الثاني من نقاش ٍ أجريته في الآونة الأخيرة مع طلاب وأعضاء الهيئة التدريسيّة ورابطة الخريجين بجامعة نيويورك قبل الإنطلاق ببرنامجي “قادة عالميّون: محادثات مع ألون بن مئير” في اليوم الثالث من شهر نوفمبر الجاري، كان لديّ الفرصة للإجابة على بعض الأسئلة المتعلّقة بالإضطرابات والفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط ودور أمريكا في العالم. وفيما يلي موقفي من بعض هذه الأحداث وكيف بإمكانها أن تتطوّر مع الزمن. وقد تمّ تحرير الأسئلة والأجوبة وإيجازها لأغراض الإيضاح.

سؤال: هل تعتقد بأن الرئيس القادم أو أي زعيم عالمي آخر سيكون أكثر فعاليّة في التعامل مع هذا العدد الكبير من الأزمات في الشرق الأوسط ؟

ألون بن مئير: لدينا للأسف أزمة عالميّة في القيادة. أريد منكم فعلا ً أن تفكّروا بهذا الأمر بكلّ عناية. لم نتمكّن للأسف الشديد من خلق قادة حكماء، ذوي رؤية بعيدة ويتحلون بالشجاعة ويمكن أن يسموا إلى مستوى الحدث بحيث يواجهون التحديات ويتخذون تلك الإجراءات اللازمة لتغيير مجرى الأحداث. فالقادة هم انعكاس لجيلهم ويبدو أنّ الناس في كلّ أرجاء العالم غاضبون ومحبطون من الوضع القائم حاليّا ً، ويبدو أنهم فقدوا إحساسهم بالهدف. أتحدى أيّ شخص يشير إلى قائد في أي مكان ٍ من هذا العالم له ميزات القيادة برؤية وشجاعة و صلابة وقوة ويعلم أين يقود ويستطيع في الواقع أن يغيّر مجرى التاريخ بطريقة إيجابية جدّا ً وفعالة. فأين الرّجال أمثال لينكولن وتشيرشل، وأين هم أمثال بن غوريون وأنور السادات ؟ فالسؤال هو، هل يسموا القادة الجدد استجابة إلى إحباط الشعب ؟  فصعود رجال مثل ترامب قد يكون نتاج هذه الظاهرة – فالناس تريد التغيير وقد تختار أي شخص عدا عضو آخر من النظام القائم.

سؤال:  وماذا عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ؟

ألون بن مئير: أنجيلا ميركل بدون شكّ زعيمة، وبالأخصّ في أوروبا، ولكنها مقيّدة فيما تستطيع أن تعمله على الساحة الدوليّة لأنها جزئيّا ً “ملاحقة” من تاريخ بلادها. هذا هو السبب الذي جعلني أقول بأنه ليس هناك في الوقت الحاضر زعيم واحد يمكن أن تقول عنه بأنه زعيم دولي.

سؤال: ماذا سيحدث حسب رأيك في العراق في صحوة هزيمة “داعش” كما يتوقع معظم الناس ؟

ألون بن مئير: العالم بأكمله ضد “داعش”، وفي غضون شهر أو اثنين، لربما ثلاثة أشهر، ستتمّ هزيمة “داعش” بدنيّا ً. ولكن هل سينهزم “داعش” عقائديّا ً ؟  خلايا “داعش” موجودة في معظم المجتمعات والدول الأوروبيّة وفي الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. ستواصل كلّ هذه المجموعات نشاطاتها الإرهابية بدون أيّ تنسيق أو توجيهات من قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وهذا قلقنا الرئيسي، ولا نستطيع معالجة هذه المشكلة بشكل ٍ فعلي حتّى نقوم بالتركيز على الأسباب الجذرية للتطرّف الراسخ العديد منها في المجتمعات العربية. والإخفاق بالطبع في دمج الجاليات الإسلامية في أوروبا والتمييز ضدها هو مصدر آخر للتطرّف.

وقلق ٌ آخر يراودني ألا وهو ماذا سيحدث للسنّة في العراق بعد هزيمة “داعش” مباشرة ً ؟ فمع كلّ النوايا والأهداف، هناك حرب أهلية دائرة في العراق في الوقت الحاضر لا نتكلّم الكثير عنها. فالسنّة يقتلون الشيعة، والشيعة يقتلون السنّة بمعدّل المئات كلّ شهر. هذه حرب أهليّة. يمكنك الآن أن تعيد احتلال الموصل، ولكن ماذا بعد ذلك ؟ ماذا بإمكان السنّة أن يتوقعوا من حكومة شيعيّة استغلّتهم وأساءت معاملتهم واضطهدتهم  خلال الإثني عشرة عاما ً الماضية بالرّغم من أنهم نظريّا ً جزء من الحكومة ؟

