كيف ساهم القادة الفلسطينيون في الاحتلال الإسرائيلي الكارثي
فيما يلي المقال الثاني في سلسلة من ثلاث مقالات. الأول تناول الاحتلال والقيم اليهودية. والثالث سيصيغ وقائع معينة على الأرض غير قابلة للتغيير ويقدم إطارًا لحل دائم في سياق إنشاء كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية -أردنية
وعلى الرغم من أن الاحتلال الإسرائيلي الذي مضى عليه 56 عامًا لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف ، فقد ساهم القادة الفلسطينيون بشكل كبير في استمراره الكارثي. وعلى الرغم من سياساتهم المضللة على مدى السنوات التي عرّضت أربعة أجيال لحياة البؤس واليأس سعياً وراء هدف وهمي لتدمير إسرائيل ،إ لا أنّ حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة لا يمكن إنكاره.
قام الفلسطينيون على مدى الـ 75 عامًا الماضية بتربية أربعة أجيال من الشباب اللذين مثل نظرائهم في إسرائيل والدول المتقدمة الأخرى يطمحون إلى النمو والازدهار وتحقيق أحلامهم وفي نفس الوقت المساهمة في ازدهار بلادهم ونموها. لقد فشلوا ليس لأنهم غير قادرين على ذلك، أو أنهم أقل موهبة ، أو غير جديرين بالنجاح. لقد فشلوا بسبب قصر نظر القادة الفلسطينيين وسياساتهم المضللة وعدم استعدادهم لقبول الواقع الإسرائيلي الذي لا يمكن مسحه من الوجود. وعلى هذا النحو ، فقد لعبوا دورًا مباشرًا في أيدي إسرائيل على مر السنين من خلال تهديد وجودها عن طريق المقاومة العنيفة المتكررة ، والتي سمحت لإسرائيل بـ “تبرير وتسويغ” الاحتلال مع توسيع موطئ قدمها في جميع أنحاء الضفة الغربية.
القيادة الفاشلة
تمسكت القيادة الفلسطينية على مر السنين بأحلامها الوهمية ذات الطريق المسدود لتدمير إسرائيل. فبعد مرور خمسة وسبعين عامًا على خطة التقسيم وإقامة دولة إسرائيل ، ليس لديهم ما يظهرونه في نضالهم سوى القنوط واليأس المستمر لدى الشعب الفلسطيني. وبدلاً من الانخراط في بناء الدولة ، أهدر القادة الفلسطينيون مواردهم البشرية والمادية في تحضير شعبهم للجولة التالية من الأعمال العدائية ضد إسرائيل. وأصبح هدف تدمير إسرائيل شعارهم ، الرقم القياسي الغير مسبوق الذي نجحوا به فقط في خلق عقلية عامة تعتبر إسرائيل الجاني وراء محنتهم.
لقد خدمت إطالة أمد الصراع ببساطة مصالحهم السياسية الشخصية لتوطيد سلطتهم ؛ وعلى الرغم من فشل استراتيجيتهم في المقاومة ، إلا أنهم ما زالوا يرفضون إعادة تقييم سياستهم التي كانت ضارة بقضيتهم وجعلت الصراع أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
كان الجزء الأكثر حزناً في عيوب القيادة الفلسطينية هو فشلها في تلبية احتياجات شعبها. لقد أصغى الناس للوعد الفارغ بأنه بمجرد هزيمة إسرائيل سيكونون أحرارًا وآمنين ومزدهرين وفي سلام لعقود من الزمن، وإذا تغير أي شيء ، فقد تغير إلى الأسوأ. لا يزال ملايين الفلسطينيين قابعين في مخيمات اللاجئين بينما يتم غسل أدمغتهم من قبل قادتهم للنظر إلى إسرائيل على أنها عدو عنيد يجب مقاومته حتى النصر. لقد أصبح توق الجمهور إلى وظائف ذات رواتب جيدة وفرص التنقل والتعليم والرعاية الصحية الأفضل وامكانية النمو والازدهار حلما بعيد المنال ، في حين أن اليأس حقيقي للغاية.
قد يظن المرء أنه بعد 56 عامًا من الاحتلال الذي بدأ عام 1967 بعد حرب الأيام الستة ، أن القادة الفلسطينيون ، والمتطرفون على وجه الخصوص ، أخذوا يدركون أن استراتيجيتهم في المقاومة لإحداث تدمير إسرائيل لم تكن سوى كارثية. إستمرت إسرائيل في الوجود وأصبحت أكثر قوة وازدهارًا من أي وقت مضى مع توسيع موطئ قدمها من خلال بناء المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية ، في حين أن إنشاء دولة فلسطينية أصبح هشًا بشكل متزايد.
