القيادة الفلسطينية … إلى أين؟
رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس، إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ورئيس الوزراء اسماعيل هنية
فخامة الرئيس محمود عبّاس والسيد خالد مشعل، ودولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية،
تحيّة طيبة وبعد،،،
إنني أكتب هذه الرسالة المفتوحة لكم لأنني أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة لكم لإلقاء نظرة فاحصة على الواقع الكئيب الذي يتعرض له شعبكم منذ ما يقرب من سبعة عقود، وخاصة منذ عام 1967. لقد حان الوقت لإعادة النظر في مواقفكم، حشد الشجاعة لتغيير المسار وإعطاء الفلسطينيين، صغاراً وكباراً، الأمل في مستقبل أفضل وأكثر إشراقا.
نظراً لتعهد الرئيس عباس قبل 10 سنوات بالتعايش السلمي من خلال نبذ العنف والإعتراف باسرائيل، اسمحوا لي أن أوجّه رسالتي أوّلا ً للسيد خالد مشعل والسيد إسماعيل هنية:
يريد جميع الفلسطينيين تقريبا ً العيش بسلام مع إسرائيل لأنهم يدركون في أعماق نفوسهم بأنه ليس لديهم خيار آخر. لقد مرّوا مرارا وتكراراً بعواقب مرعبة من المواجهات العنيفة مع إسرائيل تتفاقم مع كل انفجار جديد من الأعمال العدائية.
أنتم تتكلمون نيابة عن الشعب، ولكن هل تسمعون صراخ هذا الشعب حقاً، هل تشعرون بآلامه، وهل تواجهون ظروف معيشته ؟ هل لديكم شعور حقيقي بيأسهم؟ إذا كنتم تفعلون ذلك حقّا ً، لن تسمحوا لأنفسكم بأن يعاني مواطن فلسطيني واحد من اليأس ليوم آخر ولسان حاله يقول:”لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم”.
للأسف، اخترتم الحفاظ على الوضع الراهن لأن ذلك يفترض إضفاء الشرعية على قبضة السلطة، هذا في حين تركبون على ظهور الفلسطينيين العاديين الذين يحلمون بكلّ بساطة في العيش بسلام وكرامة تنكرانهما عليهم بسبب أوهامكم وتحديكم المستمرّين لإسرائيل.
لقد أبقيتم بشكل مخز ٍمشكلة اللاجئين الفلسطينيين من خلال استخدامهم كرهائن، جاعلينهم يعتقدون بأن يوم الخلاص قريب وأنهم جميعاً سيعودون إلى ديارهم، هذا مع علمكم تماما ًبأن هذا اليوم لن يأتي أبداً . جعلتموهم يعانون الويلات في مخيمات اللاجئين باسم الحفاظ لهم على “حق العودة”، هذا في حين تستمتعون بالرفاهيّة والراحة التي يدفع ثمنها عدد وافر من الفلسطينيين.
أنتم تسلبون جيلٍ رابع من الشباب والشابات مستقبلأ واعداً وحياة منتجة. فبدلاً من ذلك، تقومان بإعدادهم للموت من أجل قضية وهميّة بعيد المنال وهي زوال إسرائيل ، هذا في الوقت الذي يتربص فيه الموت فقط في ظلال أحلامهم المحطمة.
لقد حان الوقت للتخلي عن أحلامكم الوهميّة بتدمير إسرائيل والتأمل في محنة الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين يذهبون إلى الفراش جوعى ومرضى ليستيقظوا فقط في الصباح متسائلين لماذا يجب عليهم أن يتحملوا يوماً آخراً من الجوع والعوز.
أنتم لم تسمعوا أبداً صرخاتهم. هم بحاجة لأسطح لا يتسرب منها الماء ولمدارس تعلّم لا أن توعظ، وعيادات صحية تضمد جراحهم، وطعام صحي لتغذية أجسامهم الواهية ومياه نظيفة لإرواء عطشهم، وأفقاً جديداً لإنقاذ آمالهم التي تتلاشى.
