لا شيء ينتظر العنف والتطرّف سوى الهزيمة
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
لن يغيّر موت أسامة بن لادن على المدى القصير طبيعة التهديد الذي تشكّله القاعدة والمجموعات المنتسبة اليها. وموت بن لادن في الواقع، مصحوبا ً "بالربيع العربي" الذي تحرّكه قوى وطنيّة – لا قوى إسلاميّة كما يزعم البعض – قد يغري أتباع بن لادن لتعزيز جهودهم لمهاجمة أهداف غربيّة لكي يبيّنوا للعالم بأن الحركة الجهاديّة العالميّة ستبقى قوّة فعّالة رغم موت زعيمهم. ويتبيّن على أية حال من ردّ فعل العالم العربي – الذي كان صامتا ً إلى حدّ كبير على موت بن لادن – بأنّ ايديولوجيّة القاعدة في طريقها إلى الزوال. وموت بن لادن يقدّم لحظة رمزيّة لانتهاز الفرصة من طرف اللاعبين السياسيين البارزين في المنطقة. عليهم جميعا ً الآن الإستفادة من هذا الوقت لإعادة تقييم ومعايرة الوسائل التي يسعون بواسطتها إلى مصالحهم وكذلك مواقفهم وعلاقاتهم الإقليميّة: من الولايات المتحدة مرورا ً بإسرائيل فالباكستان ودول "الربيع العربي" وصولاً للمجموعات الإسلاميّة مثل حماس.
قد تكون أهميّة رمزيّة موت بن لادن أكثر وضوحا ً في الولايات المتحدة التي خطّط ونفّذ فيها الرأس المفكّر للقاعدة هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) التي أودت بحياة ما يزيد عن 3.000 أمريكي. موت بن لادن يقدّم الآن فرصة ً للرئيس أوباما ليشرع الآن في تحريك سياسات أعلنها قبل أكثر من سنة تتلخّص في تخفيض التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان، البلد الذي مزّقته الحرب، هذا بعد أن توصّل الآن لأكبر هدف ٍ حرج انطلقت بسببه الحرب ألا وهو بتر رأس قيادة وفعّاليّة القاعدة والمجموعات التابعة لها. واكتشاف المستندات التي تمّ العثور عليها في المبنى الذي كان يقيم فيه بن لادن وأسرته في أبوت أباد من شأنه أن يؤدي للمزيد من عمليّات التقدّم الإستخباراتيّة والعسكريّة. ويستطيع الرئيس أوباما في أعقاب هذه الإنجازات أن يبدأ بكلّ ثقة بسحب قوات أمريكيّة. ولكن عند قيامه بذلك، عليه أن
-2-
يتأكّد بأن العناصر الرئيسيّة لاستقرار المنطقة لن تتأثر أبدا ً من هذه الإنسحابات. وعلى الولايات المتحدة أن تشجّع الحوار ما بين الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وطالبان حتّى لو استمرّت في اقتفاء أثر قادة القاعدة اللذين ساندتهم طالبان وقدّمت لهم المأوى. يجب أن يكون أساس أيّ انسحاب أمريكي اتفاقيّة يتم ّ التفاوض عليها مع حركة طالبان بشرط أن تضمن هذه الإتفاقيّة: 1) عدم السماح للقاعدة بالعمل انطلاقا ً من الأراضي الأفغانيّة، 2) الحفاظ على الحدّ الأساسي من حقوق الإنسان والكرامة لجميع سكّان أفغانستان، و 3) الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار الدولة المجاورة المسلّحة نوويّاً، وهي الباكستان.
