جماعة الإخوان المسلمين في مصر: بين فهم الناس لهم والحقيقة
إن من يستخلص استنتاجات متسّرعة بأن مصر بقيادة الإخوان المسلمين ستصبح قريباً بلداً إسلامياً على نمط المملكة العربية السعودية أو النظام القمعي في إيران لا يقدّر في الواقع لا تميّز مصر عن غيرها من البلدان ولا تاريخها العريق. الشيء الوحيد الذي تُنتقد عليه جماعة الإخوان المسلمين هو تصريحاتهم العلنية المعادية للأمريكان والإسرائيليين عندما كانوا جماعة مضطهدة في معارضة شديدة لنظام الرئيس المخلوع مبارك، ولكن الوضع الآن يختلف كلياً عن الماضي عندما أصبحوا الآن يحكمون البلد.
ولتبقى جماعة الإخوان المسلمين في الحكم وتضمن نجاحها عند إجراء الإنتخابات التشريعية الجديدة، عليهم تبني سياسة خارجية ومحلية متوازنة والعمل الجاد على تغيير فهم العالم الخارجي لشكل نظام حكمهم الإسلامي المتشدّد. ويدرك الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، بأن عليه مواجهة الواقع والتركيز على التنمية الاقتصادية وتجنب المغامرة بالحفاظ على السلام مع إسرائيل والإبقاء على علاقاتٍ جيدة مع الولايات المتحدة. وتبقى هذه الواقعية السياسية متوافقة مع رغبة مرسي المعلنة في التأكيد على دور مصر واستقلالها. إنه يؤكد أنه في الوقت الذي لن تكون فيه مصر معادية للغرب، وبالأخصّ للولايات المتحدة، لن تكون مذعنة ومطاوعة كما كانت تحت قيادة مبارك، وستعمل في نفس الوقت على إعادة قيادة مصر الفذة في العالم العربي.
تحتفظ مصر بميزة متعددة الأوجه ليس لها مثيل بين الدول العربية الأخرى، فمصر أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان (ما يقارب 80 مليون نسمة) معظمهم من المذهب السني المتماسك وأقلية واحدة معتبرة وهم الأقباط المسيحيون، وهي بعيدة عن المجتمعات القبلية و/أو الطائفية المنكوبة بالصراعات الطائفية مثل ليبيا وسوريا والعراق والبحرين. أضف إلى ذلك، لمصر تاريخ طويل وعريق يمتد لقرابة 5000 سنة يفخر به المصريون وكذلك نظرة تاريخية لا تُضاهى حول الإعتداد بأنفسهم كشعب حضاري. والإستمرارية السياسية في مصر تستمد جذورها من التوجه الفرعوني الذي يتركّز على قيادة قوية والذي ظهر بشكل خاص في فترات الحكم المعاصر لمبارك والسادات وناصر. زد على ذلك، فبالرغم من تغيّر الديناميكية السياسية في مصر، ما زال هناك رغبة قوية في رؤية قيادة قوية وفعالة تنبثق من الثورة ما دامت هذه القيادة تناضل من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية للثورة، وهي الحرية السياسية وحقوق الانسان والتنمية الإقتصادية. وأخيراً، فإن دور مصر القيادي والتاريخي في العالم العربي ينبع من حضارتها الفوق عادية التي احتضنتها عبر آلاف السنين ودورها التقليدي كزعيمة الدول العربية وكونها موطن جامعة الدول العربية ومضيف شبه دائم لمؤتمرات القمة العربية.
وبالرغم من وقوع مصر في قلب منطقة مضطربة، ليس لديها أي أعداء خارجيين، فقطاع غزة لا يشكّل أي تهديد لمصر لأن مصر تمارس نفوذاً قوياً على حركة حماس، ولا تواجه أي تهديد من جارتها الجنوبية الفوضوية، وهي السودان، وتتمتع بسلامٍ مع إسرائيل. وبالرغم من أن هناك بعض الأصوات في مصر التي تطالب بضرورة تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل، غير أن حكومة مصر الحالية تبقى ملتزمة بالحفاظ على معاهدة السلام التي خدمت مصالح مصر الوطنية وعملت بمثابة مرساة للإستقرار الإقليمي. أضف إلى ذلك كله، فالسلام مع إسرائيل يضمن استمرار المساعدات الإقتصادية والعسكرية والدعم السياسي التي لا تستطيع أية حكومة مصرية، مهما كانت توجهاتها السياسية أو معتقداتها الدينية، أن تتخلّى عنها.