أنتم تحت النار من جماهير ناخبيكم لفشلكم في إعادة إعمار غزّة بعد عامين تقريبا ً من الحرب الأخيرة مع إسرائيل في شهر يوليو (تموز) 2014. فغالباً ما يجد المرء المدارس والمحاكم مغلقة، وكذلك المرافق الطبية، ومياه الصرف الصحي تنضح في الشوارع، وأكوام القمامة في كل مكان، وموظفو الحكومة قابعين في منازلهم لا يفعلون شيئا ً، وغالباً ما تؤدي الخلافات السياسية إلى القتل.
لم يكن إضراب موظفي الحكومة مؤخراً موجها ً ضد اسرائيل، ولم تضرم النار في أيّ علم إسرائيلي. لقد أضرب 50.000 عامل في قطاع غزة لأنهم لم يستطيعوا بعد الآن تحمّل ضغوطات الحياة والإستمرار في إعالة عائلاتهم سبب فشلكم في أن تدفعوا لهم رواتبهم التي استحقوها بعرق جبينهم منذ عام 2014، ولكنكم تلومون إسرائيل والسلطة الفلسطينية لتغطية ما بدّدتموه من أموال.
تقومون في فترات الهدوء النسبي بتلقين الشباب أفكاركم ومبادءكم وتدربونهم وتعدّونهم لخوض حرب أخرى لا معنى لها ضد إسرائيل. وفي أوقات الحرب تستخدمون النساء والأطفال كدروع بشرية وتتباهون ببطولاتكم بينما تعيشون في المخابىء لحماية أنفسكم .
يبدو أنكم تستمتعون بحكم شعب ٍ مثبط العزيمة ومحروم لا يملك شيئا ً. سوف يتعافى هذا الشعب عندما ترحلون تاركين وراءكم إرث قادة مخدوعين خانوا شعبهم واختفوا في العار.
الخلاف السياسي الداخلي:
أنتم سياسيون مخادعون، مثلكم مثل أعمى يقود أعمى. لكلّ منكم خططه ومشاريعه الشخصية الخاصة به، وتحيطون أنفسكم بأناس ملوثين أخلاقياً يقولون فقط ” نعم” ومتعمّقين بإيديولوجيتكم المشوّهة التي كانت تضلّل منذ عقود طويلة كلّ فلسطيني.
أنتم تعانون من الخلاف السياسي الإفترائي المتبادل بينكم وبين داخل أجنحتكم المسلحة وترفضون المصالحة مع السلطة الفلسطينية التي لا يزال رئيسها محمود عبّاس الرئيس الشرعي للحركة الوطنية الفلسطينية، وبحكم الأمر الواقع رئيس الدولة.
ومع الفوضى بين عناصر القيادة أرى أنكم تنتقلون من أزمة إلى أخرى، تقودون بأهوائكم بينما تحاولون خداع بعضكم بعضا ً.
الرئيس محمودعباس يدرك الحاجة الملحّة لتحقيق السلام مع إسرائيل لإعطاء الناس أفقاً جديداً واحتمال حلول أيام أفضل، ولكنكم تسيّرون السفينة ضد رغبة الجمهور القوية لتحقيق السلام، وذلك من أجل خدمة أجندتكم السياسية المفلسة وتخريب السلام أكثر وأكثر مع كل يومٍ يمرّ.
والآن، يجب أن تدركوا بأن الوقت ليس في صالحكم. يجب أن تقبلوا بواقع إسرائيل وبمركزية السلام مع إسرائيل على أساس حل الدولتين.
وكما هو الحال مع نظيرتكم السلطة الفلسطينية، يجب أن تتبنوا مبادرة السلام العربية (API) التي توفر لكم الغطاء السياسي للتفاوض على السلام دون فقدان ماء الوجه. تدعو المبادرة لإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 (مع بعض تبادل الأراضي)، والتي،يا سّيد مشعل، قبلت بها في عدد من المناسبات.
