الطريق المسدود بين صربيا وكوسوفو يتطلب التحقق من الواقع
لقد حان الوقت لكي يعود قادة صربيا وكوسوفو إلى رشدهم ويتقبلوا بعض الحقائق التي لا يستطيع أي منهما تغييرها. إنهما عالقان ويجب أن يدركا أن صراعهما لن ينتهي إلا من خلال التفاهم المتبادل لتطلعات كل منهما واحترام سيادته وسلامة أراضيه.
إنني أدين بأشد العبارات مقتل ضابط شرطة من كوسوفو في آخر اشتباك وقع للأسف في شمال كوسوفو. ولسوء الحظ، قد تتكرر هذه الأنواع من الحوادث بسبب تصاعد التوترات بين الجانبين نتيجة لانعدام التفاهم وانعدام الثقة بين كوسوفو وصربيا. ومن أجل منع تكرار هذا النوع من الأحداث المأساوية، فمن الأهمية بمكان أن يبذل الجانبان كل جهد ممكن لتخفيف التوتر ومواجهة بعض الحقائق التي لا يستطيع أي من الطرفين تغييرها.
ومن أجل تعزيز التفاهم بين الجانبين، فمن الأهمية بمكان أن تقبل كل من صربيا وكوسوفو بعض الحقائق على الأرض التي نشأت منذ أعلنت كوسوفو استقلالها.
الحقائق التي لا تقبل التغيير
الأولى هي حقيقة أن البلديات الشمالية تحتلها أغلبية من العرق الصربي. إن العيش في ظل نظام ديمقراطي يمنحهم الحق في اتباع أسلوب حياتهم. ولا تستطيع بريشتينا ولا بلغراد تغيير هذا الواقع، ولا يمكن لأي من الجانبين أو أي قوة أخرى تشير إلى خلاف ذلك أن تتحدى هذا الواقع.
علاوة على ذلك، وبما أن كلاً من صربيا وكوسوفو ترغبان في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فيتعين عليهما أيضاً أن تلتزما بمعاهدة لشبونة (في جوهرها دستور الاتحاد الأوروبي) التي تكرس احترام حقوق الإنسان للأقليات وتعارض أي تغيير إقليمي من خلال “ضمان السيادة الإقليمية للدولة.” ومع ذلك، لا يستطيع أو لا ينبغي لأي مما سبق أن يعرض سيادة كوسوفو للخطر طالما أن الصرب العرقيين ملتزمون بدستور كوسوفو
الثانيةً، يتعين على فوتشيتش أن يدرك أن الاعتراف النهائي باستقلال كوسوفو ليس أمراً قابلاً للتفاوض الآن أو في أي وقت في المستقبل. ومهما طال انتظاره بشأن هذه القضية، فإنها مسألة وقت فقط عندما يتوصل هو أو خليفته في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة.
الثالثًة، على الرغم من أن رئيس الوزراء كورتي يعترف بوجود ما يقرب من 50 ألفًا من العرقية الصربية الذين يعيشون في الشمال وهم مواطنون كوسوفيون، إلا أن إنشاء رابطة البلديات الصربية الذي تم الاتفاق عليه منذ عدة سنوات يجب أن يتم لمنحهم فرصة العيش على الطريقة التي يرونها مناسبة طالما أن بلغراد لن تمارس السلطة التنفيذية هناك تحت أي ظرف من الظروف. إن القول بأن إنشاء هذه الرابطة من شأنه أن يفصل هذه البلديات عن كوسوفو بحكم الأمر الواقع هو قول في غير محله تماما. أجل، إن كل من يتصوّر أن الصرب في هذه المناطق مجرد عملاء يعملون لصالح بلغراد فهو مخطئ أيضاً.
وفي إشارة إلى أعمال العنف الأخيرة، صرّح سفير الولايات المتحدة في كوسوفو، جيف هوفينير، أن “هذه لم تكن مجموعة من المواطنين الذين اجتمعوا بشكل عفوي للتعبير عن مخاوفهم، بل هذه كانت مجموعة مدربة ومنظمة. وهذا يعني أن هناك نوعًا ما من الهيكلية وراءهم بالنظر إلى التدريب والمعدات”. ورغم أن وزير داخلية كوسوفو خيلال سفيكلا ذكر أنه تم العثور على عدد كبير من الأسلحة الثقيلة والمتفجرات والزي الرسمي بعد الهجوم الذي وقع في شمال كوسوفو، فإنني لا أتفق مع استنتاجه بأن هذا يشكل بالضرورة تحضيراً لهجوم واسع النطاق في المستقبل.
يدرك الصرب العرقيّون في المنطقة أنه إذا وقع مثل هذا الهجوم ضد شرطة كوسوفو، فإن كورتي سيكون على حق وقادر بالتأكيد على إرسال قوات كبيرة لقمعه. وفي ظل هذا السيناريو، سيحصل كورتي على الدعم الكامل من قوة كوسوفو الدولية (KFOR). علاوة على ذلك، فإن صربيا نفسها لا تخطط، كما يقترح البعض، لشن حرب مفتوحة ضد كوسوفو، لأنها تعلم تمام العلم أنها ستضطر إلى مواجهة قوات حلف شمال الأطلسي، وهو أمر غير موفق ولا يصب بالتأكيد في مصلحة صربيا على المدى الطويل.
