إئتـــــلاف النافريـــــن
بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة
لقد عبّرت الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في اليوم العاشر من الشهر الجاري وبوضوح عن مشاعر ضجر الجمهور الإسرائيلي فيما يتعلّق بالعملية السياسية، إضافة إلى سخريتهم العميقة بالزعماء المتنافسين. والسؤال الذي يواجه المتنافسين الرئيسيين على منصب رئيس الوزراء وهما زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو من شطرين. هل سيرتقيان إلى مستوى الحدث ويوحّدا القوى ويضعا البلد على الطريق الصحيح، أم هل سيذهب كل منهما إلى طريقه الخاص في محاولةٍ لتشكيل حكومة إئتلافية ضيقة ووضع البلد في طريق اضطراب سياسي شديد.
وسط اتهامات فساد ضد رئيس الوزراء المنصرف إيهود أولمرت وفشل وزيرة الخارجية تسيبي ليفني – التي انتخبت زعيمة لحزب كاديما – في تشكيل حكومة جديدة في شهر تشرين أول (أكتوبر) من العام الماضي أُجبر الجمهور الإسرائيلي على الدخول في انتخابات مبكرة. وكان للأحداث الصاخبة التي جرت خلال السنوات الثلاث الماضية تأثيرها العميق على الجمهور الإسرائيلي مسبّبة بتحول سياسي نحو اليمين من الوسط. ومن ضمن هذه الأحداث حرب صيف عام 2006 التي لم تحسم الموقف ضد حزب الله واستفزازات حماس المسلّحة عبر الحدود مع غزة والعواقب الغامضة للحرب على غزة والافتقار الجاد إلى تقدم ملحوظ في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. ونتيجة لذلك كله، فقد توجّه الإسرائيليون على شكل حشود وجماعات لمراكز الاقتراع مصوّتين لأحزاب على يمين الوسط في الخارطة السياسية من التي تنادي بوقفةٍ حازمة تجاه العمليات المسلحة الفلسطينية ولو أنّ الجمهور الإسرائيلي بقي مسانداً لمفاوضات السّلام.
إن ادّعاء نتنياهو بأن الجمهور الإسرائيلي قد وافق بصورة عامّة على بلوك الأحزاب اليمينية هو صحيح من الناحية الفنية. فاستناداً إلى عدد أعضاء البرلمان الموالين لهذه الأحزاب والتي تضم "شاس" "وإسرائيل بيتنا" بِ 11 مقعداً و 15 مقعداً على التوالي يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة جديدة ائتلافية بأغلبية حوالي 65
مقعداً من أصل (120) مقعداً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). غير أن مثل هذه الحكومة الائتلافية مصيرها الفشل على المدى الطويل، ليس لأنه من المستحيل تقريباً تطوير سياسة متماسكة تجاه الفلسطينيين، بل لأنها على الأرجح ستشكل مساراً تصادمياً لإدارة الرئيس أوباما. وإذا فشلت تسيبي ليفني في المحاولة الأولى في تشكيل حكومة، لن يبقى أمامها خيار سوى التوجه لأفيغدور ليبرمان – زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الذي ينادي علناً بسياسة العزل العرقي ضد الفلسطينيين الإسرائيليين – وعرض منصب مهم عليه، وتبعاً لذلك منحه دوراً في جميع أمور سياسة الحكومة المستقبلية. وهذا يفترض بالطبع أن يوافق إيهود باراك، زعيم حزب العمل الذي احتلّ المركز الرابع في الانتخابات بثلاثة عشر عضواً فقط في البرلمان الإسرائيلي، على الانضمام لهذه الحكومة مع ليبرمان كشوكة كبيرة على جانبه. لقد أجبرت النتيجة المخيبة للآمال بالنسبة لحزب العمل – وبالأخص في صحوة حرب غزة التي كان يُعتقد منها أن تعطي باراك دفعة إلى الأمام- قادة الحزب إلى إعادة تقييم مصيرهم السياسي. قد يتخذوا قراراًٍ للبقاء في المعارضة مع أملٍ ضعيف في إعادة بناء القاعدة، أو الانضمام لحزب كاديما لخلق حزب وسط بمفرده وحزب على يسار الوسط والذي سيشكل بلوكاً هائلاً إمّا في المعارضة أو في الحكومة.
