يجب أن تتغلّب رؤية السلام على أي فشلٍ محتمل
قد تمنح رحلة الرئيس أوباما للشرق الأوسط الفرصة الأخيرة للرئيس لدفع عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية إلى الأمام التي تعتبر قضية مركزية لاستقرار المنطقة. وبعد فشل مساعيه خلال فترة رئاسته الأولى في صنع سلام ما بين إسرائيل والفلسطينيين، قد لا يرغب الرئيس في استثمار رأسمال سياسي هام في البحث عن حلّ لصراع صعب جداً دون نتيجة أكيدة. وقد يبدو لأول وهلة بأنه لا توجد صلة ما بين الصراعات المحتدمة في الشرق الأوسط – وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحرب الأهلية الرهيبة في سوريا والعنف الذي لا ينتهي في العراق وعدم الاستقرار في مصر والصراع الذي يغلي على نار هادئة مع إيران – وبين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، غير أنّ هذه جميعها مرتبطة بعضها ببعض وتؤثر على بعضها البعض. وإيجاد حلّ لهذا الصراع القابل للإنفجار أمر لا بدّ منه والولايات المتحدة هي القادرة فقط على التأثير وعلى الحث وممارسة الضغط وحتى اللجوء إلى الإجراءات القسرية الضرورية لإجبار إسرائيل والفلسطينيين على القيام بالتنازلات اللازمة والتوصل إلى اتفاقية سلام.
يبرز الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الآن كالقضية الإقليمية الوحيدة الأكثر إثارة للمشاكل والمتاعب لأن المشكل الفلسطيني مستمر في تغذية الجنون العربي، وبالأخصّ في صحوة الربيع العربي. وبالنظر للثورات والاضطرابات الإقليمية واستمرار ضعف وضع الفلسطينيين، فإن لم تطلق الولايات المتحدة مبادرة سلام جديدة، لن يكون الأمر سوى مسألة وقت حتى ينفجر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من جديد مخلفاً أصداءً إقليمية أكثر بعداً مما هو متوقع. ففي بيانٍ له في مدينة براغ خلال أول زيارة أوروبية له قال الرئيس أوباما:” إذا فشلنا في السعي وراء السلام، سيكون للأبد خارج قبضتنا.” لا يستطيع أحد، بما في ذلك الرئيس، أن يتجاهل صراع امتد لأكثر من ثلاثة أجيال في منطقة حيوية جداً المخاطر فيها عالية للولايات المتحدة وحلفائها.
والجدير بالملاحظة أن جميع الأحزاب السياسية في إسرائيل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين قد ركّزت خلال حملة الإنتخابات الأخيرة وبشكل رئيسي على القضايا الإجتماعية والإقتصادية المحلية، في حين أن الصراع مع الفلسطينيين لم يحظَ إلاّ باهتمامٍ ضئيل. وقد قال جون كيري في خطاب اعتماده وزيراً للخارجية أمام مجلس الشيوخ:”كان هناك بالأمس انتخابات في إسرائيل, وأصلي أن تكون هذه لحظة تسمح لنا بتجديد جهودنا للمستوى الذي كانت عليه في السنوات القليلة الماضية. أود أن أجرب وأفعل ذلك.” وجهود السيد جون كيري “لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات والسير في خط مختلف عمّا مضى” يجب ألاّ تكون فقط مجرّد تفكير رغبي. على الولايات المتحدة أن تقيّم بشكل واقعي أين يقف نتنياهو بالفعل -الذي شكّل الآن حكومة الإئتلاف الإسرائيلية الجديدة – من إمكانية حلّ الدولتين ونوع الإجراءات التي ستكون الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذها إذا أرادت أن تقود إسرائيل والفلسطينين نحو تسوية سلمية.
إن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تبشّر بخير بالنسبة لعملية السلام، إذ على رأسها ائتلاف الليكود/بيتنا بزعامة نتنياهو والبيت اليهودي بزعامة نفتالي بنيت الذي يريد ضمّ 60% من الضفة الغربية. سيقوم نتنياهو عند اجتماعه مع الرئيس أوباما بالتظاهر بأنه يدعم حلّ الدولتين وسيبقى بالتأكيد موجهاً بقناعاته الشخصية وسيستمر في اللعب من أجل كسب المزيد من الوقت لأنه لا يعتقد بأن إسرائيل قوة محتلّة وأن الضفة الغربية بكل بساطة جزء لا يتجزأ من أرض أجداد الشعب اليهودي.