والجديد ذكره بهذا السياق أن تصوير إسرائيل على أنها المتهم الرئيسي وراء محن ومشاكل مصر كما كانت تفعل الحكومات السابقة في محاولةٍ منها لصرف أنظار الشعب وتغطية تقصيرها في الماضي والحاضر لم يعد يجدي. وبالفعل، فإن جماعة الإخوان المسلمين يدركون جيداً بأن سخط الشعب من خلال الثورة كان موجهاً لنظام مبارك وليس لإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية. لقد طالب الشعب بالحرية والخدمات الاجتماعية المناسبة والعدالة التي لم يعد بالمقدور حجبها باتهام إسرائيل على أنها سبب مأساة مصر. وبالرّغم من أن الجيش المصري سيبقى مؤسسة قوية، غير أنه ليس لديه السبب أو الدافع لتحدّي إسرائيل التي تربطه بها علاقات تعاونية. بل على العكس من ذلك، يريد الرئيس محمد مرسي أن يبني على الإتفاقية مع إسرائيل بإيجاد حلّ للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي لن ينهي فقط الصراع فحسب، بل سيعزّز أيضاً مكانة مصر ويقوي الإستقرار الإقليمي. ففي مقابلة حديثة أجرتها معه جريدة ال”نيويورك تايمز” ربط الرئيس مرسي معاهدة السلام مع إسرائيل بالتزام الولايات المتحدة باستقلال الفلسطينيين وحلّ الدولتين. إنه ذلك التاريخ العريق وذلك الدور التقليدي والواقع الحالي التي ستفرض على الرئيس المصري السعي وراء سياسة متوازنة بما يتناسب مع واقع مصر الصعب.
وبالرغم أن لإسرائيل كلّ الأسباب لأن تشكّك في نوايا الإخوان المسلمين ، وبالأخص بالرجوع إلى افتراءات وانتقادات إسرائيل اللاذعة في الماضي من طرف قادتهم، غير أنه من الحكمة أخيراً أن تقوم إسرائيل بتغيير مفاهيمها تجاه الجماعة وتجد سبيلاً للتواصل معهم. على إسرائيل مواجهة الواقع واتباع سياسة “الاحترام والتشكك” بإعطاء جماعة الإخوان المسلمين الفرصة لإثبات أنفسهم. وفي حين يحاول مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وضع مصر على مسارٍ جديد، فإن ارتقاءهم للسلطة يجبرهم على مواجهة الواقع كما أشرت أعلاه، وإسرائيل حقيقة لا يستطيعون التخلص منها حسب مزاجهم. وفي حين أيضاً أن الثورات في الشرق الأوسط وفي العالم العربي بشكلٍ خاص قد تستغرق عقوداً من الزمن حتّى تهدأ، فإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لا يكون بالتمنّي. وعليه، فلدى البلدين تحت قيادة الإخوان المسلمين فرصة تاريخية للتعاون معاً من أجل إنهاء الصراع.
وبالرغم من العلاقة القائمة بين حماس وإيران والروابط المنهارة ما بين حماس وسوريا تعتمد حماس أكثر من أي وقت مضى على الإخوان المسلمين – اللذين تعتبر فرعاً منهم – للحصول على الدعم السياسي والإستراتيجي. ولقد أعطت الأحداث الدموية الأخيرة في سيناء للإخوان المسلمين فرصة للضغط على حماس لاتخاذ موقف أكثر اعتدالاً تجاه إسرائيل وتجنب أية أعمال استفزازية. وبالفعل لا ترغب جماعة الإخوان المسلمين – كما أخبرني مسئول مصري رفيع المستوى – أن توضع أمام الخيار ما بين مساعدة حماس ضد إسرائيل أو ترك حماس لنزوات إسرائيل في حالة حدوث صراعٍ دموي بين الطرفين. ستضع كلا الحالتين جماعة الإخوان المسلمين في وضعٍ صعبٍ جداً.