واستنادا ً إلى المفاوضات السابقة، هناك العديد من القواسم المشتركة الحاسمة في مبادرة السّلام العربيّة التي يتقاسمها غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك حلاً واقعياً لمشكلة اللاجئين ووضع القدس، وهو حلّ يدعمه العالم العربي والإسلامي بأسره.
أجل، الشرط الوحيد الأساسي بالنسبة لكم هو التخلي عن استخدام القوة، والإتفاق مع السلطة الفلسطينية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، والسماح للشعب أن يكون حراً في اختيار من يمثل تطلعاتهم ليقودهم في طريق السلام. يجب أن تتذكّروا ما قاله غاندي ذات مرة: “إن اللاعنف سلاح القوي.”
هذه الخطوة وحدها، إذا تمّ تبنيها بصدق، سوف تقنع الإسرائيليين إلى إعادة تقييم موقفهم حول ما إذا كنتم على استعداد للتفاوض على السلام بحسن نية أم لا، وسوف يشجع بالتأكيد القوى الغربية لإزالة اسمكم من قائمة المنظمات الإرهابية.
سياستكم تجاه إسرائيل:
في الوقت الذي تم فيه إنشاء دولة إسرائيل كان من الممكن أيضا ً أن تُقام دولة فلسطينيّة، ومنذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل قوة عالمية كبيرة ورائدة في مجال التكنولوجيا، والطب، والطاقة المتجددة، وتطوير الأراضي، والصناعات العسكرية، في حين أن العديد من الفلسطينيين لا زالوا يقبعون في مخيمات اللاجئين.
فإن كنّا لا نحكم على القيادة من خلال ما أنجزته لشعبها، فكيف تفسرون سبب أنّ الكثيرين من الفلسطينيين ما زالوا يعيشون تحت وطأة الفقر واليأس بعد سبعة عقود من تقسيم فلسطين ؟ ولو أعطي الشعب الفلسطيني فرصة التعليم، لكان بإمكانه أن ينجز ما أنجزه الإسرائيليّون، فالفلسطينيّون يعملون بجد ومبدعون وواسعو الحيلة، ولكن للأسف ضُلّلوا من قبل قادة فقراء البصيرة ومضللون. قادة مثلكم يخنقون مواهبهم الفطرية ويعلمونهم كيف يكرهون ويقتلون بدلاً من تعليمهم كيف يبنون مستقبلاً واعداً والعيش حياة منتجة يستحقها كلّ فلسطيني.
بالنسبة لكم كانت إسرائيل دائماً كبش فداء- تلومون إسرائيل لصفوف دراسيّة متهالكة، لعدم وجود العيادات الصحية وللطرق غير المعبدة، لمياه الصرف الصحي التي تغمر الشوارع، لاستمرار وجود مخيمات اللاجئين، لعدم وجود سكن – في الواقع، لجميع عللكم.
أجل، أكانت إسرائيل تتحمل بعض المسؤولية عن محنة الفلسطينيين، وخاصة اللاجئين، أم لا، سوف تشارك اسرائيل في البحث عن حل مقبول للطرفين.
لا يزال عليكم مواجهة شرطا لا مفر منه للتوفيق بين وجود إسرائيل والبدء في عملية تغيير نظرة الفلسطينيين ومفهومهم من خلال تقديم رواية جديدة حول حتمية التعايش السلمي، مهما استغرق ذلك وقتا ً طويلا ً.
أنتم لم تفهمون أبدا ً عقلية الإسرائيليين حول الأمن القومي، المتجذرة في تجربة تاريخية مرعبة يتعذّر وصفها. إنها ضاربة جذورا ً عميقة في قلوب وعقول كلّ إسرائيلي وهي أن لا عدو يشكّل خطراً داهماً على وجود اسرائيل سوف يعيش ليرى اليوم الذي تُدمّر فيه.