هذه الكارثة تتكشّف أبعادها أمام أعيننا، ونحن مركزون كشعاع ٍ من الليزر على “داعش” كما لو كان ذلك سيفضي بالحلّ لجميع مشاكل العراق. نحن “هزمنا” القاعدة، ولكن القاعدة ما زالت تعمل في كلّ مكان. ونحن نتكلّم عن المزيد من الأمن والمزيد من الشرطة والمزيد من المشاركة الإستخباراتيّة. هذا كلّه من ناحية مهمّ جدّا ً، ولكنه لن يحلّ مشكلة التطرّف في جميع أرجاء العالم، وبشكل ٍ خاصّ في الشرق الأوسط وأوروبا. الجواب هو أنّ المرض يكمن في الدول العربيّة نفسها. فمن بين ال 390 مليون عربي، أكثر من 200 مليون تحت خطّ الفقر وعشرات الملايين يعيشون في فقر ٍ مدقع.  حوالي 200 مليون شابّ وشابة تحت سنّ الخامسة والعشرين يشعرون بأن لا مستقبل لهم. هؤلاء سينضمون بالطبع “لداعش”  أو للقاعدة أو لأية مجموعة أخرى تمنحهم الشعور بالإنتماء. هم يعلمون بأنهم قد يموتون يوما ً في العمليّة، ولكن بالنسبة للعديد منهم الموت ما زال أفضل من العيش في بؤس وازدراء منذ اليوم الذي وُلدوا فيه. أجل، إنها مشكلة عويصة ستبقى تطاردنا لسنوات وعقود قادمة لأننا لا نعالج الأسباب الجذرية للتطرّف. نحن نحاول تسوية هذا أو ذاك بالخطب. أنا بالطبع لا أدّعي أنه لم يحدث شيء لمعالجة المشكل، ولكنه ليس بالقدر الكافي في أيّ مكان لتخفيف هذا الرّعب الذي تتكشّف أبعاده أمام أعيننا.

سؤال: لديّ الإنطباع بأن القاعدة أو “داعش” هما أحد أعراض حرب ٍ داخل الإسلام لأنّ عمر الإسلام حوالي 1500 عاما ً. فعندما كانت المسيحية بهذا العمر كان الإصلاح وخضنا عدة حروب دينيّة. ألا تعتقد بأن هذا احتمال أيضا ً في الإسلام ؟

ألون بن مئير:  علينا أن نطّلع على التاريخ الأوروبي وتاريخ المسيحيين في أوروبا نفسها. كم من قرن ٍ مضى على قتال المسيحيين بعضهم بعضا ً ؟ عليك أن تفكّر أيضا ً بالشرق الأوسط والعالم العربي ككيان آخر يتخلّف عنا مدة 50 إلى 100 عاما ً. ليس عليهم بالضرورة المرور بنفس التجارب والخبرات التي مرّ بها المجتمع الأوروبي، ولكن عليهم اجتياز بعض مراحل التطوّر السياسي المدفوع للأمام بصراعات ٍ عنيفة. وقد يستغرق هذا الأمر بضعة عقود ٍ من الزّمن قبل أن يستقرّوا على نظام ٍ سياسي بدرجة عالية جدّا ً من الحرية وحقوق الإنسان التي ما زالت متوافقة مع الثقافة العربية والإسلام كدين.

نحن نسيء أيضا ً للعالم العربي بصورة فظيعة. عندما كان هناك ثورة في العالم العربي – ما كان يسمّى “الربيع العربي” – ماذا فعلنا نحن ؟ فبدلا ً من أن نعطيهم بعض التوجيهات حول إنشاء حكومة انتقاليّة والوقت الكافي الضروري للتحضير لانتخابات عامّة في الوقت الذي تنظّم الأحزاب السياسيّة نفسها، ترانا نذهب وندفعهم للإختيار فورا ً شكل حكم ٍ ديمقراطي، بما في ذلك انتخابات عامّة.

في مصر، على سبيل المثال، لا تحتاج لعبقريّة لكي تعلم بأنه إن كان لديك انتخابات حرّة ونزيهة، فالشعب سينتخب الإخوان المسلمين. هذا كان أحد المعطيات التي لا مفرّ منها، فهم كانوا الحزب السياسي الوحيد المنظّم تماما ً. وقد تتساءل: هل كانت إدارة أوباما تعلم ذلك ؟ نعم، بالتأكيد. ولكننا نرتكب نفس الخطأ مرارا ً وتكرارا ً.

