الدّخول في طريق مشؤوم
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولي
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة
قد يجبر انهيار مفاوضات الإئتلاف ما بين زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وزعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني بسبب رفض نتنياهو الإلتزام بحلّ الدولتين قد يجبر هذا الأخير على تشكيل حكومة من يمين الوسط بقاعدة ضيقة. ومن المحتمل أن تعيق مثل هذه الحكومة أي تقدّم في مفاوضات السلام أو تنتهي بالتفسخ تحت الضغوط المحليّة والأمريكية الرامية إلى القيام بتنازلات جوهرية في المسيرة السلمية. ويجب على إدارة الرئيس أوباما أن تبقى واضحة وضوح نور الشمس في سعيها وراء حلّ الدولتين لمنع مزيد من التصعيد في النزاع الذي قد يؤدي إلى تعقيدات إقليميّة لا يمكن الآن التنبؤ بها.
لقد كانت السيدة ليفني على صوابٍ تام برفضها عرض نتنياهو "السّخي" للإنضمام للحكومة التي قد يُمنح حزبها فيها حقائب وزارية هامّة في الإئتلاف الحكومي ولكنه رفض أي تأكيد حول استمرارية مفاوضات السلام. وبالفعل، فأية حكومة إسرائيلية الآن لا تلتزم بحلّ الدولتين تزرع في الواقع بذوراً لإرهاب وعنف لن يتوقفا، الأمر الذي لن يؤدي إلى نتيجة سوى إلى المزيد من جفاء وعداوة الإسرائيليين والفلسطينيين لبعضهم البعض. وحكومة ضيّقة القاعدة على يمين المركز ستؤدي حتماً إلى شللٍ سياسي لأن معظم شركاء نتنياهو في الإئتلاف قد اشترطوا على انضمامهم لحكومته استمرار التوسع في الاستيطان. وشعار نتنياهو بأن إسرائيل يجب أن تحصل أولاً على الأمن قبل السلام هو شعار بكل بساطة غير واقعي، حيث أن العكس هو الصحيح، فالسّلام فقط هو القادر بدوره على توفير الأمن النهائي لإسرائيل. وبالسّعي وراء سياسة نتنياهو تزيل إسرائيل عنها شرعية حقها في الدفاع عن نفسها إذا استمرّت في سياساتها الاستيطانية التوسعية، هذا في الوقت الذي تقوي فيه حماس موقفها السياسي كالمدافع الحقيقي عن الحقوق الفلسطينية. ونتيجة لذلك، فإن إسرائيل تقوّض وبصورة خطيرة مكانتها الأخلاقية وتفقد التعاطف الدولي الذي يكتنفها حيث سيظهر للعالم بأن الفلسطينيين هم الشعب المحاصر وليس الإسرائيليين.
لقد تحرك المجتمع الدولي بعد عملية الرصاص المصبوب بإرساله حشوداً من الوفود الرسمية والزوار إلى غزة. لقد قام بزيارة القطاع الذي مزقته الحرب وزراء خارجية فرنسا وكندا وتركيا والسويد والنرويج وكذلك رئيس وزراء بريطانيا السابق السيد طوني بلير رئيس اللجنة الرباعية الحالية والسيد خافيير سولانا عن الاتحاد الأوروبي والسيناتور جون كيري الذي مثّل مجلس الشيوخ
-2-
الأمريكي. ودلالة أكبر على اهتمام المجتمع الدولي بقطاع غزّة هو مؤتمر الدول المانحة المنعقد في شرم الشيخ في شهر شباط (فبراير) الماضي والذي شاركت فيه 75 دولة ومنظّمة ووعدت بتقديم ما يزيد عن 5 مليارات دولار لإعادة إعمار قطاع غزّة. ومن خلال الزيارات الرّسميّة وتعهدات المانحين وردود فعل وسائل الإعلام بعد حرب غزّة نجد أنّ التعاطف العامّ للمدنيين الفلسطينيين قد زاد بنسبة ساحقة وفاق إلى حدّ بعيد مدى التعاطف مع الجانب الإسرائيلي. وفي الوقت الذي تضرّرت فيه حماس ماديّا ً من جرّاء الحرب على غزّة، فقد خرجت حماس من هذه الحرب مدّعية النّصر لقيامها فقط بمواجهة الهجوم الإسرائيلي الكاسح وأصبحت نوعا ً ما معترفا ً بها كقوّة يجب أخذها في الحسبان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مفاوضات السّلام.
