حان الوقت، سيادة الرئيس، لاتخاذ إجراء بشأن سوريا !
لم يتحرّك الرئيس أوباما مع حلفائه الغربيين لا للأحسن ولا للأسوأ لوضع نهاية ٍ للحرب الأهليّة الرّهيبة في سوريا. فالخسارة المأساويّة لحوالي 150.000 سوري وترحيل حوالي تسعة ملايين شخص من ديارهم للداخل وللخارج والتدمير الهائل، هذا كلّه سيبهت إن قورن بالتدمير الشامل للبلد والشعب إن لم يحدث شيء سريعا ً.
تقدّم الأحداث الأخيرة في أوكرانيا والشرق الأوسط لربّما الفرصة الأخيرة لاحتواء الصراع وإنهائه أخيرا ً. يجب على الرئيس أوباما إنقاذ سوريا من حاكم ٍ مستبدّ لا يرحم ولم يظهر حتّى الآن أية أحاسيس أو وخز ضمير حول تدميره البلد بأكملها لكي يحتفظ هو فقط بكرسي الحكم. واتخاذ إجراء الآن وفي هذه المرحلة بالذات قد يعيد أيضا ً مصداقيّة أمريكا ويبعث رسالة ً واضحة لأصدقاء وأعداء أمريكا على حدّ سواء بأن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي بعد اليوم أمام هذه الكارثة الإنسانية التي يعجز اللسان عن وصفها.
أوّلا ً، حان الوقت للرئيس أوباما أن يدرك بأنه لا يستطيع أن يعتمد على مساعدة الرئيس الروسي بوتين لإنهاء سفك الدّماء في سوريا. لقد استخدمت روسيا حقّ النقض ضدّ عدد ٍ من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن معاقبة الأسد وهي مستمرّة في تزويده بالأسلحة وترفض أن تجبره أو تحثّه على القيام بأية تنازلات سياسيّة وقامت بهندسة الإتفاق الكيميائي لمنع ضربة أمريكيّة، الأمر الذي قد قوّى الأسد بدلا ً من أن يضعفه. أضف إلى ذلك، لقد سمح الرئيس أوباما لروسيا بانتزاع المبادرات السياسيّة حول سوريا بأخذه زمام المبادرة لعقد مؤتمرين زائفين في جنيف، هذا مع علم الولايات المتحدة بأن هذين المؤتمرين (جنيف 1 و 2) لن يجلبا حلاًّ بل سيمنحان الأسد المزيد من الوقت لإعادة تجميع وتنظيم قواته واستعادة سيطرته. وأخيرا ً، رفض بوتين بشكل ٍ مطلق تبنّي أيّ حلّ يستبعد الأسد.
والآن وقد عكّر ضمّ شبه جزيرة القرم لروسيا العلاقات الثنائيّة الروسيّة – الأمريكيّة، فإن أمل أن تصبح روسيا لاعباً إيجابيّا ً على الساحة قد أصبح أكثر ضآلة ً من قبل. فمن السذاجة الآن أن نعتقد بأن بوتين سيتغيّر الآن ويعمل ضدّ مصالحه الشخصيّة. بوتين سيبقى على موقفه ما دام الأسد جزءا ً من استراتيجية روسيا لضمان مصالحها في المنطقة الشرقيّة من البحر الأبيض المتوسّط، ولكنه على أية حال يدرك حدوده ويعلم بأنه إذا قرّرت الولايات المتحدة ضرب سوريا، لا يستطيع فعل الشيء الكثير لتحدّي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وأعتقد بأنه بعد مشاحنات كثيرة قد يختار بوتين أن يلعب دورا ً إيجابيّا ً لحماية مصالح روسيا بعد الإطاحة بالأسد.
ثانيا ً، خلافا ً للرأي القائل بأن اتخاذ إجراء عسكري ضدّ سوريا قد يعطّل المفاوضات الجارية مع إيران حول برنامجها النووي المشكوك في أمره، غير أنني أعتقد بأن العكس هو الصّحيح. قد تعلّق إيران بعد العمل العسكري المفاوضات لبضعة أسابيع، غير أنّ طهران ما زالت تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة ولا تستطيع التخلّي عن المفاوضات في الوقت الذي يبقى فيه العديد من العقوبات في مكانها.