الحل الأفضل للبلاد في هذه الأوقات القاسية هو تشكيل حكومة إئتلافية ذات طبيعة علمانية وتتمتع بتأييد قوي في البرلمان (الكنيست). سيكون لمثل هذه الحكومة المكونة من كاديما، الليكود والعمل وميرتس أغلبية صلبة تتكون من (71) عضواً في الكنيست وتكون أمامها فرصة ممتازة لتحكم الفترة الكاملة لها وهي الأربعة أعوام. هذا بالطبع وضع مثالي: ولكن السؤال هنا: هل يستطيع نتنياهو وليفني وضع طموحاتهما الشخصية جانباً ووضع مصلحة الأمة فوق خلافات حزبيهما. توافق الأحزاب الأربعة على القول بأن الحل النهائي للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هو حلّ الدولتين، فهم يختلفون فقط في طريقة الوصول إلى هذا الحلّ.
ففي حين يعتقد نتنياهو بأن على إسرائيل أولاً أن تفتح المجال لتنمية اقتصادية في الأراضي المحتلة وأمن مستقر يؤدي بدوره إلى السلام، تعتقد ليفني بأن السلام فقط هو القادر على تحقيق الأمن والرّخاء الاقتصادي. حزب العمل يساند نهج كاديما بينما تجد ميرتس أقل اهتماماً بكيفية التوصل إلى حل طالما أن هناك حلّ يتم التوصل إليه. أمّا بخصوص المسألة المتعلقة بمن سيكون رئيس الوزراء، فهذه ممكن حلها إذا وافقت ليفني ونتنياهو على شغل هذا المنصب على أساس اتفاقية دورية بينهما بحيث يكون كلّ منهما لمدّة سنتين رئيساً للوزراء ويكون الآخر بالتناوب إمّا وزيراً للمالية أو
للخارجية كما كان الأمر ذات مرّة ما بين حزب العمل والليكود في عام 1984. هذا ومن المفروض على رئيس الدولة شمعون بيريس أن يعمل كلّ ما بوسعه باذلاً كلّ ما لديه من سلطة لإقناع القادة الثلاثة لتلبية نداء الشعب وتشكيل حكومة مستقرة وصلبة تنظر إلى الأمام وتستطيع التعامل مع قضايا الدولة الملحّة.
بإمكان مثل هذه الحكومة الائتلافية أن تطوّر إلى حد كبير علاقات عمل جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فبالرّغم من أن الرئيس أوباما سيبقى ملتزماً بأمن إسرائيل القومي كجميع أسلافه، غير أنه لن يعطي إسرائيل سلطة تامّة لإقرار سياساتها تجاه الفلسطينيين كما يحلو لها وتحت حجة أمنها القومي. ونتنياهو يدرك جيداً بأنه لا يستطيع أن يكون على الجانب الخاطئ للرئيس أوباما وأن للعلاقات الأمريكية – الإسرائيلية الأهمية القصوى، خصوصاً بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار المستمرّة في المنطقة وطموحات إيران النووية. سيكون على أية حكومة إسرائيلية قادمة أن تكون مستعدة لإبداء مرونة في موضوع المستوطنات وأن تقوم في نهاية المطاف بالتنازلات الإقليمية الضرورية لصالح السلام. ولهذا السبب، فإن حكومة إسرائيلية بشركاء ائتلافيين يعارضون تنازلات إقليمية في الضفة الغربية ستعيش إمّا لفترة قصيرة من الزمن أو أنّها ستكون على علاقات متوترة جداً مع الولايات المتحدة الأمريكية.
والآن وقد قال الجمهور الإسرائيلي كلمته، فإن مهمة أولئك الذين يريدون قيادة الدولة أن يصغوا جيداً لما يريده الجمهور فعلاً. إن الإسرائيليين يريدون سلاماً مع الأمن. ولذا على ليفني ونتنياهو إمّا الاستجابة لنداء الشعب أو الزجّ ببلدهم في خضم عملية سياسية مشوشة وموحلة. هذه مسئوليتهم التي لا يستطيعون الفرار منها. وبالنظر إلى المهام المروّعة التي أمامهما، عليهما ألاّ يتحفّظا أو يجبُنا من أجل مكاسب سياسية حزبيّة ضيقة الأفق.