لا توجد قوة يمكن أن تجبر إسرائيل على التهاون بقضايا أمنها القومي المشروعة، وهذا ليس فيما يتعلّق بالدرجة الأولى بتأمين الحدود بقدر ما هي نواياكم التي تعززونها بحماقة من خلال خطاباتكم الشعبيّة المشحونة بالكراهية والتهديدات الوجودية المتكررة.
بإمكانكم بناء مئات الأنفاق والحصول على آلاف الصواريخ. ويمكنكم إلحاق بعض الضرر الهيكلي بإسرائيل وربما بتكبدّها بعشرات الضحايا والإصابات وتدّعون كالمعتاد “بانتصاركم الأجوف”، ولكن كان ينبغي أن تعرفوا الآن ما يمكن أن يكون الثمن.
أكان هذا مبرراً أم لا، لا توجد دولة أو تحالف من الدول يمكن إجبار إسرائيل على رفع الحصار عن قطاع غزة طالما أنتم تنكرون حقها في الوجود، الأمر الذي يصب في النهاية في أيدي الإسرائيليين المتشددين فقط.
أنتم ترفضون التخلي عن راحة أوهامكم، وهذا ما يذكرني بقول ٍ مأثور يقول: “هناك من يبكي أحياناً على أوهامٍ بمرارة تضاهي مرارة البكاء على الموت”.
لستم مُجبرين على الإعتراف باسرائيل أولا وقبول اتفاقات مسبقة موقعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية المعروفة بمطالب اللجنة الرباعية، ولكن يجب عليكم نبذ العنف كوسيلة لتحقيق تطلعات الفلسطينيين للتوصل إلى حل الدولتين.
في الواقع، وكما لاحظ الدكتور مارتن لوثر كينغ: “اللاعنف هو القوة، ولكن هو الإستعمال الصحيح والحسن للقوّة”. وأود أن أضيف أن اللاعنف هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحقّق الفلسطينيون من خلاله دولة خاصة بهم جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. ينبغي أن تعرفوا أن تطرّفكم يضعف يد الإسرائيليين المعتدلين الذين يريدون السلام، ويعزّز عزم أحزاب يمين الوسط التي تعارض إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
لقد أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية ثابتة من الإسرائيليين والفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين، ولكنكم تنكرون عليهم حتى حلم العيش في سلام، لأن السلام سيجعل عقيدتكم فارغة وبدون جدوى.
في الجو الحالي المفعم بالكراهية الشديدة والشكّ، لن تكون الكلمات والوعود وحدها كافية ما لم تتخلون بشكل واضح جدّا ً عن مقاومتكم العنيفة السابقة والبدء بإقامة الأساس للدولة الفلسطينية. وعليكم إثبات ذلك من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض الواقعة تحت سيطرتكم وبناء دعائم دولة ديمقراطية مستقلة ليراها الجميع. وكلّ يوم تعيشون فيه في حرمان وإنكار هذا الطموح الفلسطيني هو يوم آخر من العار لأن الشعب – نساء وأطفال ومسنين ومرضى – يدفعون الثمن.
فبدلاً من بناء الأنفاق، ابنوا وحدات سكنية للمحتاجين.
وبدلاً من شراء صواريخ، اشتروا واقتنوا معدات زراعية للمزارعين.
وبدلاً من شراء الأسلحة، استثمروا في البنية التحتية وخلق فرص العمل.
وبدلاً من بناء المزيد من المساجد، ابنوا مدارس ومؤسسات للتعليم العالي.
وبدلاً من إهدار المال على البيروقراطية المتضخمة، شيّدوا عيادات صحية ومستشفيات؛
وبدلاً من الصدقات، ركّزوا على مشاريع التنمية الإقتصادية المستدامة؛
وبدلا من استعباد الفلسطينيين، مكّنوهم واغرسوا في أعماقهم الشعور بالكرامة.