الفصائلية الفلسطينية والإقتتال الداخلي بين الفلسطينيين (بالتحديد المنافسة ما بين فتح وحماس) قد زادت من تعقيد إمكانية إجراء مفاوضات سلام حقيقية، وبالأخصّ لأن حماس مستمرة في السعي بشكلٍ علني لتدمير إسرائيل. وهنا، على إدارة أوباما أن تعيد النظر بموقفها فيما يتعلق بالفلسطينيين وكيفية التعامل مع حماس التي لا يمكن استبعادها في النهاية من عملية السلام إذا أرادت الولايات المتحدة السعي وراء سلامٍ دائم.
وفي حين أن المنطق يقول بأن على الإسرائيليين والفلسطيني معالجة مشاكلهم بأنفسهم، غير أن التاريخ قد بيّن لنا بأنهم بكل بساطة كانوا إمّا غير راغبين في ذلك أو غير قادرين على ذلك. وبالفعل، فالصراع يتجاوز الأرض والأمن ومشكلة اللاجئين والمستوطنات أو مستقبل القدس. إنه صراع عاطفي جداً مكسوّ بغطاء من الكراهية العميقة وعدم الثقة ومقيّد علاوة على ذلك بمشاكل سيكولوجية منبعثة من تجارب وخبرات تاريخية ومعتقدات دينية عميقة.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر 2011 قال الرئيس أوباما:”في النهاية هم, الإسرائيليون والفلسطينيون, اللذين عليهم العيش جنباً إلى جنب. وفي النهاية أيضاً هم الإسرائيليون والفلسطينيون – ولسنا نحن – اللذين عليهم التوصل إلى اتفاق حول القضايا التي تفرقهم: حول الحدود والأمن وحول اللاجئين والقدس.” وإذا شعر الرئيس الأمريكي اليوم بنفس الشعور الذي شعر به بالأمس، عليه ألاّ يتوقع اختراقاً في العملية السلمية في وقتٍ قريب، ولكن دور الولايات المتحدة كان دوماً وما يزال أمراً لا غنى عنه أبداً كما يُستمدّ من خطاب جون كيري في شهر آذار/مارس عام 2009 في مؤسسة بروكينغز عندما قال:”في الوقت الذي أومن به بضرورة وجود دور قوي للاّعبين السياسيين الإقليميين، لا شيء يستطيع أن يحلّ محلّ دورنا (أي دور الولايات المتحدة) البالغ الأهمية كعامل نشط وخلاّق لصنع السلام.”
وفي صحوة الربيع العربي حيث يرى الفلسطينيون الشباب والشابات في مختلف الأقطار العربية يناضلون ويموتون من أجل حرياتهم، فإن سلبيتهم النسبية لن تستمرّ للأبد. ففي خطابه بعد منحه جائزة نوبل للسلام في شهر ديسمبر/كانون أول 2009 قال الرئيس أوباما:”لأن السلام ليس مجرد غياب الصراع الظاهر. بإمكان فقط السلام الذي يعتمد على أساس الحقوق والكرامة المتأصلة لكل فرد أن يكون حقاً سلاماً دائماً وثابتاً.” أجل، على الرئيس الأمريكي الآن أن يفي بذلك الوعد. لا يستطيع الرئيس ركل الكرة في الملعب إيذاناً ببدء اللعب ثمّ يترك المنطقة لنزوات قوى أخرى مثل روسيا وإيران المستعدتين لأي شيء من أجل تقويض المصالح الأمريكية وزيادة الفرقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين دون بعث أي أملٍ في المصالحة.
والقول بأنه يجب على الولايات المتحدة ألاّ تغالي في سعيها وراء إيجاد حلّ للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أكثر من أطراف الصراع أنفسهم هو قول خاطىء، إذ أنّ الافتقار للسلام سيستمرّ في تآكل المصالح الأمريكية والنفوذ الأمريكي في المنطقة وتقويض دور الولايات المتحدة في التأثير على نتيجة الثورات المتعددة التي تجتاح المنطقة في صحوة الربيع العربي. وحيث أن الولايات المتحدة تشعر بأنها مسئولة عن أمن إسرائيل القومي، قد يكون من واجبها إنقاذ الإسرائيليين والفلسطينيين من دمار أنفسهم بأيديهم واستخدام كلّ الوسائل اللازمة لهذا الغرض.
