رفع العقوبات عن إيران لن ينهي حماسها الثوري
لا ينبغي النظر إلى تنفيذ إتفاق إيران في الوقت المناسب والتزام طهران الكامل بشروطه المختلفة حتى تاريخه كهدف قد تحقّق، بل كعملية مستمرة يمكن أن تستغرق عدة سنوات لتحديد مقومات بقائها ومدى تأثيرها على سياسة إيران الخارجيّة والداخليّة. وأعتقد أن الصفقة ستشجع طهران على مواصلة أنشطتها المخادعة المعتادة لدفع مصالحها الإستراتيجية إلى الأمام. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الإتفاق سيزيد من تذمر الكثير من الشباب الإيراني ذوي الميول الغربيّة الذين هم مستاؤون من السياسات الإجتماعية والسياسية الجائرة للنظام.
ونظراً للتقلبات السياسيّة الداخليّة في إيران وطموحها الإقليمي، لا ينبغي أن ُيتوقّع من طهران إختيار استراتيجية واحدة لدفع مصالحها الوطنية إلى الأمام. بدلاً من ذلك، سوف تواصل طهران خليطاً من سياسات متسقة مع تصوّرها واندفاعها الذاتي لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة.
إيران تعتبر نفسها أهمّ قوة إقليمية بحكم ثقافتها الغنية وتاريخها الطويل الذي يمتد أربعة آلاف عام في واحدة من أكثر المواقع الجيوستراتيجية في العالم. ولدى إيران مجموعة ضخمة من الموارد الطبيعية واقتصاد متعدد الجوانب مع شعب كادح وصل تعداده ما يقرب من 80 مليون نسمة (أكبر من تجمّع كلّ السكّان السنّة في الخليج)، ومساحة أكبر من شبه الجزيرة العربية بأسرها.
وعلى الرغم من اتفاق إيران، لا تزال طهران عازمة على امتلاك أسلحة نووية وتعتبر هذا الإتفاق بمثابة استراحة استراتيجيّة مؤقتة فقط. وعزم إيران على امتلاك ترسانة نووية مدفوع ٌ من قبل شعورها بانعدام الأمن والضعف لأنها محاطة بدول غير مستقرة، بما في ذلك أفغانستان وباكستان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود إيران نووية تتيح لها فرض نفسها على المستوى الإقليمي وتحييد القدرات النووية الإسرائيلية، ومنع تغيير النظام بالقوة من قبل قوى خارجية، ومحليا تقديم نفسها كقوة عالمية كبيرة لا يستهان بها.
وعلى هذا النحو، تشعر إيران بأنه ليس لها فقط الحق الأصيل والطبيعي لتكون القوة المهيمنة في المنطقة، ولكن أيضاً الحق في حماية نفسها ليس فقط عسكريا فحسب، ولكن عن طريق أي وسائل أخرى، بما في ذلك الغش فيما يتعلّق بالإتفاق النووي والتخريب ودعم الإرهاب.
وهذا ما يفسر لماذا رفع العقوبات ومليارات الدولارات التي أصبحت الآن تحت تصرفها لن يغيّر سلوك إيران لا محلياً ولا فيما يتعلق بالبلدان الأخرى. في الواقع، قد يشجّع ذلك طهران أكثر على تكثيف مشاركتها المباشرة وغير المباشرة في البلدان التي لديها معها مصلحة استراتيجية فريدة من نوعها:
سوريا: ستشارك إيران في المؤتمر الذي سيُعقد يوم 25 يناير لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية في سوريا طالما أنه يمكنها الحفاظ على نفوذها في سوريا مع أو بدون الرئيس الأسد. فبالنسبة لإيران، سوريا تشكّل جزءا ً طبيعيّا ً من الهلال الممتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج، مما يجعل سوريا لا غنىً عنها لطموح طهران الإقليمي الذي هو على خلاف مع المملكة العربية السعودية، التي تريد حرمان ايران من الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا ذات الغالبية السنية.
العراق: منذ بداية حرب العراق والمملكة العربية السعودية وإيران في حرب بالوكالة بين الأقلية السنيّة العراقية والأغلبية الشيعيّة، وهي حرب مخاطرها عالية جدّاً بالنسبة لكلا البلدين لأنهما ينظران إليها ككفاح من أجل روح الإسلام. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) يشكل خطراً على كل من إيران والمملكة العربية السعودية ولديهما مصلحة مشتركة في هزيمة هذا التنظيم، غير أنهما لا يعتبران تنظيم “داعش” تهديداً وجودياً له أي تأثير على الصراع السني الشيعي الفعلي الذي يعتبر أحد المصادر الرئيسية لاستمرار حالة عدم الإستقرار الإقليمي.