يجب أن تقودوهم إما لتحقيق أهدافهم، أو الإستقالة في العار لخيانة ثقتهم والتضحية بجيل آخر بريء.
إلى سيادة الرئيس محمود عبّاس:
خلافاً لاسماعيل هنيّة وخالد مشعل، لقد أثبتّ الإعتدال والصبر ووجود نية حقيقية لتحقيق السلام مع إسرائيل على أساس حل الدولتين، ولديك مظالم مشروعة ناتجة عن الإحتلال الذي على ما يبدو منهك ولا نهاية لها.
في مقابلة أجريت معك مؤخراً قمت بحكمة بإدانة ما تسمى ب “إنتفاضة السكاكين”، لأنّ الطعن العشوائي وقتل الإسرائيليين الأبرياء يقوّض بشدة قضيتكم ويحشد جميع الإسرائيليين وراء ردّ فعل القبضة الحديديّة التي تدعو له الحكومة ، بغض النظر عن الذي يتسبّب أو يدفع لهذا الهياج.
أوافق على أن إحباط ويأس الفلسطينيين يدفع لهذا النوع من العنف، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى الإحتلال الذي لا ينتهي. ومع ذلك، فإن قتل الإسرائيليين بدمٍ بارد يجعل الأمور أكثر سوءاً ويلقي بظلاله على السبب الكامن وراء “التمرد” ضد الإحتلال.
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يتمتعون بزيادة الدعم السياسي والإقتصادي من المجتمع الدولي، إلا أنّ دول العالم تقدّم اعترافاً رمزياً بفلسطين التي لا تزال بعيدة عن كونها دولة فلسطينية مستقلة وعاملة وعضواً فاعلاً في المجتمع الدولي. ولو كنت مكانك لتجنّبت شخصيّا ً التدابير التالية التي قمت بالتفكير بها في وقت واحد أو بين حين ٍ وآخر:
الذهاب إلى الأمم المتحدة للإعتراف قد ينجح، ولكن لن تُقام دولة قابلة للحياة ما لم يتم التفاوض بشكل كامل حولها مع إسرائيل، وتتفق جميع الأطراف على التوصل إلى حل سلمي دائم.
والتهديد بإنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل يعيد إلى الخلف فقط سنوات التعاون، وهو أمر ضروري خلال عملية السلام، وحتى أكثر من ذلك بمجرد تحقيق السلام، لأنه يقدّم أفضل الوسائل التي يمكن من خلالها الحفاظ على السلام ومنع المتطرفين من تخريب ذلك.
والإستقالة من منصبك وتفكيك السلطة الفلسطينية ليس خياراً أفضل. ورغم أن إسرائيل سوف تكون مثقلة بتحمل مسؤولية ضخمة تتمثل في الواقع بتشغيل بلد آخر، غير أنّ المناطق الفلسطينيّة قد تقع فريسة في يد دائرة إنتخابية إسرائيلية ضخمة تسعى إلى ضمّ أجزاءٍ كبيرة من الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وما لم تعطه الإهتمام الكافي، على أية حال، هو العصيان المدني الذي قد يكون أنجع وسيلة لتغيير ديناميكية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وليس هناك وقت أفضل من الآن لتبني اللاعنف لتقديم قضيتك.
سيثبت العصيان المدني – الذي يتطلب شجاعة هائلة وصبر وانضباط وقوّة داخلية – بأنه أكثر فعالية من أي عمل من أعمال العنف، بشرط ألاّ يعظ الفلسطينيون أبدا ً بالعنف أو اللجوء إليه بغض النظر عن الترهيب، حتى إذا تم استخدام العنف ضدهم من قبل القوات الإسرائيليّة.
يجب أن يأخذ العصيان المدني شكل عدم التعاون السلمي الجماعي مع التركيز على أحوال ووضع الفلسطينيين الذي بإمكانه أن يضفي فقط عنصراً معنويّاً قويّاً للقضية.
