دعم رؤية سلام فيّاض
إن كشف رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فيّاض عن برنامجه الحكومي لبناء هيكل الدولة الفلسطينية خلال سنتين هي مبادرة رائعة وجريئة ومرحّب بها. لقد اتُّهم الفلسطينيون ولفترة ستين عاماً من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي على أنهم ضعفاء ومنقسمون على أنفسهم ويلجأون إلى أيديولوجيات متطرفة. ولا تمثّل خطة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية الثالثة عشر برنامج عمل فقط للحكومة لمعالجة هذه المشاكل المتأصلة، بل هي المخطط الأول لدولة فلسطينية قابلة للحياة تعتمد على الحرية والديمقراطية واللاعنف والقانون الدولي. يجب دعمها من قبل جميع الذين يبحثون عن حلّ سلمي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني حيث أن هذا الالتزام يوحي بأن حضارة الملامة والعنف يجب أن تنتهي. ويؤكد البرنامج علاوةً على ذلك بأنّ بناء دولة الفلسطينيين يجب أن يؤسّس من قبل الشعب الفلسطيني للشعب الفلسطيني وطبقا ً لجميع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون. وعلى إسرائيل بوجه خاص أن تحتضن هذه المبادرة لأنها ستقوّي جهود المعتدلين الفلسطينيين وتحرّك عملية سلمية تؤدي إلى مفاوضات نهائية وحلّ الدولتين الذي وافق عليه نتنياهو.
إنّ الإنتقاص الإسرائيلي من قدر هذه الخطة قد أدان السلطة الفلسطينية للقيام بذلك من جانبٍ واحد ولوضع فاصل زمني لهذه الخطة، بينما تدّعي المجموعات والفصائل الفلسطينية المتطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي بأنّ الخطة تجامل إسرائيل إلى حد بعيد. والسخرية هنا أنّ حكومة فلسطينية ضعيفة وتابعة لم توصل الشعب الفلسطيني إلى أي مكان آخر في الماضي حيث أن أيديولوجيات المقاومة المسلحة لم تجلب سوى المزيد من القتلى كما شاهدنا في حرب غزة. فكيف بالإسرائيليين يتهمون الفلسطينيين من ناحية بأنهم عاجزون ثم يرفضون خطة السلطة الفلسطينية لبناء حكومة قوية من الناحية الأخرى؟ وكيف بحماس ترفض خطة لدولة فلسطينية واقعية لا تستند إلى العنف في حين أن العنف قد فاقم في محنة الفلسطينيين؟ أمّا وأن يضع الإسرائيليون أنفسهم جنباً إلى جنب مع حماس في معارضة خطة فلسطينية معتدلة تؤدي إلى حكمٍ جيد لهوَ شيء منافٍ للعقل والمنطق.
يمنح مخطط السلطة الفلسطينية للدولة الأمل للجيل الثالث من الفلسطينيين القانطين بأن هناك مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً لهم يستطيعون فيه تنمية مصلحة قوية في خلق دولةٍ خاصة بهم والالتزام ببناء مستقبل يعتمد على المساواة واستعادة الكرامة في جوّ خالي من العنف سيغيّر بطريقة جذرية رؤية وفكرة كلّ شخص تقريباً في هذا الصراع. وتنص خطة سلام فياض وبصورة خاصة على مايلي:
“ستكون فلسطين دولة محبّة للسلام ترفض العنف وتلتزم بتعايش سلمي مع جيرانها وتبني جسور التعاون مع المجتمع الدولي. ستكون رمزاً للسلام والتسامح والرخاء في هذه المنطقة المضطربة من العالم. وبتجسيد كل هذه القيم ستكون فلسطين مصدر فخر لجميع مواطنيها ومرساة للاستقرار في هذه المنطقة.”
ستعارض أغلبيّة الفلسطينيين المستفيدين من خطة فيّاض استئناف أية أعمالٍ للعنف ضد الإسرائيليين، فالأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني توافق الآن على حل الدولتين والسلام مع إسرائيل. ستضع الحقيقة المجرّدة أن بإمكان الفلسطينيين الآن أخذ زمام أمورهم بأيديهم لبناء دولتهم التزاماً على قادتهم لبرهان صحة ما يقولون. وبالفعل، فإن تطوير برامج سياسية ديمقراطية واقتصادية واجتماعية التي تنادي بها خطة رئيس الوزراء الفلسطيني ستقوّي شوكة الشعب الفلسطيني وتقدّم خياراً قويّاً ما بين إمكانية حياة أفضل أو مزيد من سفك الدماء. سترتكب إسرائيل خطأ استراتيجيّاً فادحاً إذا اختارت خنق هذا المجهود الرائع حيث أنها بذلك ستعطي ذخيرةً للمتطرّفين الفلسطينيين أنّه ليس لدى إسرائيل النية للسّماح بقيام دولة فلسطينية بصورة سلمية وتقدّم التبرير لاستمرار المقاومة المسلّحة.