على إدارة الرئيس أوباما أن تبيّن بوضوح ٍ تامّ لإسرائيل بأن التوسّع الإستيطاني يتعارض مع السّلام، وربط المستوطنات بالأمن القومي ليس سوى ستارا ً من دخان لحجب الحقيقة. وآخذة بعين الإعتبار وبكلّ جديّة قضايا إسرائيل المشروعة بخصوص أمنها القومي، على إدارة أوباما أن تبيّن لإسرائيل بإصرار وثبات بأن مصلحة أمريكا الإستراتيجيّة في الشرق الأوسط مرتبطة ً مباشرة بإنهاء الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأنّ تأخير مفاوضات السّلام التي ستؤدي على الأرجح إلى حلّ الدولتين هو أمر ٌ غير مقبول. علاوة ً على ذلك، سيكون من المستحيل مواجهة برنامج إيران النووي بفعاليّة بمعزل ٍ عن هذه المصلحة. ولن يكون هناك تقدّما ً على الجبهة الفلسطينيّة – الإسرائيلية إلاّ بمنع إيران من استغلال النزاع الإسرائيلي – العربي لصالحها وعزل حماس وحزب الله عن طهران. والتقرّب من سوريا في الآونة الأخيرة يعتبر تحرّكا ً حكيما ً من قبل إدارة أوباما ويجب النّظر إليه كجزء من رزمة الإستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة ليس فقط في التعامل مع النزاع العربي – الإسرائيلي، بل وأيضا ً لاحتواء مناورات إيران الإقليميّة.
على الإسرائيليين القلقين على أمن بلدهم توجيه السؤال لأنفسهم عمّا سيحدث خلال فترة العشرة إلى الخمسة عشرة عاما ً القادمة إذا لم يتمّ التوصّل لحلّ الصراع مع الفلسطينيين. إن الوضع الحالي يدفع بكل تأكيد الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء باتجاه المزيد من التطرف وإلى خلق ظروف في كلا المعسكرين تدعو للتشاؤم من المستقبل. إحباط الفلسطينيين يزداد يوماً بعد يوم ويزداد بذلك عدد من يجدون أنفسهم بلا خيار سوى الالتجاء للمقاومة المسلّحة. أكثر من سبعة من أصل عشرة فلسطينيين(70%) وُلدوا حتى الآن في ظل الاحتلال. هؤلاء لا يأبهون بمن هو على صواب ومن هو على خطأ، بل يعرفون شيئاً واحداً: الاحتلال بكل أشكاله أمرٌ لا يطاق وهم عازمون على إنهائه. إنهم
-3-
يشاهدون كلّ يوم عمليات الاستيلاء على أراضيهم، هذا في الوقت الذي يعيشون ويعملون تحت إذلال الاحتلال في كل ناحية يتجهون إليها. وبالنسبة لإسرائيل، استخدام حماس والعنف كمبرر دون محاولة معالجة السبب الجذري للنزاع لن يجد بعد الآن صدى كما بيّن ردّ فعل المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة على الهجوم الإسرائيلي الكاسح في غزة. والطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن تمارس الدول العربية السنية المذهب بقيادة المملكة العربية السعودية ضغطاً فعلياً على حماس وغيرها من المجموعات والتنظيمات المتطرفة هي إذا علقت الحكومة الإسرائيلية توسيع المستوطنات وقامت بتفكيك جميع البؤر الاستيطانية الغير شرعية ودخلت في مفاوضات سلام جادّة بهدف التوصل إلى حلّ الدولتين.
نأمل أن يقوم السيد نتنياهو بتعديل وجهات نظره عندما يستلم مهام رئيس الوزراء. فإذا شكّل على أية حال حكومة ضيّقة القاعدة من أحزاب يمين الوسط على الخارطة السياسية، فلن يكون قادراً على تعديل موقفه دون المجازفة بانهيار الحكومة. ولا ننس لاءاته الثلاث التي أطلقها خلال فترته الأخيرة كرئيساً للوزراء في أواخر التسعينات من القرن المنصرم حين أكد نتنياهو على: لا انسحاب من مرتفعات الجولان، لا مناقشة حول مطالبة الفلسطينيين بجزء من القدس ولا مفاوضات تحت شروط مسبقة. وبناءً عليه، يجب ألاّ تسمح إدارة أوباما بهذه الأيديولوجية أن تكرّر مرة أخرى ويجب أن يكون للرئيس الحالي رؤية واضحة واستراتيجية واقعيّة بالنسبة للعملية السلمية لدفعها بقوة إلى الأمام. هذا لن ينهي فقط الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بل سيحافظ أيضاً على أمن إسرائيل القومي النهائي.
___________________________________________________
___________________________________________________