ولدفع الفرصة الحقيقية للسلام ما بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الأمام، على الرئيس أوباما أن يتخذ عدد من الخطوات المهمة وهي على النحو التالي:
أولاً، لجعل الزيارة للمنطقة عاملاً فعالاً في تغيير اللعبة السياسية، على الرئيس أن يشرح للشعب اليهودي لماذا السلام فقط هو الضمان الوحيد في النهاية لأمن إسرائيل القومي ونظامها الديمقراطي والهوية القومية اليهودية للدولة. على الرئيس أن يشدّد على التزامه بحلّ الدولتين ويؤكد بأن الولايات المتحدة ستستخدم كل الوسائل المتاحة لها للدفع بالعملية السلمية إلى الأمام. وعلى المسئولين الأمريكيين في تصريحاتهم العلنية أن يخاطبوا إسرائيل والفلسطينيين وحلفاء أمريكا من العرب لكي يساهموا في تنمية الإحساس بالتوافق والإعتماد على بعضهم البعض في قضايا الأمن القومي والتنمية الإقتصادية ما بين شعوبهم وتعزيز إحساس المصير المشترك.
ثانياً، على الرئيس أن يحمل معه إطاراً عاماً وشاملاً للسلام يعتمد على تفاهمات مسبقة تمّ التفاوض حولها بين الطرفين، وبالأخصّ تلك التي تمّ التوصل إليها في عام 2000 في كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك وخلال الفترة 2007/2008 ما بين إيهود أولمرت ومحمود عبّاس. وفي كلتا دورتي المفاوضات الشاملة هذه تمكّن الطرفان من حلّ الأغلبيّة العظمى من القضايا المختلف عليها. وبعد الدورة الأخيرة مباشرة ً صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت بأن الجانبين قد أصبحا “قريبين جدّا ً, أكثر من أيّ وقت ٍ مضى, لتوقيع اتفاقيّة مبادىْ قد تؤدي إلى إنهاء الصّراع”. ولذا يجب وضع هذه الإتفاقيّات السابقة من جديد على الطاولة وتعديلها بما يتماشى مع الظروف المتغيّرة على الأرض بحيث تخلق قاعدة واضحة للتفاوض على اتفاقيّة سلام ٍ شامل بالمشاركة المباشرة والفعّالة للولايات المتحدة الأمريكيّة.
ثالثاً, يجب تعيين مبعوث حيادي جديد بتفويض رئاسي واضح للعمل بدون هوادة في دفع عمليّة التفاوض إلى الأمام. ويجب على المبعوث هذا أن يكون متواجدا ً في كلّ جلسة ٍ تفاوضيّة ليتأكد من مدى جديّة الإسرائيليين والفلسطينيين في البحث عن السّلام ولأي مدى هما مستعدّان للقيام بالتنازلات الضروريّة للتوصّل لاتفاقيّة. وادّعاء الإسرائيليين والفلسطينيين بأنّه لا يوجد شريك للتفاوض معه أو أنّه لا يمكن الوثوق بالطرف الآخر للتفاوض بنيّة مخلصة سيُنبذ أو سيتأكّد في هذه المفاوضات وجها ً لوجه. ولكن – على أيّة حال – بحضور أمريكي.
رابعا ً, من الضروري جدّا ً أن تستعين الولايات المتحدة بدول عربيّة وإسلاميّة هامّة مثل المملكة العربيّة السعوديّة وقطر وغيرها ممّن تستطيع ممارسة ضغط ٍ على السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة للقيام بالتنازلات اللازمة. وعلى نحو ٍ مماثل, على مصر وتركيا اللتين تتمتّعان بنفوذ ٍ كبير على حماس, أن تقنعا قيادة هذه الحركة لتغيير تصريحاتها العلنيّة العدائيّة ضدّ إسرائيل. وعلى حماس بشكل ٍ خاصّ نبذ العنف كأداة لتحقيق أهدافها السياسيّة المتمثّلة في إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة. وبالفعل, فقد لعبت حكومة مصر عدّة مرّات دور الوسيط بين حماس وإسرائيل في الماضي وتوصّلت الحكومة المصريّة في الآونة الأخيرة لهدنة ما بين حماس وإسرائيل بمشاركة أمريكيّة.