وبعد الإنتخابات مباشرة ً في مصر، مع كونها كانت حرّة ونزيهة، أخذ الناس يسألون أنفسهم في اليوم التالي أين الغذاء، وأين فرص العمل، وأين الرعاية الصحيّة ..و..و…و…؟  هناك 23 مليون مصري تحت خطّ الفقر. إذهب وامنحهم كلّ الحريّات في العالم التي تريدها! فماذا سيعملون بتلك الحريّة  إن لم يكن لديهم ما يطعمون به أطفالهم ؟

سؤال: ما سمعته هو بالطبع أنّ الأمريكيين سُذّج بدرجة كبيرة جدّا ً عندما يتعلّق الأمر بالديمقراطيّة في بلدان ٍ أخرى. هم يظنون، كما كان الأمر مثلا ً بالإطاحة بصدام حسين بأن أيّ شخص آخر سيرى الديمقراطيّة كجنّة، ولكن الأمر لا يحدث بهذه الطريقة.

ألون بن مئير:  أنت محقّ تماما ً. هناك أيضا ً سوء فهم للثقافة العربيّة الإسلامية. فبخلاف الثقافة الغربيّة – وهذا ليس نقدا ً بأية حال ٍ من الأحوال للثقافة أو الحضارة العربيّة –  يرغب العرب بشكل ٍ عامّ في أن يحكمهم رجلٌ قويّ. ولكنهم يريدون بالطبع رجلا ً قويّا ً ومحبّا ً لخير ورفاء شعبه. أرجو ألاّ تسيء فهمي. إنهم يريدون الحريّة، ويريدون الإحترام، ويريدون فرص عمل، ويريدون رعاية صحيّة  وتعليم أفضل مثل أيّ إنسان آخر، ولما لا ؟ فالحريّة بدون هذه الإحتياجات الأساسية للحياة لا تعني شيئا ً على أية حال. ويتمتع العرب بحضارة غنيّة وجميلة ولديهم الكثير مما يساهمون به، ولكن للأسف تمّ التغرير بهم من قبل قياداتهم.

دعني ألخّص ما ذكرته هنا بالقول بأنه حان الوقت للغرب لأن يدرك بأنه لمساعدة الدول العربية الفقيرة للتوصّل لقدراتها وفي نفس الوقت تخفيض التطرّف بشكل ٍ جوهري، علينا إدخال مبدأ مشاريع التنمية التشاركيّة المستدامة على نطاق ٍ واسع لمساعدة الملايين على معيشة ٍ لائقة وكريمة.

الفكرة هنا هي إيجاد تمويل لمشاريع التنمية المستدامة حيث تختار المجتمعات المحليّة في جميع أرجاء العالم العربي المشروع الذي تريده، شاملا ً إستصلاح وتطوير الأراضي للزراعة، زراعة الأشجار، مياه الريّ وتربية المواشي وتنميتها بشكل ٍ جماعي. ونحن، وبالأخصّ الدول العربية الغنية بالنفط، علينا أن نوفّر لهم في البداية بعض الأموال، والتدريب والتيسير، ولكن بصورة أساسية يكون كلّ مجتمع أو جالية محليّة أو مجموعة من المجتمعات أو الجاليات المحلية مسؤولة عن مشاريعها التنمويّة الخاصّة بها. هذا سيمكّن الأفراد ويسمح للمجتمعات أو الجاليات المحليّة أن تتعاون مع بعضها البعض وتتعلّم أهمية إيجاد توافق في الآراء وتنمّي إحساسا ً حقيقيّا ً للإنتماء والإرتباط بأرضهم ومجتمعهم.

ليس هناك ما هو أكثر فعاليّة ً من حيث التكلفة من مشاريع التنمية المستدامة، وعلى تلك الدول التي تقدّم مساعدات ماليّة للفقراء أن تصرّ على أن تقوم الحكومات العربية المعنيّة بتخصيص جزء كبير من تلك الموارد الماليّة (15 – 20 بالمائة) لهذا النوع من المشاريع. وينبغي توجيه وإيصال الأموال هذه فقط عن طريق منظمات ومؤسسات غير حكوميّة، محليّة ودوليّة، متخصصة في هذا المجال. وللتأكيد، ينبغي على الدول العربية إنهاء ممارسات الإقتصاد النضّ وتشجيع بدلا ً من ذلك التمويل من أسفل إلى أعلى لتعزيز الإستقلال الإقتصادي وروح المبادرة.

لقد انتهى للأسف وقت البرنامج الآن، ولكن ما زال الكثير مما يمكن الحديث حوله في هذا الموضوع، ولكننا سنتركه عند هذا الحدّ آملين أن يصغوا لنا ويفعلوا شيئا ً بهذا الخصوص. وشكرا ً جزيلا ً لكم.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE