المطلوب من ميتشيل في تعامله مع حماس
بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة
لا شكّ أن تعيين جورج ميتشيل في الآونة الأخيرة مبعوثاً خاصاً عن الرئيس أوباما للشرق الأوسط يعتبر إشارة إيجابية لالتزام الرئيس الأمريكي بالمنطقة، مشيراً بمضمونه بأنه سيكون هناك إشراك أمريكي فوري ومباشر في المفاوضات العربية الإسرائيلية. ويُنظر إلى ميتشيل – وهو مهندس اتفاقية الجمعة العظيمة بين الأطراف المتناحرة في إيرلندا – على أنه وسيط أمين ومفاوض صلب من الدرجة الأولى. إنه مدافع قوي للحلول الدبلوماسية، غير أن نجاحه سيعتمد أولاً وآخراً على السلطة المخوّلة له لإتمام مهمته. وسيكون الدّعم التام له من قبل الرئيس والإشتراك والتنسيق مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون شرطين أساسيين لأية نتيجة يتمكن ميتشيل من التوصل لها.
ومن أكثر القضايا الملحة التي على السيد جورج ميتشيل معالجتها هي "ما العمل بحماس"، وبالأخص في صحوة حرب غزة. هناك العديد من الإسرائيليين اللذين موقفهم السياسي على يمين الوسط يعتقدون بأن حماس – بصفتها منظمة إرهابية عازمة على تدمير إسرائيل – غير قابلة مطلقاً للإصلاح أو التغيير ولذا يجب تدميرها. غير أن هؤلاء الناس يركضون وراء هدف لا يمكن الوصول إليه محاولين حجب الحقيقة ومغضّين الطرف عن الظروف القائمة على تغيير حماس ومصيرها السياسي. ولو نظرنا إلى الوراء، لوجدنا أن نفس الشيء قد قيل كذلك في منظمة التحرير الفلسطينية، غير أن المنظمة قد تغيّرت بمرور السنين مع الظروف وحلول الوقت الذي جعلها تختار حلاً سياسياً بدل الاستمرار في المقاومة التي لا جدوى منها. أما الجدل القائل بأنّ إيديولوجيّة حماس – خلافاً لمنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية – تستند إلى الدين وليس من المحتمل أن تتغيّر، هو قول يجب قياسه بخيار حماس النهائي وهو البقاء سياسياً على قيد الحياة. إن حماس حركة شعبية ولن تموت موتاً طبيعياً. لقد أظهرت حرب غزة بما فيه الكفاية بأن حتى قوة إسرائيل العسكرية الهائلة – إذا ما قورنت بقوة حماس – لها حدودها لأن حماس "مغروسة" بعمق في المجتمع المدني وقد أصبحت جزءاً من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، وقد أثبتت مقدرة هائلة للحكم النزيه والواقعية. يريد الحمساويون البقاء في السلطة ويبحثون عن الفرصة المثالية للإستيلاء على السلطة في الضفة الغربية أيضاً، ولكنهم يدركون أيضاً حدودهم. قد تكون حرب غزة الأخيرة قد وجّهت ضربة شديدة لحماس لكي تدرك بأن الأحداث والمد السياسي على أرض الواقع تزداد ضدهم وقد يكون التغيير في الاتجاه ضرورياً للبقاء سياسياً على قيد الحياة.
لقد أحدثت حرب غزة انشقاقاً حاداً بين قيادة حماس السياسية في دمشق التي كانت تنادي بمواصلة المقاومة وقادة حماس في غزة الذين عانوا من وطأة الهجوم الإسرائيلي الكاسح عليهم وكانوا ينظرون إلى نهاية الاجتياح الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن. وفيما عدا الاحتجاج ضد الحملة العسكرية الإسرائيلية، لم تقم أية دولة، بما في ذلك إيران، لنصرة حماس، هذا إذا صرفنا النظر عن إرسال بعض التبرعات المالية وهذه حقيقة قد تكون أيقظت حماس لواقع مؤلم. ومصر المصمّمة على ألاّ تسمح لحكومة تعتبر فرعاً من الإخوان المسلمين أن تكون جارة لها، لم تخفِ سرّاً تأييدها للهجوم الإسرائيلي ومارست ضغطاً لا يقاوم على حماس لقبول هدنة بشروطها. إضافة إلى ذلك، لقد واصلت مصر ممارسة ضغوطاً على حماس لحملها على قبول حكومة وحدة وطنية مع فتح. ويشكّل الاجتماع الأخير الذي عقد بين ممثلي حركة حماس والسلطة الفلسطينية في القاهرة مؤشراً إيجابياً أولياً وأفقاً جديداً لعملية سياسية نشطة.
أما بالنسبة للملكة العربية السعودية التي تخشى طموحات إيران في أن تصبح القوة المهيمنة على المنطقة، فهي تنتقد علاقات حماس الوثيقة مع طهران، متهمة إياها بتقويض مصالح الأمن القومي للدول العربية السنيّة. ويمارس السعوديون ضغطاً صامتاً على حماس لحملها على ترك مؤيديها الإيرانيين والعودة إلى الحظيرة العربية. أضف إلى هذه المعطيات كلها أن الفلسطينيين في الضفة الغربية بقوا صامتين نسبياً خلال فترة الحرب على غزة بأكملها باعثين بذلك إشارة شؤم أخرى لحماس حول تصميمهم على التخلي عن المقاومة المسلحة لصالح حلّ سياسي. هذا ومن المحتمل أن تضيف الجهود المنسّقة – التي تقوم بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل لمنع شحنات الأسلحة جوّاً وبحراً وبراً عن طريق الأنفاق الحدودية بهدف حرمان حماس من إعادة تسليح نفسها – مزيداً من الضغط على حماس لتعديل استراتيجيتها بعيدة المدى. والسؤال هو كم سيؤثر ذلك كله على تغيير اتجاه حماس. الجواب نجده بالتأكيد في مستوى وثبات إشراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وإسرائيل في بناء بنية جديدة للسلام تشمل حماس وتعتمد على الواقع المتغيّر في غزة وخيارات حماس الفعلية.
لا يمكن تجاهل حماس. فما أن تنضم مع السلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة وتوافق إلى حدّ كبير على احتضان مبادرة السلام العربية (التي تعتبر مُعادِلةً للاعتراف بإسرائيل) مع بقاء الهدنة مستقرة، على الولايات المتحدة حينئذٍ إعادة النظر في موقفها تجاه حماس. ففي الوقت الذي تفتح فيه الولايات المتحدة الأمريكية حواراً مباشراً مع سوريا قد تشعر حماس بأنها مهمّشة وتأخذ بعين الاعتبار ضرورة انضمامها إلى حدٍّ ما للعملية السياسية. وللتذكير، قد شدّد السيد
جورج ميتشيل في إيرلندا على ضرورة التفاوض والتعامل مع جميع الحركات الراديكالية بهدف حلّ النزاع. وهو يعتقد على نحو جازم بأن على المرء أن يتفاوض مع العدوّ وألاّ يدخر جهداً في التوصل إلى اتفاقٍ سياسي معه. هذا لا يعني بالطبع التسليم بمطالب حماس أو التفاوض معها على مستوى رئاسي. إنه يعني فقط ضرورة سبر واستكشاف جميع الطرق والوسائل قبل قطع الرجاء من إيجاد حلّ سلمي. سيكون ميتشيل بمهمته هذه ملزماً بمعرفة موقف حماس تماماً وبالقيام بما يراه مناسباً، بما في ذلك إمكانية إقحام حماس مباشرة بالحل السلمي.
على الولايات المتحدة وإسرائيل خلال هذه الفترة إتخاذ إجراءات غير عادية لمكافأة الاعتدال وتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية. وهذا أمر ترغب إسرائيل في أن تقوم به الآن أكثر من أي وقتٍ مضى بسبب الهدوء الذي تمكنت السلطة الفلسطينية من الاحتفاظ به طيلة فترة الحرب على غزة. وبالفعل، يجب أن يكون السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين سلاماً شاملاً. ولن يحدث ذلك إلاّ إذا شمل هذا السلام قطاع غزة مع حماس والضفة الغربية.