هل تستطيع حماس أن تنقذ نفسها ؟
الآن وقد دخلت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، مع بعض العقبات المستمرة، فإن السؤال المطروح هو: هل ستليها المرحلة الثانية، وما هو الدرس الذي تعلمته حماس، إن وجد، بعد خمسة عشر شهراً من الموت والدمار المروّعين؟
تقدّم المرحلة الأولى الحالية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بداية طيبة نحو إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. فهي تخفف جزئياً من معاناة بعض الرهائن الإسرائيليين وأسرهم والسجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، وتوفر المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الفلسطينيون بشدة في غزة. فضلاً عن ذلك، تدعو الهدنة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في غزة وعودة الفلسطينيين إلى مدنهم وأحيائهم. ومن المؤسف أن المرحلتين الثانية والثالثة من الهدنة للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم وإعادة كل الرهائن في مقابل عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين من غير المرجح أن تكتملا.
هل حماس قادرة على الخلاص؟
لقد نُقل عن قادة حماس، وخاصة يحيى السنوار، مراراً وتكراراً قوله إنه حتى لو قُتل 100 ألف فلسطيني في نضالهم لتحرير فلسطين، فإن ذلك يستحق العناء. ولكن كم من المدنيين الفلسطينيين، الذين تحطموا جسدياً وعاطفياً ونفسياً ومادياً خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، سيوافقون على أن تقديم مثل هذه التضحيات في السعي لتحقيق هدف وهمي يتمثل في تدمير إسرائيل يستحق الموت والدمار الذين تحملوه.
تزعم حماس أنها تقاتل نيابة عن رفاهية شعبها، لكنها لم تفعل شيئاً سوى استغلال وإساءة معاملة شعبها لخدمة أجندتها المسلحة. لقد أهدرت المليارات على مر السنين لبناء الأنفاق بدلاً من المنازل؛ وصنعت واشترت الأسلحة بدلاً من بناء المدارس ومؤسسات التعليم العالي والمستشفيات؛ وجنّدت ودرّبت عشرات الآلاف من الشباب للقتال والموت من أجل قضية خاسرة بدلاً من تربية جيل جديد من العلماء وفنيي الكمبيوتر والمهندسين الإنشائيين. وبدلاً من حماية الناس من الأذى، تستخدمهم كدروع بشرية.
إذا كانت حماس تهتم بشعبها، فربما يتعيّن عليها إجراء استطلاع رأي وطرح سؤالين بسيطين على الفلسطينيين العاديين: هل تريدون الإستمرار في النضال ضد إسرائيل لجيل أو جيلين آخرين والمعاناة حتى يوم الخلاص الذي قد لا يأتي أبداً ؟ أم يتعيّن علينا أن نتنازل ونتفق على حلّ سلمي ونواكب الإستقرار والرخاء والنمو مع جيراننا الإسرائيليين؟
إن حماس وكل فلسطيني يعرفون الإجابة. فبعد أن تحملوا الجحيم طيلة الأشهر الخمسة عشر الماضية والعقود من الإحتلال والحصار، فإنهم لا يريدون أن يقاتلوا لمدة خمسين عاماً أخرى فقط ليموتوا على مذبح مهمة حماس الإنتحارية التي تهدف إلى تمجيد الذات. وينبغي أن تدفع الظروف المتغيّرة على الأرض حماس إلى التوقف والتأمل في عبثية استمرار المقاومة العنيفة. لا بدّ وأن أعترف بأن حماس، بالنظر إلى عقيدتها، من غير المرجّح أن تغيّر من توجهاتها. ومع ذلك، فإن إلقاء الضوء على ما يجري على الأرض قد يسمح لحماس بإنقاذ ما تبقى من جلدها وتعزيز تطلعات الفلسطينيين إلى إقامة الدولة قبل فوات الأوان.
مواجهة الحقيقة المرّة
عندما تقاتل حماس إسرائيل التي تعتبرها تشكّل التهديد الوجودي بالنسبة لها، سواء كان حقيقياً أو متخيّلاً، حاضراً في كل مكان، فيتعيّن على حماس أن تعلم أن إسرائيل لن تدّخر جهداً أو سلاحاً لاستئصال مصادر مثل هذا التهديد. فهل تدرك حماس أنها لن تتمكن أبداً من التغلب على إسرائيل عسكرياً؟ وهل ستتخلى عن المقاومة العنيفة لصالح الحل السياسي من خلال اغتنام فرصة وقف إطلاق النار، وخاصة الآن بعد أن بلغ التعاطف الدولي مع المحنة الفلسطينية أعلى مستوياته على الإطلاق؟
فشل المقاومة المسلّحة
تنبع المقاومة المسلّحة التي تشنها حماس ضد إسرائيل من اعتقادها بأن “فلسطين هي قلب الأمة العربية والإسلامية وتتمتع بمكانة خاصة… فلسطين هي الأرض المقدسة التي باركها الله للبشرية”. ولكن ماذا يمكن لحماس أن تظهره بعد عقود من المقاومة العنيفة سوى الموت والدمار وترك كل سكان غزة تقريباً، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، في حالة من الخراب والدمار لا يعرفون ما ينتظرهم من رعب؟
ازدراء ترامب لحماس
يجب أن تدرك حماس أن ترامب، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، لن يمانع في رؤية حماس محطمة بالكامل. لقد قال ترامب بالفعل إنه سيزود إسرائيل بأي نظام أسلحة تحتاجه لضمان أمنها وردع أي عدو عن تهديدها. وقد طرح للتو فكرة سخيفة ومجنونة أخلاقياً تتمثل في اقتلاع الفلسطينيين في غزة وتوطينهم في الأردن ومصر، “لتطهير” غزة كما قال.
