مغادرة أولمرت المشّرفــــة
4 آب (أغسطس ) 2008
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
في صحوة الأسبوع الماضي لإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عن استقالته، رحب العديد من الجمهور الإسرائيلي ووسائل الإعلام الإسرائيلية بقراره التنحي عن منصبه في شهر أيلول (سبتمبر) القادم وسط اتهامات بالفساد. وعلى الرغم من عيوب أولمرت ونقاط ضعفه، فقد كان يحمل وصاية حزبه كاديما في السّير في نهج السلام، وهو خيار يجب ألاّ ننكر عليه عظمته أو نقلّل من شأنه كمحاولة أخيرة لصرف انتباه الرأي العام عن مشاكله الشخصية. وحيث أن الإسرائيليون يواجهون الآن تهديدات من عدة جبهات، عليهم أن يركزوا الآن اهتمامهم القومي لمجابهة هذه التهديدات ولا يسمحوا بالمشاحنات السياسية الداخلية في السباق على منصب رئيس الوزراء أن تحجب الجدل حول المخاوف الأمنية الوطنية الحرجة. فعلى من يخلف أولمرت على منصب رئاسة الوزراء أن يوضّح بشكل لا لبس فيه أبداً بأن إسرائيل كدولة قد جعلت من السلام خياراً استراتيجياً ويجب أن يبرهن للعالم بقوة وتصميم أكبر بأنه يسعى فعلاً لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
يحق للعرب والإسرائيليين على السواء أن يكونوا متشككين حول أي من اللاعبين المشاركين في العملية السلمية، أكان ذلك بوش أم الأسد أم أولمرت أم عباس. ولديّ شكوكي أيضاً حول ذلك. فأنا شخصياً لم أعتقد أبداً بأن مؤتمر أنابوليس للسلام قد يفضي بنتائج في نهاية هذه السنة، وذلك ليس بسبب سخريتي أو تشاؤمي أو عدم الثقة في أي من اللاعبين السياسيين على الساحة، بل لأنه وبكل بساطة لا يوجد الوقت الكافي للتوصل إلى اتفاقية بمثل هذا التعقيد، خصوصاً وأن العواطف تلعب هنا دوراً مهماً والثقة في الواقع تكاد تكون معدومة ما بين الطرفين.
يميل الكثير من الإسرائيليين إلى النسيان بأن آرييل شارون قد أنشأ حزب كاديما لغرضٍ عاجل وهو التقدم في عملية السلام بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية. وأولمرت من حيث المبدأ قد أخذ على عاتقه رسالة شارون وكان سيشرع بمفاوضات السلام مع سوريا في وقت مبكّر جداً لو لم يكن يعارض ذلك وبشدة الرئيس بوش الذي يشعر أولمرت بأنه مدين جداً تجاهه. لقد كنت دائماً أؤيد أية جهود للسلام، وذلك بصرف النظر عمّن يقوم بها أو تحت أية ظروف تبذل مثل هذه الجهود. فأخذاً بعين الإعتبار الوضع المعقّد جدّا ً للصراع العربي – الإسرائيلي
والضريبة المستمرة التي ينتزعها هذا الصّراع من أرواح ٍ بشرية ومصادر مادية،فإن أي تقدّم يتم التوصل إليه ما بين إسرائيل وخصومها هو أفضل من الحصول على "لا شيء". وأولئك الذين يتهمون أولمرت بأنه يقدم تنازلات هامة تمس بأمن إسرائيل القومي لصالح الوصية التي ورثها عن خلفه لا يدركون النظام المعقد للرقابة والموازين المتأصل في النظام السياسي الإسرائيلي. إسرائيل دولة ديمقراطية، ولا يستطيع أولمرت أن يعطي شيئاً للفلسطينيين أو السوريين بدون مشورة وموافقة حكومته والبرلمان. ولكن إذا كان بإمكانه دفع عملية السلام إلى الأمام، مهما بدا ذلك ضئيلاً أو هامشياً، يستطيع خلفه أن يبني على ذلك. وخلافاً لما قام به إيهود باراك في شهر يناير (كانون ثانٍ) عام 2001، فإن أولمرت لم يقدّم تنازلات كبيرة للفلسطينيين أو السوريين كما فعل باراك ليلزم خلفه آرييل شارون بالعملية السلمية.