وفي أغلب الأحيان، يُظهِر هؤلاء الصرب العرقيّون الموجودون في شمال كوسوفو ارتباطاً قوياً بصربيا بسبب الارتباط الطبيعي الذي يجمعهم بإخوانهم في ذلك البلد. وبالتالي فإن أي شيء يفعلونه أو يقولونه يُنسب على الفور إلى النفوذ المباشر لصربيا الذي لا يؤدي إلا إلى تعزيز علاقاتهم مع بلغراد بدلا من إضعافها. ومن الممكن أن يتغير هذا إذا شعروا بأنه يتم الاستماع إليهم باعتبارهم مواطنين كوسوفيين. وفي الواقع، على حد علمي، فإنهم يريدون أن يتحرروا من بلغراد مثلما يريدون أن يتحرروا من بريشتينا بمجرد أن تتاح لهم الفرصة.
التدابير المتبادلة
ورغم أن كوسوفو وافقت قبل عدة سنوات على إنشاء رابطة البلديات الصربية، فإذا كان لحكومة كورتي أن تتحرك نحو تنفيذها، فيتعين عليها أن تتوقع في نفس الوقت بعض الخطوات المتبادلة التي تتخذها بلغراد لإظهار حسن النية. وقد يشمل ذلك، على سبيل المثال، السماح لبريشتينا بالانضمام إلى المنظمات الدولية الأخرى والاعتراف بجوازات سفرها وغيرها من الوثائق على مستوى الدولة، وما إلى ذلك، وهو الأمر الذي التزمت به صربيا من قبل.
الدور الذي لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي
وعلى النقيض من آراء رئيس الوزراء كورتي الذي يزعم أن المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي ميروسلاف لايتشاك “فقد حياده”، فإن وساطة الاتحاد الأوروبي تظل لا غنى عنها. إن الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعد محايدا وأنه يعمل بناء على طلب بلغراد هو أمر لا أساس له من الصحّة على الإطلاق. إن الاتحاد الأوروبي ملتزم وسيظل ملتزما بسيادة كوسوفو وأمنها القومي. إن ما يرغب الاتحاد الأوروبي في تحقيقه هو وضع البلدين على طريق الاعتراف المتبادل.
وتحقيقا لهذه الغاية، كما أشرت، لا بد من التوصل إلى تنازلات من الجانبين، وينبغي أن يبدأ ذلك باتفاق بلغراد وبريشتينا على التدابير المتبادلة المذكورة آنفا .يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى ممارسة الضغط على فوتشيتش، وليس فقط على كورتي، للوفاء بالتزاماته. يحتاج منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ولايتشاك إلى التركيز على هاتين الخطوتين الأوليتين والتأكد من التزام الجانبين بتنفيذهما في وقت واحد ضمن جدول زمني متفق عليه بشكل متبادل. وبمجرد الانتهاء من ذلك، سيكون بمقدورهما البناء على هذه الخطوات الأولية واتخاذ المزيد من التدابير المتبادلة التي من شأنها أن تساعد أيضًا الجانبين في الاقتراب أكثر من الاعتراف المتبادل والإنضمام في نهاية المطاف مع الاتحاد الأوروبي.
خطوات التخفيف اللازمة
لا يمكن أن يتم أي مما سبق إلا إذا قام الجانبان أولاً بخفض التوتر المتصاعد من خلال إظهار استعدادهما لاستئناف المفاوضات بحسن نية، مدركين جيداً أنه لا يوجد بديل للمفاوضات للتوصل إلى أي اتفاق.
وبادئ ذي بدء، ينبغي تحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة في الشمال. وكما يعلم الجميع، قاطع الصرب العرقيّون الانتخابات الأولى، ولم يتم انتخاب رؤساء البلديات الحاليين إلا بنسبة 5% فقط. وقد أدى هذا في حد ذاته إلى خلق استياء هائل، ولا يمكن تصحيحه ما لم يتم تحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على كلا الجانبين إنهاء خطابهما العام اللاذع الذي لن يؤدي إلا إلى تعميق عدم الثقة والازدراء تجاه الآخر، وتسميم الجو السياسي والاجتماعي، ودفع كلا الجانبين إلى اتخاذ مواقف متطرفة لحماية مصالحهما، مما سيزيد من تعقيد صراعهما.
علاوة على ذلك، يتعين عليهم أن يستجيبوا لتوصيات الاتحاد الأوروبي، ليس فقط لأنهم بحاجة إلى دعم الاتحاد الأوروبي، بل وأيضاً لأن الاتحاد الأوروبي هو المؤسسة الوحيدة القادرة على المساعدة في تسوية صراعهم وتوفير حافز الإنضمام الذي تطمح إليه صربيا وكوسوفو أثناء تحريك عملية المصالحة إلى الأمام.
وأخيرا، يحتاج فوتشيتش وكورتي إلى تعزيز مصداقيتهما؛ ويتعين على فوتشيتش أن يتوقف عن تصريحاته العلنية بأن صربيا لن تعترف أبداً بكوسوفو، ويتعين على كورتي أن يقبل أن البلديات ذات الأغلبية الصربية في الشمال لها الحق في العيش وفقاً لثقافتها ودينها وتقاليدها، والتي تتفق مع الديمقراطية ودستور كوسوفو تحت مظلة الإتحاد.
إن التعايش السلمي والاعتراف المتبادل بين كوسوفو وصربيا لا يشكل أحد الخيارات العديدة، بل هو الخيار الوحيد. ولن ينتهي الصراع بينهما على أساس المحصلة الصفرية حيث يستفيد أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر، بل فقط على أساس المحصلة غير الصفرية حيث يستفيد الطرفان بشكل متبادل لضمان استدامة أي اتفاق.
وفي التحليل النهائي، يتعين على كل من الزعيمين أن يُظهِر الحنكة السياسية والشجاعة في اتخاذ خطوات جريئة والتي بدونها سوف يترك كل منهما المشهد السياسي في حال أسوأ مما كان عليه عندما تولى السلطة.