اليمن: أعطت الحرب الأهلية في اليمن إيران فرصة تاريخية لتقحم نفسها في شبه الجزيرة العربية من خلال دعم الحوثيين (جماعة دينية تابعة مع الطائفة الزيدية للشيعة)، الذين يقاتلون ضد الحكومة المدعومة من السعودية السنية برئاسة عبد ربه منصور هادي. وبعشرات المليارات من الدولارات في جيبها، ستزيد إيران على الأرجح من دعمها المالي للحوثيين في محاولة لاستنزاف السعوديين.
لبنان : بالنسبة لإيران يُعتبرحزب الله في لبنان القوة الشيعية التي لا غنى عنها والتي تدعمه طهران مالياً وعسكرياً، والآن أكثر من أيّ وقت ٍ مضى في هذه المرحلة الحاسمة التي تقاتل فيها هذه المجموعة إلى جانب الأسد في سوريا. كما تعتبر إيران حزب الله كقناة لتهديد اسرائيل من الشمال. وحال انتهاء الحرب الأهلية في سوريا وهزيمة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، قد يتحرك حزب الله لتنفيذ خطط طويلة الأجل لإنشاء (بدعم من إيران) دولة إسلامية في لبنان، الأمرالذي لا بد أن يزيد من زعزعة استقرار المنطقة برمتها.
وطالما أن الزمرة الدينيّة الحاكمة في طهران (الملالي) تنظر لثورتها على أنها ما تزال في طور التكوين، ومع المزيد من المال تحت تصرفها، سوف تستمر بلا شك في تصدير الإرهاب وزيادة دعمها للمتطرفين الإسلاميين مثل حماس والجهاد الإسلامي للمضي قدماً في برنامجها الثوري ما وراء حدود بلادها.
وإدارة أوباما التي دافعت عن صفقة إيران تخمّن أنه بمجرد أن يتم رفع العقوبات قد تصبح إيران لاعبا ًبارزاً وبنّاءً على الساحة الدولية. هذا في رأيي بعيد المنال. فعلى الرغم من أن إيران تطمح في أن تصبح مثل هذه القوة، فإن حماسها الثوري والديني سيفوق حتى تطلعاتها العالية جدّا ً. ولهذا السبب، على الولايات المتحدة مع حلفائها الصمود بثبات في التعامل مع إيران، وذلك على النحو التالي:
اتخاذ أي إجراء ضروري، بما في ذلك عسكريا ً، إذا ثبت بأن إيران تغش في الإتفاق النووي. وتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تمنع إيران من القيام بأبحاث وتطوير الصواريخ البالستية. فرض عقوبات جديدة صارمة (كما قام بها الرئيس أوباما، وحتّى أكثر قوة وفوراً)؛ تتبّع أنشطة إيران التخريبية وبيان بكلّ وضوح أنه ستكون هناك عواقب وخيمة إن هي استمرّت في دعم الجماعات المتطرفة والإرهابيين.الطلب من إيران، من خلال الدبلوماسية الهادئة، لإنهاء الإنتقادات العلنية الشريرة ضد إسرائيل والضغط على إيران للمساعدة في تخفيف الصراع بين السنة والشيعة، هذا مع العلم تماما ً أن هذا صراع لن يستطيع الفوز به أي من الطرفين.
وبغض النظر عن كيفية تتبّع ايران أهداف سياستها الخارجية، فإن الخطر الأكبر الذي يواجه النظام هو من الداخل. ففي حين أن الحكومة ستنفق مبلغاً كبيراً من المال لتحسين الظروف الإقتصادية للإيرانيين العاديين، فهذا في حد ذاته لن يخنق صرخة الجمهور لحرية التعبير والصحافة واحترام حقوق الإنسان، ووضع حد للقوانين الجائرة.
أجل، إن رفع العقوبات سيشجع الشعب، وخصوصاً الشباب، للتعبير عن سخطهم لأنه لم يعد الشعب يشعر بالحاجة إلى الإحتشاد وراء الحكومة التي كانت تحارب الغرب بشأن العقوبات. وهذا هو “كعب أخيل” بالنسبة للنظام. والثورة الخضراء عام 2009 لن تكون انحرافا ً. وقد تصبح انتفاضة جديدة الآن أمراً لا مفر منه. أعتقد أنها مسألة وقت فقط.
والمحزن في الأمر هو: مع أو من دون عقوبات، طالما أن الزمرة الدينيّة (الملالي) في السلطة، فمن غير المحتمل أن تغيّر إيران”رسالتها التبشيرية” التي سوف تظل مصدر قلق كبير لأعداء ايران، وهي بحدّ ذاتها الوصفة لزعزعة الإستقرار الإقليمي والصراعات العنيفة.