بعد ستين عاماً من الصراع الدامي والأحوال المتفجرة في الشرق الأوسط مع إيران التي تهدد وجود إسرائيل وفي سباقٍ مع الزمن لامتلاك الأسلحة النووية، لا أعتقد بأن بوسع إسرائيل أن تنتظر قدوم القائد المثالي ليصنع سلاماً تحت ظروف مثالية. فالسلام مع سوريا قد يغيّر بطريقة جذرية خريطة المنطقة السياسية والأمنية لصالح إسرائيل. إقامة سلام مع سوريا ليس رفاهية أو كماليات، بل ضرورة قومية ملحّة. على إسرائيل أن تعيد مرتفعات الجولان، الآن أو بعد خمسة أعوام أو عشرة أعوام أو حتى بعد مائة عام. يجب أن تعود الجولان لسوريا إذا أرادت إسرائيل أن تعيش بسلام. فلماذا إذن لا تتفاوض الآن وتخفض من المخاوف الأمنية التي تخشاها من جارتيها الشماليتين وتحرّر نفسها للتركيز على خطر إيران؟ أنا أعلم من المصدر الأصلي كيف بدأت المفاوضات بين إسرائيل وسوريا وأنا أعتقد جازماً بأن هذا كان الصواب بعينه بصرف النظر عن مشاكل أولمرت الشخصية وعيوبه، وبالأخص بعد مجريات حرب لبنان الثانية. وكان مبعوثو أولمرت الشخصيين إلى المفاوضات مع سوريا حريصين كل الحرص على عدم إلزام إسرائيل بتفاصيل محددة قبل أن يدركوا ماذا يريد السوريون أن يفعلوا بدقة مقابل تسليمهم الجولان.
وبالنسبة للمسار الفلسطيني، فهل على إسرائيل أن تنتظر بكل بساطة لحين قيام الفصائل الفلسطينية المتعددة بتسوية خلافاتها، مهما كلّف ذلك من وقت؟ أرى أنه على إسرائيل أن تتفاوض مع زعيم فلسطيني معتدل ومنتخب شرعياً ما دام هذا في منصبه وتصنع سلاماً يعتمد على حل الدولتين الذي لا مفر منه. يجب على إسرائيل ألاّ تستغلّ النزاع الفلسطيني الداخلي القائم حالياً بين حماس وفتح كعذر ٍ لتأخير أو تأجيل مفاوضات السلام، بل كسبب لمضاعفة جهودها للتوصل إلى اتفاقية مع أولئك الفلسطينيين المستعدين للالتزام بتعايش سلمي مع إسرائيل.
لدى أولمرت تحفظات كثيرة حول مقدرة مفاوضه الفلسطيني الرئيس محمود عباس الالتزام بالوعود التي قطعها على نفسه، غير أنه قرّر إعادة إشراك الفلسطينيين في عملية السلام، خصوصاً بعد مؤتمر أنابوليس. يبقى حلّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من وجهة نظر أولمرت – التي يشاركه فيها أيضاً الكثير من الإسرائيليين – مفتاح الاستقرار والعلاقات الطبيعية في المنطقة لأن بقاء هذا الصراع بدون حلّ يغذي التطرف ويقوّض أمن إسرائيل القومي. أي تقدم يحصل ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية مهم وجوهري لأنه يدرك الحاجة الماسة لإنهاء هذا الصراع المدمر. فلو انتظر أولمرت لقدوم رئيس الوزراء الذي يخلفه لبدء المفاوضات، لاتُّهِم بأنه سياسيّ غير كفؤ وغير منطقي وغير مدرك للعواقب. ومحادثات إسرائيل السلمية مع الفلسطينيين تحت قيادة أولمرت كانت شرعية وضرورية. وبصرف النظر من سيخلفه على منصب رئاسة الوزراء، يجب على هذا ألاّ يبخل بالوقت أو الجهد للتقدم بالمفاوضات مع الفلسطينيين وتقريب حلّ الدولتين أكثر للواقع وفي نفس الوقت يتابع السلام مع سوريا.