وللتأكيد، سيعزّز العمل ضدّ سوريا الآن موقف الرئيس أوباما في هذه المفاوضات لأنه سيبعث رسالة لا لبس فيها ولا غموض مفادها بأن الولايات المتحدة لن تقع بعد اليوم في زيف روسيا أو إيران. وستستمرّ إيران على الأرجح في التزامها بالإتفاقيّة المرحليّة وستتفاوض على اتفاقيّة طويلة الأمد لتخفيف المزيد من العقوبات المفروضة عليها ومنع ضربة عسكريّة أمريكيّة أو إسرائيليّة.
ثالثا ً، قد يعزّز توجيه ضربة للأسد فرص نجاح مفاوضات السّلام الإسرائيليّة – الفلسطينيّة حيث ستصبح الولايات المتحدة في مركز أقوى للضغط على الجانبين للقيام بالتنازلات اللازمة للتوصّل على الأقلّ لاتفاق ٍ مرحليّ.
سيعيد مزيد من العزم والتصميم من طرف الرئيس أوباما أيضا ً مصداقيته بين الدّول العربيّة الرئيسيّة وفي مقدمتها المملكة العربيّة السعوديّة ومصر اللتان أصيبتا بإحباط ٍ شديد وخيبة أمل من جراء رجوع أوباما عن قراره بضرب سوريا بعد ثبوت قيام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائيّة ضدّ شعبه. هذه الدول تريد أن تشعر بالثقة بأن الولايات المتحدة ملتزمة بتعهداتها قبل أن تضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لإبداء المزيد من المرونة في مفاوضات السّلام الإسرائيليّة – الفلسطينيّة.
رابعا ً، وهناك من يحذّر بأن ضربة أمريكيّة قد تقوّض الإتفاقيّة الكيميائيّة، غير أننّي أعارض هذا الرأي. الأسد يدرك بأنه لا يستطيع أن يستخدم بعد الآن الأسلحة الكيميائيّة ولا يستطيع أيضا ً أن يؤخّر نقلها لخارج سوريا وإلاّ جرّ عليه بالتأكيد عمل عسكري أمريكي. كما وتخشى روسيا أيضا ً بهذا الخصوص أن تقع هذه الأسلحة في أيدي مجموعات متطرفة داخل الإتحاد الروسي، ولذا تريد أن ترى إزالتها كليّا ً من سوريا.
خامسا ً، يؤكد آخرون بأن الفوضى ستعمّ البلاد بعد ضربة عسكريّة أمريكيّة وستجعل الوضع حتّى أسوأ من ذي قبل ويزعمون بأن سوريا بالأسد أفضل من سوريا بدون الأسد. أقول لهؤلاء بأن سوريا الآن في مرحلة التفكّك ومن غير المحتمل أن تخمد الحرب الفصائليّة، بل إنها قد تزداد سوءا ً.
أجل، ستقوّي ضربة أمريكيّة الثوار المعتدلين بقيادة الجيش السّوري الحرّ وستسمح لهم بإعادة رصّ صفوفهم ومواجهة المجموعات المتطرّفة (المبالغ كثيرا ً في قوّتها) بالدّعم الكامل من الدول العربيّة الرياديّة والقوى الغربيّة.
وأخيرا ً، وبالرغم من أنّه لا يجب على الولايات المتحدة أن تقوم لوحدها بعمل عسكري لاستعادة مصداقيتها، فإن استمرار الإفتقار للمصداقيّة الأمريكيّة سيشجّع فقط تحديّات جديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وغيره من المناطق. لن تخشى مثلا ً بعد ذلك دول مثل إيران وسوريا من اجتياز الخطوط الأمريكيّة الحمراء، ودول مثل المملكة العربيّة السعوديّة وإسرائيل لن تعتمد بعد اليوم كليّا ً على الحماية الأمريكيّة لقضايا أمنها القومي.