ينبغي أن تعلم حماس أن ترامب لا يهتم بالفلسطينيين، مما يشجع نتنياهو على إفشال المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار واستئناف الحرب للقضاء على حماس. ولمنع حدوث ذلك، يجب على حماس الإلتزام الكامل بشروط وقف إطلاق النار وحرمان نتنياهو من الذريعة لاستئناف القتال. هل ستفعل ذلك ؟
العامل السعودي
يهتم ترامب بشكل كبير بتوسيع اتفاقيات إبراهيم من خلال السعي إلى التطبيع السعودي – الإسرائيلي؛ فقد وافق السعوديون على ذلك بشرط أن تنشئ إسرائيل مسارًا واضحًا من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. لقد أخبرني مسؤول سعودي سابق رفيع المستوى أنه إذا ظلّ الفلسطينيون، وخاصة حماس، على موقفهم المتصلب، فإنهم سيضعون مصالحهم الوطنية في المقام الأول. وسوف يقومون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وإبرام معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة ولن يصروا بعد الآن على مسار واضح نحو الدولة الفلسطينية بل سيكتفون بشيء غامض يقبله الإسرائيليون بسهولة.
حماس، التي سعى هجومها في أكتوبر/تشرين الأول إلى وقف المفاوضات بشأن التطبيع السعودي – الإسرائيلي، لن تكون في وضع يسمح لها بعرقلة استئناف هذه المفاوضات. ونظراً لأن اعتقاد حماس بأن “القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية” ليس مقبولاً بالإجماع بين المسلمين، بما في ذلك السعوديون والفصائل الفلسطينية الأخرى، فإن حماس تستطيع إنقاذ ماء وجهها باستخدام السعوديين – كممثلين للإسلام السني – كغطاء لتبرير موقفها المتغير. هل ستفعل ذلك؟
تهميش إيران وحزب الله
لعقود من الزمان كانت حماس متلقية للمساعدات المالية والعسكرية من إيران، في حين وقف حزب الله متضامناً مع حماس لمواجهة إسرائيل. وبعد 15 شهراً من الحرب المدمرة، وجدت حماس نفسها مدمرة عسكرياً وتقف وحدها. لا إيران ولا حزب الله يستطيعان أن ينقذا حماس. فقد أضعفت إسرائيل قدرات حزب الله العسكرية بشكل كبير وحطمت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في حين جعلت ترساناتها من الصواريخ الباليستية غير فعالة في ضوء الدفاع الجوي الإسرائيلي الذي لا يمكن اختراقه. وبعد أن تعرضت إيران وحزب الله للضرب من قبل إسرائيل، فإنهما غير قادرين على مساعدة حماس.
الدفع باتجاه استئناف الحرب
يتعيّن على حماس أن تدرك أنه على الرغم من أن حكومة نتنياهو وقّعت على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار تحت الضغط، فإن نتنياهو وعدد من الوزراء اللذين لا يكترثون بعدد الجنود الإسرائيليين الذين قد يقتلون في هذه العملية، يريدون استئناف الحرب للقضاء على حماس ومنعها من إعادة بناء نفسها في غزة. ولا تستطيع حماس إقناع نتنياهو ووزراءه المحرّضين على الحرب من استئناف الحرب إلاّ بالخروج من أنفاقهم بزي عسكري جديد وسيارات نظيفة والتلويح بأعلام حماس وحمل بنادقهم كما فعلوا عندما عرضوا الرهائن الأربعة أمام حشد من الناس قبل إطلاق سراحهم. ورغم أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير أيديولوجية حماس، فإنها قد تدمّر ما تبقى من القدرة العسكرية لحماس. ولكن هل ستستجيب حماس لهذا السيناريو المحتمل قبل فوات الأوان؟
لقد أحدث هجوم حماس في أكتوبر/تشرين الأول والحرب الإنتقامية التي شنتها إسرائيل تغييراً جذرياً في ديناميكية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهناك العديد من العوامل، بما في ذلك الظروف المتغيّرة والإرهاق ونضوب الموارد والجمود المطوّل والمكلف وغياب الخيارات الأخرى القابلة للتطبيق وديناميكيات القوة المتغيرة والمكاسب المتبادلة المحتملة التي تنطبق في الأغلب على حماس.
وفي سياق هذا التغيير، سوف تكون حماس حكيمة بما يكفي لاستكشاف كلّ فرصة لإنهاء هذا الصراع الذي يستهلك كل قدراتها وتقديم أفق جديد للجيل القادم من الفلسطينيين الذين يستحقون واقعا ً أفضل مما قُدِّم لهم على مدى أجيال. وإذا فوّتت حماس هذه الفرصة، فإنها ستفعل ذلك بما يلحق الضرر بها وعلى مسؤوليتها.