لقد وُضعت العلاقة الأمريكيّة – الباكستانيّة موضع الشكّ والتساؤل الشديد اللهجة في صحوة العمليّة التي قتلت أسامة بن لادن. وملاحظات الرئيس أوباما الأخيرة بأنّه من المحتمل أن يكون بن لادن قد تلقّى مساعدة من قبل شبكة دعم في الباكستان وحقيقة أن مقرّ إقامته قد وجد على مسافة ٍ ليست بعيدة كثيرا ً عن مكان تدريب عسكري رئيسيّ يوجّه أسئلة مشروعة فيما يتعلّق بصدق ونزاهة القيادة العسكريّة الباكستانيّة، إن لم يكن أيضا ً بكفاءتها، وبالأخصّ مديريّة استخبارات الخدمات الداخليّة (ISI ). ما زالت الولايات المتحدة الآن على ارتباطها. فالفشل في الإبقاء على علاقة عمل وثيقة مع الباكستان – بما في ذلك المساعدة السنويّة البالغة 3 مليارات دولار التي يقدّمها الكونغرس الأمريكي للجيش الباكستاني – والإنسحاب من أفغانستان ستصبح مهمّات أصعب بكثير. أضف إلى ذلك، فإن الإستقرار السياسي الشديد التؤثّر في الباكستان وأسلحتها النوويّة تتطلّب انتباها ً أمريكيّا ً شديدا ً لضمان عدم وقوع هذه الأسلحة في أيدي إرهابيين.
والآن، وحيث أنّ الولايات المتحدة تعيد النظر في سياساتها تجاه الباكستان، فإن المسئولين في إسلام أباد تحت أضواء ٍ أمريكيّة ساطعة. ففي مقابلة معه عام 2008 صرّح الجنرال الباكستاني بيرفيز مشرّف – الذي أصبح رئيسا ً للباكستان – في البرنامج التلفازي "60 دقيقة": " نحن لا نبحث بصورة خاصّة عن أسامة بن لادن، بل نعمل ضدّ الإرهابيين والقاعدة وجماعات طالبان المسلّحة. وفي هذه العمليّة، كما يبدو، قد نبحث عنه أيضا ً". لا يجوز قبول مثل هذه الأجوبة الغير مقنعة بعد الآن، لا بالنسبة للولايات المتحدة ولا للباكستان، إذا قُدّر لعلاقاتهما أن تدوم. على الباكستان أن تدرك بأن المدّ في المنطقة يتّجه نحو التيار الوطني العربي وتقويته، بعيدا ًعن الإسلام. ولكي يبيّن الباكستانيّون بأنهم مع هذا التيّار، عليهم الإدلاء بتصريحات عن وجود شخصيّات إرهابيّة مثل زعيم القاعدة رقم 2 أيمن الظواهري وآخرين يُحتمل أن يكونوا في مخابىء مماثلة في ضواحي سكنيّة لا تثير الشبهات
-3-
ضمن مناطق الباكستان. إنّ لدى الباكستان بلا شكّ مخاوف أمنيّة مشروعة في أفغانستان، ولكن عليها الآن أن تعمل مع الولايات المتحدة متجاوزة ً كلّ الخلافات بينهما للوصول إلى حلّ لأفغانستان، هذا البلد الذي مزّقته الحرب، بما يلبي الأهداف الأمريكيّة والباكستانيّة. لا تستطيع الباكستان أن "تلعب على حبلين" في آن ٍ واحد. والرسالة التي على إدارة أوباما توجيهها للباكستان في هذا الخصوص يجب أن تكون صارخة وواضحة وضوح الشّمس.
إنّ الدلائل التي تشير بأنّ ايديولوجيّة أسامة بن لادن قد فشلت في الشرق الأوسط ظاهرة ً في جميع أرجاء المنطقة. كان هناك احتجاجات متفرّقة وعفويّة ضدّ قتله من قبل قوّة أمريكيّة خاصّة، غير أنّ معظم الشباب كانوا منشغلين في احتجاجات أخرى ضدّ حكامهم الفاسدين. ومن الأمور التي يمكن التنبّؤ بها هو أنّ رسالة بن لادن للشباب ليثوروا ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل وإعادة الشريعة الإسلاميّة لبلدان المنطقة قد تمّ تجاهلها كليّا ً. "فالربيع العربي" الحالي كان محوره الأساسي الإنتفاضة ضد حكّام المنطقة المستبدّين اللذين لم يوفّروا لشعوبهم الإمكانيّات والحريّات التي يتمتّع بها الغرب، وهذا ما كان يكرهه بن لادن. والذي قام في الوقت الحاضر بالدرجة الأولى بتنظيم الإحتجاجات في جميع أرجاء المنطقة هو استخدام أدوات التقنية الحديثة التي طوّرها الغرب مثل الفيسبوك والتويتر. هذه كانت نتيجة احتجاجات سلميّة خالية من العنف.