خامساً, من خلال تواصله مع العالمين العربي والإسلامي, على الرئيس أوباما أن يساعد في إعادة تفعيل مبادرة السّلام العربيّة التي ما زالت تمثّل أكثر الحلول شمولا ً للصراع العربي – الإسرائيلي. ويبقى “إنعاش” مبادرة السّلام العربيّة هذه من أهم القضايا التي يجب القيام بها حتّى أنّ كبار المسئولين الإسرائيليين مثل الرئيس شمعون بيرس والرئيس السابق لجهاز الإستخبارات الإسرائيليّة “الموساد”, مئير داغان, قد أيّدوا بشدّة مبادرة السّلام العربيّة واعتبروها عاملا ً مركزيّا ً لحلّ الصراع العربي – الإسرائيلي. ففي خطابه في مؤسسة بروكنغز قام السيد جون كيري وبحق بامتداح مبادرة السّلام العربيّة بقوله:”لم تحظى أبدا ً هذه الخطوة الجريئة بالإهتمام الذي استحقّته عندما طرحها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في عام 2002″. وخلق “دولة فلسطينيّة مستقلّة وذات سيادة” التي تدعو لها مبادرة السّلام العربيّة ستساهم بشكل ٍ كبير في استقرار المنطقة وتطبيع العلاقات ما بين إسرائيل والدول العربيّة والإسلاميّة.
سادساً, إنّ القول بأن الكونغرس الأمريكي (مجلس الشيوخ) أكثر مساندة ً لإسرائيل من الرئيس هو قول يجب نبذه ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك أفضل من الرئيس نفسه. لقد زوّد الرئيس أوباما إسرائيل خلال فترة رئاسته الأولى بدعم ٍ سياسي واقتصادي وعسكري أكثر من أيّ ٍ من أسلافه. وعلى الرئيس أن يشرح للشعب الأمريكي ولمجلس الشيوخ لماذا أنّه من صميم مصلحة إسرائيل أن تصنع سلاما ً ولماذا على الولايات المتحدة أن تستلم القيادة وتساعد إسرائيل والفلسطينيين على ضمان السّلام مع الأمن. ومن الضّروري أن يقوم الرئيس بشرح أنّه في حالة عدم اتخاذ خطوات عمليّة الآن, فإن مستقبل إسرائيل كدولة يهوديّة ديمقراطيّة قد يصبح في خطر بسبب التغييرات الديمغرافيّة وعدم استدامة الإحتلال.
سابعا ً, من أصعب العوائق ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو عدم الثقة المتبادل والمعضلة السيكولوجيّة للصّراع. ولذا من المهمّ جدّا ً أن تقوم الولايات المتحدة بممارسة كل ّ ضغط ممكن على كلا الجانبين, الإسرائيلي والفلسطيني, للبدء في تغيير رواياتهما الشعبيّة, كلّ ٌ عن الطرف الآخر, وإنهاء التصريحات اللاذعة وعبارات الكراهيّة والتشكّك. أضف إلى ذلك, على الولايات المتحدة أن تغيّر هي الأخرى من تصريحاتها العلنيّة تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين. فعلى سبيل المثال صرّحت إدارات أمريكيّة متعاقبة بأنّ إنهاء الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني مرتبط بحلّ الدولتين الذي يعتمد على حدود عام 1967 مع إجراء بعض عمليّات مبادلة الأراضي بين الطرفين. والسؤال هنا: لماذا يعتبر حلّ الدولتين الخيار الوحيد القابل للحياة ؟ وهناك بالتأكيد عدّة أسباب لذلك, أهمها العامل الديمغرافي. فلا يمكن لإسرائيل ببساطة أن تبقى ديمقراطيّة وبهويّة وطنيّة يهوديّة تحت وطأة أغلبيّة فلسطينيّة, وهو أمر حتمي في سيناريو الدولة الواحدة.