ضياع فرص صنع السلام
أضاع القادة الفلسطينيون منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 فرصًا متكررة لصنع السلام. عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي الراحل أبا إيبان عن ذلك بإيجاز عندما قال إن الفلسطينيين “لا يفوتون أبدًا فرصة لتفويت فرصة”. ويكفي هنا أن نذكر فقط القليل من الفرص التي لا يمكن لأحد أن ينازع بها.
أولاً ، بينما قبلت إسرائيل خطة التقسيم لعام 1947 (قرار مجلس الأمن رقم 194) ، رفضها الفلسطينيون وانضموا بدلاً من ذلك إلى الحرب ضد إسرائيل إلى جانب سبع دول عربية انتهت بهزيمة حقيقية ، مما خلق مشكلة لاجئين ضخمة بينما نجحت إسرائيل في احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية.
وبعد حرب الأيام الستة عام 1967 ، رفض الفلسطينيون عرض إسرائيل بإعادة جميع الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وغزة) مقابل السلام ، باستثناء الوضع النهائي للقدس. وفي عام 1977 ، رفض الفلسطينيون دعوة للانضمام إلى مفاوضات السلام الإسرائيلية – المصرية ، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967.
وبدلاً من البناء على اتفاقيات أوسلو 1993 في كامب ديفيد عام 2000 ، أضاع الفلسطينيون فرصة تاريخية أخرى عندما انسحب الرئيس ياسر عرفات في اللحظة الأخيرة بينما كان اتفاق سلام شامل على قدم وساق. وأخيرًا ، في 2007-2008 انسحب الفلسطينيون من المفاوضات ، هذه المرة بسبب الخلاف حول النسب المئوية لتبادل الأراضي.
اندلعت أعنف انتفاضة – الانتفاضة الثانية – في عام 2000 ، التي أذهلت الإسرائيليين وكانت نقطة تحول ذات أبعاد تاريخية. منذ ذلك الحين ، استنتجت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقيادة الليكود إلى حد كبير أن الفلسطينيين ببساطة لا يريدون السلام ، وأن الرغبة في ضم المزيد من الأراضي أصبحت نهمًا على نحو متزايد. صرح نتنياهو نفسه أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية تحت قيادته ، رافضًا التنازل عن شبر واحد من الأرض.
استخدام اللاجئين الفلسطينيين كأداة سياسية
لأكثر من سبعة عقود ، جعل القادة الفلسطينيون مشكلة اللاجئين في مقدمة ومركز الصراع مع إسرائيل. لقد انخرطوا بشكل منهجي في روايات شبعت جمهورهم بفكرة أن حق اللاجئين في العودة هو شرط لا غنى عنه لأي حل ، وإن كانوا يعرفون جيدًا أن إسرائيل لن تسمح إلا بعودة بضعة آلاف فقط في ظل لم شمل الأسرة.
تستمر القيادة الفلسطينية في دعم حق العودة لأنها تعتبره بمثابة الغراء الذي يبقي جميع الفلسطينيين “موحدين” وكشعارعاطفي لحشد الناس لخدمة أجندتهم السياسية الخاصة ، مما يمنح اللاجئين أملاً زائفًا، في حين أنها تطيل فقط أمد محنتهم.
الفشل في الاستثمار في بناء الدولة
فشلت القيادة الفلسطينية بشكل عام في الاستثمار في بناء الدولة. فبدلاً من بناء مرافق رعاية صحية ، ومدارس وبنية تحتية أكثر وأفضل تجهيزًا وجذب الاستثمارات الأجنبية ، فقد بددوا المليارات على مشاريع تافهة. وفي غزة أهدرت حماس مئات الملايين في بناء الأنفاق وشراء الأسلحة وتدريب عشرات الآلاف من الشباب للمعركة القادمة مع إسرائيل. لم يتمكن عشرات الآلاف من الشباب من العثور على عمل محترم ، الأمر الذي حرمهم من الأجور اللائقة لإعالة أنفسهم وحرمانهم من حياة كريمة. كما لا يستطيع الكثيرون متابعة التعليم العالي لأنهم غالبًا ما يضطرون إلى إيجاد وظائف وضيعة لإطعام أسرهم.
وبالتالي ، فإنهم ممزقون بين الاحتلال القاسي وعدم وجود أي أمل في حياة أفضل وأكثر إنتاجية. وأدى فشل السلطة الفلسطينية وحماس في الاستثمار في بناء الدولة إلى تفاقم الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين العاديين وزاد من محنتهم وجعلهم معتمدين على أهواء إسرائيل.
الرواية العامة اللاذعة
يتردد صدى الرواية العامة الفلسطينية اللاذعة بشكل يومي ضد إسرائيل في أذهان الشباب على وجه الخصوص الذين نموا على نحو متزايد في تناغم مع المقاومة بدلاً من المصالحة. هذه الحالة الذهنية تعززها وسائل الإعلام والاحتلال الإسرائيلي المستمر.