وبالرّغم من أنّه لا يوجد شيء جديد بطرح ضرورة قيام الولايات المتحدة بضربة للأسد، فإن الظروف الآن لصالح تدخّل عسكري أمريكي لإنهاء القتل بدون تمييز وذلك بتغيير ميزان القوى على الأرض لصالح الثوار، فتزويد الثوّار المعروفة هويتهم بالأسلحة – وهو أمر ٌ قد يكون له نفعا ً في الماضي – لم يعد يكفي الآن لوحده في هذه المرحلة الحاسمة.
يجب أن يسبق هجوم عسكري أمريكي مسنود من قبل القوى الغربيّة إخطار أمريكي واضح بأن على الأسد التوقف فورا ً عن قصف السكّان المدنيين، وإلاّ فإنّه سيلقى عواقب وخيمة مؤلمة كما صرّح بذلك وبشكل ٍ قويّ ومقنع السفير فريدريك هوف، عضو مركز رفيق الحريري الإستشاري للشرق الأوسط بقوله: “ما لم تتوقّف كليّا ً وفورا ً هجومات الأسد على السكّان المدنيين، يجب على الولايات المتحدة أخذ خطوات حسب اختيارها وفي أوقات ٍ تختارها لإنقاذ الرجال والنساء وخصوصا ً الأطفال السوريين الذين ُيقتلون ويُيتّمون ويعذّبون ويُشرّدون بأعمال ٍ صُنّفت كجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة من قبل لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة”.
يجب على الولايات المتحدة بعد ذلك أن تصرّ على تخلّي الأسد عن الحكم وإبقاء أكبر قدر ممكن من البيروقراطيّة في البلاد لمنع ظروف ٍ فوضويّة كالتي خلقتها الحرب في العراق. واعتقادا ً منه بافتقار الرئيس أوباما للحزم، فإن الأسد سيتجاهل على الأرجح مثل هذا الإنذار، ولذا يجب أن يتبع فورا ً رفض الأسد للإنصياع بهذا الإنذار ضربات عسكريّة محدودة في حجمها وفي مدّتها دون إنزال جندي أمريكي واحد على الأراضي السوريّة. ويجب أن تتضمّن هذه الضربات فرض منطقة حظر جوّي وضربات مؤلمة على بعض المنشآت العسكريّة والدفاع الجوي وتدمير مدرجات الطائرات وآليات المشاة.
صحيح أن أغلبيّة الأمريكيين (70 % حسب استطلاع أجري في شهر أيلول / سبتمبر 2013) لا يرغبون في رؤية تدخّل عسكري منوّهين بما حدث في ليبيا، غير أنّ مساواة الوضع في سوريا بالوضع في ليبيا آنذاك أمر ٌ خاطىء لعدد ٍ من الأسباب:
خلافا ً لليبيا، الهدف من ضرب الأسد هو: 1) إضعاف قدرته الجويّة ومنعه من قصف آلاف الرجال والنساء والأطفال بدون تمييز، 2) منعه من إعادة كسب أقاليم خسرها للثوّار، 3) فتح ممرات لتزويد المدنيين المحاصرين بالمواد الغذائيّة والأدوية اللازمة و 4) إجبار الأسد على أن يدرك بأنه لا يستطيع السيطرة .
وبوقف تقدّم الأسد ومكاسبه، وبدون توفّر أسلحة فعالة تحت تصرّفه وبالأخصّ الطائرات المقاتلة والمروحيّات لصدّ تقدّم الثوار، سيكون حينئذ ٍ مجبرا ً على قبول حلّ سياسي يقصيه عن الحكم ولكن يبقيه على قيد الحياة.
تمثّل سوريا اختبارا ً هامّا ً ومحكّا ً لمصداقيّة الولايات المتحدة ولقيادتها المعنويّة والأخلاقيّة. فالولايات المتحدة هي القادرة فقط على إنهاء مسار سوريا الإنتحاري وعلى الرئيس تحمّل تلك المسئوليّة.