هل ترامب صنف جديد من الفاشيين ؟
ديماغوجيّة دونالد ترامب الفاحشة ونظرته الازدرائية للتعديل الاول ورغبته في توسيع صلاحيات الرئاسة (التي لم تعادل صلاحياتها الهائلة يوما ً ما هي عليه الآن) وموقفه الهجومي والمهدّد تجاه السلطة القضائية وطمسه الوقح للاجندات الخاصة والعامة واستغلاله الساخر لخوف ملايين الامريكيين من الاسلام في صحوة أبشع مجزرة للامة في أورلاندو وسياساته الوطنية المتطرفة العنصرية والمعادية للمهاجرين, وأخيرا ً تأييده للهبات والهجمات العنيفة ضد المعارضين, هذه كلها ساهمت في ظهور شبح فاشية جديدة على الساحة السياسية.
ولكن لاية درجة تعتبر الفاشية اصطلاحاً مناسباً لما يمثله ترامب ؟ باصطلاح “الفاشية” أعني ببساطة نظاما ً عسكريّا ً استبداديّا ً على نحو مميّز, معادياً للمهاجرين ومتطرفاً في قوميته. علينا استخدام الاصطلاح بعناية كما هو الحال في كثير ٍ من الاحيان حيث يمثّل علامة على الكسل الفكري وعدم وضوح المفاهيم. وما يدعو لتعقيد الامورهو اننا نشهد صعود ترامب السياسي في الوقت الذي تقوم فيه أحزاب من الجناح اليميني المتطرف بمكاسب مذهلة في عديد ٍ من البلدان, بما فيها النمسا, التي لم تشهد مثل هذا التطور منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا أمر مهم لانه يدلّ على أن ترامب ليس ظاهرة معزولة, بل ينبغي التفكير به بالدرجة الاولى كمؤشر – أجل, كمؤشر أو أحد أعراض انحلال الشكل الديمقراطي للنظام الرأسمالي العالمي.
ان ترامب ونظرائه الاوروبيين عبارة عن مؤشرات لحقيقة أنّ حاجة النظام الرأسمالي للمؤسسات والعمليات الديمقراطية يتناقص بشكل ٍ مستمرّ. ان أكثر رجال ادارة الرأسمالية فعّالية يتحولون بشكل ٍ جدلي الى لاديمقراطيين وأنظمة استبدادية, شاملة اسميّا ً أنظمة شيوعية مثل الصين وفيتنام. وعندما يقول ترامب بأنه لا يوجد ديمقراطيّة وأنّ النظام بأكمله مزوّر, والامر الاكثر اثارة للخوف هو ليس ان كان هذا قد يكون صحيحا ً أو أنّ الكثيرين يعتقدون أنه صحيح, بل في الواقع ان مجرّد صعوده يبيّن بأنه ما زال هناك عنصر غير قابل للاختزال من حالات الطوارئ في السياسة.
نحن نشهد في جميع أنحاء العالم انحلال “الزواج” ما بين الديمقراطية والرأسمالية. وممكن رؤية ذلك في النظام شبه الشيوعي الفاسد في الصين أو نظام بوتين الاستبدادي في روسيا ونظام اردوغان السلطوي في تركيا.وقد يأخذ الشكل الذي نراه هنا: وهو أن حكم القانون ونزاهة هيئاتنا الحاكمة وأصوات المعارضة تًعامل بالازدراء والسخرية من قبل زعيم حزب سياسي رئيسي.