وكما قال الدكتور كينغ: “يمكن للفرد الذي يكسر قانونا ً يقول عنه الضمير بأنه غير عادل والذي يقبل عن طيب خاطر عقوبة السجن من أجل إثارة ضمير المجتمع على ظلم هذا القانون، هما في الواقع يعبران عن أسمى الإحترام للقانون.”
أجل، يشمل العصيان المدني تكتيكات مثل: المشاركة في احتجاجات صامتة أمام نقاط التفتيش وعلى طول الجدار الفاصل، وتنظيم المظاهرات السلمية (وخاصة من قبل النساء الفلسطينيات) ومسيرات تضامن كبيرة واحتلال أماكن عامة إستراتيجية.
وتشمل تكتيكات إضافية ربط المتظاهرين أنفسهم بسلاسل بعناصر إنشائيّة (كأعمدة الكهرباء أو الهاتف أو ما شابه في
الشوارع ) أو بعضهم بعضا ً حيث يبدون سلاسل بشريّة، وتحدّى حظر التجول وملء السجون الإسرائيلية بتسليم أنفسهم بصورة سلمية لقوات الأمن الإسرائيلية وعدم إطاعة القوانين التي تحظر رفع العلم الفلسطيني في حين منع حرق الأعلام الإسرائيلية.
وأنا على استعداد للذهاب الى حد الإقتراح، مهما يبدو الأمر مستبعدا ً، أن يرفع الفلسطينيّون العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الفلسطيني لكي يبرهنوا لكلّ إسرائيلي قبول الفلسطينيين بالتعايش السّلمي تحت أي ظرف من الظروف.
إنّ أفضل حليف وداعم لكم لإنهاء الاحتلال هو في الواقع الشعب الإسرائيلي. يجب عليكم إقناع الإسرائيليين بنواياكم الحسنة وتعزيز ما ذكرته مؤخراً،وهو أنك “تريد أن ترى السلام في حياتك”، وأنك “على استعداد للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “في أي وقت”.
فخامة الرئيس محمود عبّاس، لقد صمدت هذه المدة الطويلة، ولو كنت مكانك سأواصل الكفاح السلمي والتركيز على المصالحة، أولاً من خلال مطالبة مرؤوسيك بتخفيف لهجة روايتهم اللاذعة ضد إسرائيل. وثانياً، يجب الإصرار على عملية المصالحة مع إسرائيل من خلال مشاريع الناس للناس لبناء حل دائم.
بعد سبعة عقود من الزّمن، لجميع الفلسطينيين، صغاراً وكبارا،ً الحق الطبيعي المتأصّل في العيش بسلام:
بدون أغلال كبحت نموهم.
بدون إحتلال سلبهم حريتهم.
بدون قادة ضالين ومضلّلين كانوا يستخدمونهم كأدوات.
وبدون سياسيين شريرين وأنانيين.
أحرارا ً ليعيشوا حياة منتجة مع كرامة.
وأحرارا ً للعيش مع إسرائيل بسلام ووئام.
وفي حين أصبحت إسرائيل دولة رائدة في العديد من مجالات الحياة، فقد فشلت في مواجهة صراعها مع الفلسطينيين الذي باستمراره لن تتمتّع كلّ إنجازاتها بيوم ٍ واحد من السّلام والمستقبل الآمن.
لقد اختارت القيادة الفلسطينية محاربة اسرائيل على كل الجبهات وحرمان شعبها من إمكانيّة العيش في سلام وإنكار واقع لا مفر منه بأن إسرائيل وجدت لتبقى. يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء تقبّل حقيقة أن مصائرهم متشابكة وستبقى متشابكة والمطلوب قادة يتمتّعون بالشجاعة والرؤية والتصميم على إرشادهم لمصيرهم المشترك.
وتفضّلوا قبول فائق الإحترام
ألون بن مئير