إنهــــاء نـزاع العــــــــــــــــــ&#
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
يعتبر جلوس ممثّل الولايات المتحدة الأمريكية على نفس الطاولة مع المندوبين الإيرانيين والسوريين أثناء المؤتمر الإقليمي الذي عقد في بغداد يوم 10 مارس ( آذار) بحدّ ذاته تقدما مهما. ويتيح الاجتماع القادم – المقرّر عقده في أوائل شهر أبريل (نيسان) على مستوى وزراء الخارجية – لإدارة الرئيس بوش فرصة كبيرة للتقدّم إلى ما وراء النزاع الداخلي في العراق. واشنطن تستطيع الآن بقدر من بعد النظر والجرأة والتخطيط الحذر أن تفتح الباب لمباحثات ثنائية حول قضايا أمن إقليمية أوسع نطاقا. هذا ومع الاستمرار بكثافة في جهود إعادة تعمير العراق وتمرير قانون النفط ستكون للإدارة فرصة حقيقية للتغلّب على الأزمة في العراق.
مهما كان التسريع في الاتصالات المباشرة ما بين الولايات المتحدة وإيران فان هذه الاتصالات لن تأتي دقيقة واحدة قبل أوانها. فبالرغم من أنه قد يكون لسوريا وإيران بعض المصالح في عراق مستقر، غير أن قلقهما حول سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة والتواجد الأمريكي في العراق يفوق بكثير قلقهما حول استقرار العراق. ليس لأي من الدولتين مصلحة فعلية ثابتة في المساهمة في استقرار العراق طالما تخشى كل منهما من نوايا الإدارة الأمريكية لزعزعة استقرارهما أو الإطاحة بنظاميهما. ولذا بإمكان هذه الإدارة من الآن وحتى موعد عقد المؤتمر الإقليمي القادم أن ترسل إشارات لدمشق وطهران بما يفيد استعدادها للتخلي عن نواياها لتغيير أنظمة الحكم في هاذين البلدين إن هما أظهرا بالقول والفعل عن رغبتهما في أن يصبحا شريكين ايجابيين. لن يجدي أي تشجيع آخر لحكومة هاتين الدولتين، ولذا لن يسفر المؤتمر القادم عن نتائج ايجابية بدون تغيير جذري في إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.
ومهما حاول الرئيس بوش، فانه لن يستطيع عزل العراق عن المشاكل الأخرى التي تقلق الشرق الأوسط. ومن ضمن هذه المشاكل الخطر الكامن في تصعيد الصراع الإقليمي ما بين السنّة والشيعة والنزاع الدموي القائم منذ زمن طويل ما بين إسرائيل والفلسطينيين وهشاشة الوضع السياسي المستمر في لبنان، هذا ناهيك عن تزايد قوى حركات الجهاد وتعبئة صفوف المنظمات الإرهابية المصمّمة علة تقويض الأنظمة العربية المعتدلة والدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا رغبت الإدارة الأمريكية في ذلك أم لم ترغب، فان سوريا وإيران قادرتان على لعب دور مهم في المساعدة على إخماد هذه الحرائق هنا وهناك. وبالرغم من أن للدولتين أجندات إستراتيجية مختلفة، فان علاقاتهما
الثنائية مع الولايات المتحدة قد تخدم مصالحهما الوطنية المتباعدة حتى ولو نتج عن ذلك إبعاد دمشق عن طهران، الأمر الذي سيكون على أية حال لصالح واشنطن.
أنا لا أزعم هنا بأنه بإمكان الإدارة تغيير الديناميكية السياسية في المنطقة بضربة واحدة. كلا، فحتى مع أحسن النوايا على كلا الجانبين قد يكون إصلاح العلاقات ما بين واشنطن وطهران في منتهى الصعوبة والتعقيد. لقد تعرّضت العلاقة بينهما خلال الثمانية والعشرين عاما الماضية للكثير من التجريح والقسوة. ولكن إذا أرادت الإدارة التوصّل ولو حتى إلى نجاح متواضع في العراق، فإنها لن تستطيع تحقيق هذا الهدف بإرسال المزيد من القوات العسكرية وتبني إستراتيجية جديدة مقتصرة على العراق. على الإدارة بدلا من ذلك أن تبدأ في تسوية خلافاتها مع إيران، بما في ذلك حلّ مشكلة البرنامج النووي الإيراني الذي لن تتخلى عنه إيران أبدا قبل أن تنتهي العداوة بينها وبين الولايات المتحدة. كما ويجب على الإدارة أيضا إصلاح علاقاتها مع سوريا التي تتطلّع أكثر من أي وقت مضى لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة ومستعدة للتعاون بدون شروط مسبقة كما أخبرني بذلك مرارا وتكرارا سفير سوريا لدى واشنطن، السيد عماد مصطفى.
أما العنصر الأساسي الثالث لإنهاء العنف في العراق فقد تأتي به الاتفاقية الأخيرة التي وافقت عليها الحكومة العراقية من حيث المبدأ والمتمثلة في تمرير قانون وطني يقرّر ويحدّد توزيع الإيرادات النفطية بحيث يتم توزيعها بالعدل والإنصاف بين المحافظات العراقية على أساس المعطيات الديمغرافية في كل منطقة. سيقطع تمرير هذا القانون شوطا كبيرا على طريق إنهاء نزاع وثورة السنّة. وعلى الإدارة ألا تبخل بأي جهد لضمان قيام البرلمان العراقي بتمرير هذا القانون كأحد قوانين العراق الأساسية. إنها بذلك تضمن بقاء ثلاث محافظات سنيّة اقتصاديا على قيد الحياة. إضافة إلى ذلك، بدون تكثيف إعادة تعمير العراق والبحث عن حلّ سياسي لن تستطيع أية قوة عسكرية أن تضع نهاية للعنف وتكبح جماح الثورة. فما زال العراقيون حتى بعد أربعة أعوام من الحرمان والجور الفظيعين يعانون من نقص الخدمات الأساسية وفوق كل شيء استمرار قلقهم الشديد حول أمنهم الشخصي.
لقد أكّد لي سفير العراق لدى الأمم المتحدة، السيد حامد البيّاتي، في حديث مطوّل أجريته حديثا معه بأن الصراع السني – الشيعي ليس مرضا مستوطنا في
العراق بل ظرفيّا تسبّبت به أخطاء كثيرة حدثت مباشرة بعد احتلال العراق. انه يتّفق معي بالرأي بأن الحديث مع جيران العراق وإيجاد صيغة عادلة لتوزيع النفط والإسراع في إجراءات إعادة الاعمار والبحث عن حلّ سياسي ستشكّل جميعها طرقا لإنهاء العنف وترك العراق بسلام مع نفسه.
يبدو أن مختلف العناصر التي بإمكانها أن تجلب الهدوء والسلام إلى العراق قد بدأت الآن تأخذ مكانها، غير أن السؤال هو: هل ستنتهز الإدارة الأمريكية هذه الفرصة وتظهر ليس فقط عضلاتها العسكرية بل وأيضا عضلاتها الدبلوماسية لتحقيق أفضل النتائج للعراق وللمنطقة بأكملها.