فاشية ترامب ظاهرة بشكل ٍ خاصّ في تأكيداته التي لا نهاية لها بأنه ينوي للمكسيك تمويل جدار ضخم على طول الحدود الامريكية المكسيكية. هذا الوعد – بصفته موضوع أساسي في كل تجمعات ترامب – ينبغي ألاّ يتم الرد عليه عن طريق إعطاء أسباب تعلّل أنها فكرة سيئة وغير عملية وما إلى ذلك. فبمجرد أن تبدأ في تقديم الحجج، تكون قد خسرت بالفعل – وهذا هو لأن الاقتراح ليس عقلانيّا ً على الإطلاق. ولكن بدلا من ذلك فالمقصود على وجه التحديد هو السخرية من استخدام العقل في السياسة. ترامب يعامل أتباعه ليس كوكلاء عقلانيين, بل بالاحرى كحزم من طاقة عنيفة ومكبوتة يتلاعب ترامب بمهارة وخبرة بها لمصلحته.
عدد لا يحصى من الأميركيين هم الآن أكثر أو أقل استعداداً لإنكار الحقوق الأساسية للملايين من المهاجرين تحت تهديد الترحيل القسري، ورفض مئات الآلاف من اللاجئين الذين يبحثون عن مأوى ولجوء. وطريقة معالجة هذه الهستيريا المعادية للأجانب هي بالتأكيد ليس من خلال الخطابات الليبرالية الداعية للتسامح واحترام الغير. على العكس من ذلك، لغة التسامح في غير محلها هنا تماما وتؤدي إلى نتائج عكسية. وأكثر ملاءمة، بدلا من ذلك، هو الإخلاص لحقوق الإنسان والرفض القاطع السماح لأي مجموعة من الناس أن تحرم الآخرين من الشروط الأساسية للعيش والازدهار. لا يحتاج اللاجئون منا التعاطف والتسامح ، وهم ليسوا بحاجة أن نفتح قلوبنا لهم, بل أنهم في حاجة لفتح حدودنا وتوفير الغذاء والمأوى والعمل.
ما أثبته ترامب بفعاليّة هو أن الصواب السياسي وإصرار الليبراليين على قواعد الدقة قد عملت فقط على تنظيم الكراهية والعنصرية, هذا في حين تستنسخ الظروف الموضوعية التي يمكن أن تؤدي إلى نوبات العنصرية العنيفة. والفشل الذريع في الدقة السياسية يكمن في محاولتها لفرض ما ينبغي أن تكون عفوية. لقد تمكن ترامب من خلق تصور بأنه صادق وأصيل بطريقة أو بأخرى. المشكلة هي أنه في مكان اللياقة السياسية منحنا خليطاً أكثر أو أقل انفتاحا للعنصرية وكره النساء، والقومية.
كانت حملة ترامب محاولة متواصلة لطمس التمييز بين السياسة والترفيه الجماهيري؛ لخدر جماهير الامريكان البيض ذوي الدخل المنخفض وغير المتعلمين الذين هم في ذهول من ثروته الضخمة والمعروفة للجميع، لجشعه بلا حرج واحتقار أي شيء لا يمكن تسويقه وبيعه. فهل نعتبر ترامب صنفا ً من الفاشيين الجدد، وذلك باستخدام خليط من الفن الهابط، والفحش، والكلام المنمق للحفاظ على أتباعه ؟ تحرير المكبوتين. الرغبات الغير واعية لانصاره الذين يتم تشجيعهم ضمنا على ممارسة العنف الرمزي وحتّى البدني ضد الاخرين.
لا ينبغي الخلط بين الفاشية الجديدة التي نشهدها اليوم وبين فاشية الأمس. ولكنها قد تكون ليست بأقل خطورة على المدى الطويل، والحكمة السياسية التقليدية لم تعد قادرة على وقف تقدمه. والترياق للصعود للسياسات الشعبوية التي تعتمد على أساس عدم الثقة هي في الكيفية التي نصف بها الداء نفسه. وعرض ترامب ببساطة على أنه ظاهرة انحراف، أومسخ ميتافيزيقي – وهو بلا شك شيء بهذا المعنى – هو أمر غير مناسب إلى حد كبير. يجب أن نراه كما نرى أعراض مرض عام, مرض عالمي في طبيعته. أجل, مرض يشهد على تناقضات وعداوات النظام الرأسمالي الديمقراطي.