علاوة على ذلك ، فإن الانقسام بين الجماعات المتطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي وكذلك السلطة الفلسطينية جعل من المستحيل على هذه الأخيرة أن تخفف حدة روايتها العلنية ضد إسرائيل ، خوفًا من اتهامها باسترضاء الإسرائيليين. وبدلاً من إعداد الجمهور للتعايش السلمي ، فإنهم يسممون الأجواء السياسية بينما يروجون للوهم القائل بأن تدمير إسرائيل وحده هو الذي ينهي استعبادهم ويسمح لهم باستعادة أرضهم. والنتيجة النهائية لهذه الرواية العلنية لم تؤد إلا إلى تعميق قناعة الإسرائيليين بأن الفلسطينيين عازمون على نزع الشرعية عن بلدهم في حين أن الفلسطينيّون في الواقع يقوضون حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة للتعايش السلمي مع إسرائيل.
التلقين في المدارس
يبدأ التلقين العقائدي للشباب الفلسطيني منذ الصغر في المدارس من خلال المعلمين والكتب المدرسية. على سبيل المثال ، تُصوَّر إسرائيل في كتب التاريخ على أنها قوة أجنبية محتلة ليس لها الحق في الوجود.
وفي كتب الجغرافيا ، تغطي “دولة فلسطين” كامل مساحة اليابسة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن. وفي دراسات اللاجئين الفلسطينيين ، يقع اللوم على إسرائيل في التسبب في كارثة النكبة.
وكما لاحظ مارك توين في سيرته الذاتية ، “عندما يتم تدريب حتى ألمع عقل في عالمنا منذ الطفولة على خرافة من أي نوع ، فلن يكون من الممكن أبدًا لهذا العقل ، في نضجه ، أن يفحص بصدق ، ونزاهة ، و بضمير حي ، أي دليل أو أي ظرف يبدو أنه يلقي بظلال من الشك على صحة تلك الخرافة”. تنتقل المعلومات المضللة والحقيقة المختارة حول الصراع مع إسرائيل من جيل إلى آخر ، وتسمم عقولهم وتجعل من الصعب للغاية تعديل وجهات نظرهم ، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا نظرًا لحتمية التعايش.
تمجيد الاستشهاد
غالبًا ما يبحث العديد من الشباب الفلسطينيين الذين لا يشعرون بأي أمل في الاستمتاع بحياة طبيعية ومنتجة عن معنى أكبر لحياتهم ويتأرجحون للاعتقاد بأنهم لا يمكنهم العثور على الخلاص إلا بالموت. ويُمجّد الاستشهاد ، لا سيما عندما يكون السبب الذي يضحون بأنفسهم من أجله هو في مصلحة الأمة بأسرها. ويشير القرآن إلى الشهادة في كثير من المراجع ، منها: “ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يُرزقون” (سورة آل عمران، الآية 169).
وهكذا ، فإن قتل اليهود الإسرائيليين وتخليص أنفسهم من الاحتلال ، بالنسبة لعدد كبير من الشباب الفلسطينيين ، أصبح مهمة مقدسة كما لو أن الله أجازها. ويسعى الكثيرون للاستشهاد لأنه لم يتبق لهم سوى القليل ليخسروه ويعتقدون حقًا أنهم سيفرحون في الجنة بدلاً من الاستمرار في الإذلال والإهانة على الأرض. النتيجة النهائية ، وهي الإرهاب ، أظهرت عدم جدواها لأنه سمح لإسرائيل بتكثيف وحشية الاحتلال باسم الأمن القومي.
أين نذهب من هنا؟
لا يشير أي مما سبق إلى أنه بسبب التضليل المتكرر لقادتهم فقد الفلسطينيون حقهم في إقامة دولتهم المستقلة ، وهو حق منصوص عليه في نفس قرار مجلس الأمن الدولي الذي منح إسرائيل حقها في الاستقلال. ولا ينبغي السماح بمرور الوقت وتغلغل إسرائيل في الأراضي المحتلة بمنع الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم الوطنية. لكن ما تغير منذ عام 1967هو حقائق على الأرض ، مما يجعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق سلام دون تعاون كامل وشامل ومستمر بين الجانبين على جبهات متعددة.
يقودني هذا إلى الاعتقاد بأنه نظرًا لقرب الأردن ، وتركيبته الديموغرافية ، ومخاوفه الأمنية الوطنية المشتركة مع كل من إسرائيل والفلسطينيين ودوره كوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس ، فإن حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني قد يعتمد على إنشاء كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية – أردنية.
سيقدم المقال الثالث والأخير إطارًا لمثل هذا الكونفدرالية والذي قد يوفر الحل العملي الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.