يطالب السوريّون في الوقت الحاضر بالتغيير، ليس بوسائل التفجير الإنتحاريّة التي تمارسها القاعدة بل بالهتاف في الشوارع منادين "سلميّة، سلميّة !". على بلدان المنطقة التي تجري إصلاحات وكذلك الولايات المتحدة أن تأخذ دروسا ً من هذا الرفض لايديولوجيّة القاعدة. وبما أنّ الدّول تخلق أنظمة حكم جديدة، عليها التطلّع إلى الحريّة السياسيّة الحقيقيّة والفرص الإقتصاديّة التي تعيد الكرامة والتي يتوق اليها المحتجون. أضف إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن تكون واضحة ً في مساندتها وتأييدها لتطوير مثل هذه السياسيّات ومعارضتها لأعمال القتل بدون تمييز، ليس فقط للتي تقوم بها قوّات معمّر القذافي في ليبيا، بل وأيضا ً قوّات بشّار الأسد الآن في سوريا.
وأخيرا ً، يجب أن يرسل مقتل أسامة بن لادن رسالة واضحة رمزيّة وفعليّة في آن ٍ واحد للإسلاميين مفادها: لن يكون هناك تسامح مع التطرّف المسلّح في الشرق الأوسط، وليس هناك زعيم إرهابي محصّن ضدّ مصير بن لادن. وعلى حماس، بشكل ٍ خاصّ، أن تعي هذه الرسالة جيّدا ً، وقد تكون إبّان ذلك قد أدركت هذه الرسالة. لقد تصدّر اسماعيل هنيّة –
-4-
أحد كبار زعماء حماس – عناوين الصحف بعد مقتل بن لادن بإدانته قتل بن لادن واصفا ً إيّاه ب " مجاهد عربي مسلم". وجاء استنكار الغرب على تصريح اسماعيل هنيّة سريعا ً، وبالأخصّ لأن حماس كانت تنوي التوقيع مع حركة فتح على اتفاقيّة الوحدة في تحالف ٍ يسعى للإبقاء على المساعدات المالية الغربيّة للجبهة السياسيّة الفلسطينيّة الموحّدة حديثا ً. وبعد مراسم التوقيع على اتفاقيّة الوحدة في القاهرة بأيّام أصدر زعيم حماس، خالد مشعل، المقيم في دمشق رسالة ً أكثر اعتدالاً يقول فيها: " نحن نتكلّم الآن عن أجندة وطنيّة مشتركة، وعلى العالم أن يتعامل مع ما نعمل باتجاهه الآن وهو البرنامج السياسي الوطني … دولة فلسطينيّة في حدود عام 1967 مع القدس عاصمة لها وخالية من أية مستوطنات ومستوطنين وبدون مقايضة شبر ٍ واحد من الأراضي على أساس مبدأ تبادل الأراضي واحترام حقّ العودة". وعندما سئل على أية حال إذا كانت الإتفاقيّة على طول هذه الخطوط ستعتبر نهاية الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني أجاب مشعل:" لا أريد أن أتكلّم حول ذلك !". ولكن إذا أرادت حماس أن تبقى كيانا ً سياسيّا ً يسعى لتحقيق الطموحات الوطنيّة للشعب الفلسطيني، سيكون لزاما ً على مشعل الإجابة على هذا السؤال. إنّ التحوّل من منظمة إرهابيّة إلى منظمة سياسيّة يتطلّب نبذ العنف وإزالة البند الذي يدعو لتدمير إسرائيل في ميثاق حركة حماس.
وفي نهاية الأسبوع الماضي عند إدراكه بأنّ المساعدة الماليّة الدوليّة للسلطة الفلسطينيّة في خطر إذا بقيت حماس محتفظة بوجهات نظرها المتصلّبة ودعمها للعنف، أصدر خالد مشعل نبرة ً أكثر اعتدالا ً وليونة ً حتّى من سابقتها بقوله: &