وعليه, يجب على روايتنا كأمريكيين أن تؤكّد أولاً على حتميّة التعايش السلمي بين الطرفين. هذا ما يجب أن يسمعه منّا الإسرائيليّون والفلسطينيّون: التعايش السلمي بين الشعبين ليس خيارا ً من عدّة خيارات, بل هو الخيار الوحيد والواقع الوحيد على الأرض الذي لا يمكن تغييره إلاّ بحدوث كارثة. علينا كأمريكيين أن نكون واضحين في تصريحاتنا وبياناتنا بأنه على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يختاروا طريقة العيش فيما بينهم كجيران. هل يريدون حقّا ً الإبقاء على حالة العداء والكراهيّة والعنف, أم العيش بسلام ٍ مع علاقات طيبة تسمح بالتقدّم والإزدهار والسّلام الدائم ؟
أجل, يجب أن يعتمد حلّ الدولتين على شيء ٍ ثابت ودائم, ألا وهو التعايش السلمي الذي لا يستطيع أيّ من الطرفين أن يغيّره لا الآن ولا في المستقبل. وبالفعل, مهما فعلت إسرائيل في المناطق, الفلسطينيّون لن يختفوا من وجه الأرض وسيعملون دائما ً على حرمان
إسرائيل من العيش بسلام. بكلمات أخرى, مستقبل إسرائيل كدولة يهوديّة ديمقراطيّة قابلة للحياة وقيام دولة فلسطينيّة حرّة ومستقلّة أمران متلازمان ومتشابكان مع بعضهما البعض وليس بإمكان أي منهما أن يكون آمنا ً ومطمئنّا ً دون الآخر. وللتأكيد, علينا كأمريكيين في روايتنا أن نؤكّد على حتميّة التعايش السّلمي وعلى الخطر الذي سيواجه كلا الشعبين إذا حاول أحدهما تغيير المعادلة عن طريق استخدام القوّة أو الضمّ الزاحف للأراضي.
زد على ذلك, مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل والتزامها بأمنها القومي حقيقة معروفة تماما ً عبر جميع أرجاء الشرق الأوسط. والحكومة الأمريكيّة تبيّن لأسباب عديدة هذه الحقيقة ليس فقط لكي تؤكد لإسرائيل على التزامها, بل أيضا ً لإرسال رسالة واضحة لأعداء إسرائيل. وما يجب فعله بهذا الخصوص على أية حال هو تعديل روايتنا الأمريكيّة بحيث تعكس أيضا ً التزامنا تجاه حلفائنا العرب دون بالضرورة إضعاف التزامنا نحو إسرائيل. وعندما نخصّ فقط إسرائيل دون غيرها, وبالأخصّ في الخطابات الرئيسيّة التي يلقيها الرئيس, مثلا ً في خطابه حول “وضع الإتحاد” عندما قال:” سنقف بثبات مع إسرائيل في السعي وراء الأمن والسّلام الدائمين” دون ذكر الفلسطينيين, فإننا كأمريكيين ننقل الإنطباع بأن إسرائيل تهمّنا أكثر من أية دولة عربيّة أخرى.
وتعلم الدول العربيّة, وبالأخصّ الفلسطينيّون, بأن إسرائيل تتمتّع بعلاقات خاصّة ومميّزة مع الولايات المتحدة وهم ينظرون لذلك بطريقة ايجابيّة, أي أنهم يجيّرون ذلك لصالحهم, بمعنى أنّ الولايات المتحدة بنظرهم هي القادرة فقط على انتزاع التنازلات اللازمة من إسرائيل للتوصّل لاتفاقيّة سلام, هذا على الرّغم من أنهم يرون في ذلك خللاً كبيرا ً في العدالة وعدم التحيّز في تعامل الولايات المتحدة مع الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وإذا أردنا نحن الأمريكيّون أن نغيّر مفهوم العرب حول الموقف الأمريكي الحقيقي من هذا الصّراع, علينا أن نجري تعديلا ً في روايتنا العلنيّة وذلك بهدف تخفيف حدّة المفهوم الحالي الذي يقول بأن هناك تحيّزا ً شديدا ً لصالح إسرائيل, الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من تقويض وتآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ايجاد حلّ للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المزمن الذي مرّ عليه حتى الآن ما يزيد عن ستّين عاما ً يجب أن يكون الآن على رأس سلّم أولويّات الرئيس أوباما لأنّه قضيّة مركزيّة للسلام العربي – الإسرائيلي وسيعزّز بشكل ٍ جذري الإستقرار الإقليمي. لا يمكن
الإبقاء على الوضع الراهن الذي لن يؤدّي إلاّ لحرب ٍ جديدة ومهلكة لن تترك وراءها منتصرين بل فقط دمارا ًُ رهيبا ً وفجوة أعمق مما هي عليه الآن بين الطرفين. وللولايات المتحدة القوّة والمسئوليّة وبالتأكيد أيضا ً المصالح الإستراتيجيّة لوضع نهاية لهذا النزاع المدمّر في منطقة لا يمكن فيها المبالغة في تقدير المخاطر لجميع الأطراف المعنيّة.