لهذا السبب نصحت الجماعة حماس أن تتخذ موقفاً معتدلاً تجاه إسرائيل ومارست ضغطاً على حماس للتخلي عن العنف كأداة لتحقيق أهدافها السياسية المتمثلة في تدمير إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية مكانها. وستكون جماعة الإخوان المسلمين أكثر توقاً للعب دور أكثر فعالية ودوراً مباشراً، وبالأخص إذا أبدت إسرائيل بعض إيماءات حسن النية تجاه الفلسطينيين مثل إطلاق سراح السجناء وتخفيف الحصار على قطاع غزة وإعلان وقف مؤقت للتوسع في بناء المستوطنات وإسناد الفضل للجماعة بصفتها اللاعب الذي يقف وراء مثل هذه التحركات الإسرائيلية.
تأمل الحكومة المصرية تحت قيادة محمد مرسي بالتأكيد أن تشق لها مساراً مستقلاً لكي تقدم نفسها كزعيمة إقليمية متجددة وليس أن تكون فقط قناة توصيل لتمرير المصالح الأمريكية والغربية. ومرسي يعلم أيضاً بأن مصالح مصر الإقتصادية والسياسية والعسكرية تعتمد على الدّعم الأمريكي المتواصل، أكان مباشراً أم غير مباشر. ولكي يبرهن على استقلاله، فقد قرّر مرسي حضور مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في طهران وهي خطوة أثارت كدر الولايات المتحدة. وفي حين أن مرسي من خلال هذا المؤتمر قد استغلّ حضوره لكي يوبخ علناً سوريا ك”نظام قمعي” يصل لدرجة اتهام لدعم إيران العائب لنظام الأسد. وقرار مرسي القيام بأول رحلة دولية له كرئيس للملكة العربية السعودية الغرض منها مزيداً من تهدئة بعض المخاوف حول حكم الإخوان المسلمين حيث أنها تعطي دليلاً آخر بأنه من المرجح أن يقوم مرسي ومجموعة الإخوان المسلمين بالإنضمام إلى المعسكر العربي المعتدل الذي يسعى إلى سلام ٍ شامل مع إسرائيل على أساس مبادرة السّلام العربيّة.
لقد غرست الثورة في مصر شعورا ً من الحريّة في نفوس الشّعب الذي عجّ به ميدان التحرير حتّى بعد سقوط مبارك مطالبا ً بقوّة بتنمية اقتصاديّة وتعليم ٍ أفضل ورعاية صحيّة محسّنة وفرصة للعيش بكرامة. والإستياء الذي يتزايد يوما ً بعد يوم في مصر يبقى على أيّة حال من الأمور المستوطنة حيث يستمرّ الإقتصاد في التردّي بسبب عدم وجود الكفاءات المطلوبة، الأمر الذي يزيد من تفاقم الفقر الجماعي والبطالة.
وبما أنّ مصر ما زالت تعتمد على موارد ماليّة خارجيّة مثل صندوق النّقد الدولي والبنك الدولي، هذا علاوة ً على القروض التي تقدّمها المملكة العربيّة السعوديّة والولايات المتحدة، فإنّه من المستحيل فعليّا ً أن تتخذ جماعة الإخوان المسلمين أيّ إجراء ينحرف بشكل جوهري عن “الوصفات” الغربيّة أو يتعارض مع روح ثورة مصر. وبما أنّ لدى الشّعب الآن الجرأة على الخروج إلى الشارع والتظاهر ولديه الطرق الفعّالة للقيام بذلك، بإمكانه الإطاحة بأية حكومة تفشل في تلبية وعوده.
لقد كانت الثورة المصريّة على طول مسارها أقصر الثورات زمنا ً وأقلّها عنفا ً نسبيّاً واستطاعت أن تحيّد الجهاز العسكري القوي وتحوّله إلى مسار ٍ جانبيّ. وجماعة الإخوان المسلمين تدرك جيّدا ً بأن مستقبل مصر ودور قيادتها سيتقرران نهائيّا ً على ضوء تلبية احياجات الشعب المصري محليّا ً والرغبة بأن تبقى مصر مرساة للسّلام الإقليمي دوليّا ً. ولذا فإن الحفاظ على علاقات ٍ جيّدة مع الغرب ومع العالمين العربي والإسلامي والبحث في نفس الوقت عن سلام ٍ إسرائيلي – فلسطيني لتعزيز أجندة مرسي المحليّة هما أمران مركزيّان لنجاح حكم جماعة الإخوان المسلمين.