يجب ألاّ يُنظر لبرنامج السلطة الفلسطينية على أنه تحقيق فقط للطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، بل وللإسرائيليين أيضاً. سيعزّز الالتزام بتشييد البنية التحتيّة لدولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة قبول إسرائيل كدولة مستقلة معترف بها حيث تؤكد الخطة على تعايش سلمي مع جميع الدول المجاورة وسياسة ضد أي شكل من أشكال التمييز الديني أو الحضاري. أليس هذا ما يريده الإسرائيليون منذ ولادة دولتهم؟ أمّا أولئك الإسرائيليون المتشككون في نوايا الفلسطينيين النهائية سيجدون بلا شك بعض السلوى في وثيقة حكومية مكتوبة تؤكد على رؤية الحكومة الفلسطينية نحو السلام والديمقراطية. ويعلم الفلسطينيون جيداً من خبرات الماضي بأنّ أيّ تحدٍ لأمن إسرائيل القومي سيقضي على جهودهم في بناء دولتهم قضاءً مبرماً، فما زالت عواقب الانتفاضة الثانية عالقة في أذهان الشعب الفلسطيني وقد تكون ساهمت في خلق برنامج الاعتدال الحالي.
إنّ فكرة دولة عربية ديمقراطية باقتصاد سوقٍ مفتوح ويحكمها القانون ليست مجرّد عمل صغير، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية كل المبررات لدعم هذا الهدف بجميع الطرق الممكنة، وعلى إسرائيل أن ترحّب بمقدمة الخطة القاضية بتوسيع وتعزيز التجارة الإقليمية. إضافة لذلك، سيكون لخطة فياض نتائج هامة على الصراع الفلسطيني السياسي الداخلي. سيصبح من الصعب جداً على نشطاء حماس إيجاد دعمٍ لمعارضتهم ومقاومتهم حيث أن هذه المعارضة أو المقاومة ستفسّر على أنها رفض لمبدأ تحقيق الهدف والحلم الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينيّة. تخطّط السلطة الفلسطينية لانتخابات عامّة في شهر كانون ثانٍ من العام القادم 2010، وسيكون الضغط على حماس شديداً في مقاومتهم الانضمام لعملية سلمية بأجندة توفر البضائع والخدمات والرّخاء للشعب الفلسطيني.
وختاماً، من المهم أن نذكر بأن مبادرة فيّاض لا تدعو لإقامة دولة فلسطينيّة من جانبٍ واحد بل تركّز على بناء الأساس لمثل هذه الدولة، تاركة جميع القضايا المتنازع عليها مع إسرائيل وبالأخصّ الحدود النهائية لهذه الدولة والقدس الشرقية ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين لاتفاقية يتم التفاوض حولها. الذي تقوله هذه الخطة هو أن الشعب الفلسطيني ليس بحاجةٍ لإذن من أي شخص كان للتحضير لمثل هذا الاحتمال الذي تمّ الاعتراف بعوامله الأساسية من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك إسرائيل. ويقول أساس مبدأ الخطة ما يلي:
“نحن نبني نظاماً ديمقراطياً لحكم مؤسّس على التعددية السياسية وضمان المساواة وحماية جميع حقوق المواطنين وحرياتهم كما يحميها القانون وضمن حدوده.” هذا ما يجب على إسرائيل أن تشجعه إذا هي أرادت أن يكون لها شريكاً قوياً تتفاوض معه. ولكن إذا تمّ الإعلان عن دولة قبل التوصل إلى اتفاقية نهائية، سيكون لها فقط حدود مؤقتة يجب التفاوض حولها مع إسرائيل. وما هو مهم هنا هو أن الطريق التي تم اختيارها لقيام دولة فلسطينية هي الطريق التي تمنع بالضرورة العنف. ولو بدأ الفلسطينيون هذه العمليّة بعد انسحاب إسرائيل مباشرةً من قطاع غزة، فلا شك أنّ السنوات الأربعة الأخيرة قد تكون مختلفة اختلافاً جذرياً عمّا هو الوضع عليه في الوقت الحاضر، مانعةً ارتقاء حماس والاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة.
وحيث أنّ المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية ستستأنف على الأرجح قريباً برعاية أمريكية، لن يكون هناك جو تجري في ظلّه هذه المفاوضات أفضل من مناخ اللاعنف الذي نأمل أن تعزّزه خطة فيّاض. إنّ هذا التزام لبناء دولة حقيقية ستضع على الأقل حداً للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المأساوي وخزي أولئك الذين ما زالوا يؤيدون المقاومة المسلّحة.