تهديد ايران النووي
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط
إن إخفاق إدارة بوش في إقناع أو إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية خلال الأعوام الستة الماضية قد زاد من خطرها في الوقت الذي خفّض الآمال لحل سلمي. على الولايات المتحدة الآن أن تطور إستراتيجية جديدة لإنهاء برنامج إيران النووي. وأي شيء أقل من ذلك سيدفع الشرق الأوسط إلى حافة حريق نووي هائل.
ومنذ البداية, فإن محاولة السيد بوش الواهنة العزم في التعامل مع برنامج إيران النووي قد سمح لإيران بخداع واشنطن في لعبة المخاطرة (Brinkmanship) وتكسب الوقت الذي كانت بحاجة له للقيام بتطوير هائل في مسعاها لحيازة الأسلحة النووية. إن رفض إدارة بوش إجراء مفاوضات مباشرة والاستحواذ بتغيير نظام الحكم في إيران والانشغال الكامل في العراق قد منح إيران الوقت والقوة التي كانت تحتاجها لرفض التفاوض بالشروط الأمريكية مشجعة إياها في نفس الوقت لتحدي واشنطن بدون خوف من الانتقام أو الردع. وإبان ذلك لم تحرز بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي كانت تمثل الإتحاد الأوروبي سوى تقدما ضئيلا في مفاوضاتها المتقطعة مع إيران. وفي الوقت الذي قدمت فيه هذه الدول لإيران حوافز اقتصادية سخية ووعد بأن يدخل الأمريكيون في المفاوضات إذا أوقفت طهران برنامجها لتخصيب اليورانيوم, كانت إيران تسبح في بحر من عائدات النفط التي قاربت على 100 مليار دولار أمريكي من العملة الصعبة. وإبان ذلك, رفضت طهران الانصياع لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعوها لإنهاء برنامجها لتخصيب اليورانيوم حتى نهاية شهر أغسطس. يعتمد رجال الدين الحاكمين في طهران على روسيا والصين اللتين لهما مصالح جوهرية في نفط وغاز إيران لمنع أية عقوبات اقتصادية مؤثرة من فرضها على إيران بقرار لاحق من مجلس الأمن الدولي. الصورة كئيبة وإدارة بوش مضطرة لتسوية القضية بأي ثمن. وما لم تتخلى الإدارة عن سياستها الحالية تجاه إيران وتتخذ مسارا أشد جرأة, فإن الأمر سيفضي بها في نهاية المطاف إلى كارثة.
لقد لعبت إيران بنجاح على عامل الوقت بالتأجيل والتأخير واللجوء إلى الغموض والتناقضات, وقد وقعت الإدارة الأمريكية مرارا وتكرارا فريسة لهذه الخدع .وبدلا من هذا كله, ما يحتاجه البيت الأبيض هو أن يعرض على إيران إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة وغير مشروطة معها ومع شركائها الأوروبيين
لفترة محدودة قوامها ثلاثة أشهر, حيث يجب خلال هذه الفترة التوصل إلى تسوية تفاوضية ترضي كلا الطرفين, الولايات المتحدة الأمريكية وإيران, ويتم دعمها بالكامل من قبل روسيا والصين. سيسمح هذا الحل لطهران أن تستمر في تخصيب اليورانيوم خلال فترة المفاوضات فقط, الأمر الذي سيلبي مطلب إيران الرئيسي. ولكن التعليق الدائم سيكون نتيجة هذه المفاوضات بدلا من أن يكون شرطا مسبقا لها. أما الخيار الثاني الذي تمّت مناقشته فهو: في حالة السعي وراء عقوبات اقتصادية تفرضها الأمم المتحدة كما تهدّد بذلك الإدارة الأمريكية، لن يكون هذا الخيار فعّالا لأنه لا يتعدّى أن يكون ستارا من دخان. لن توافق روسيا والصين على دعم أي قرار واهن ليس بالمقدور تنفيذه دوليا ولا يسبّب ضررا فعليا لإيران. وسينتهي هذا الخيار الثاني بإعطاء طهران المزيد من الوقت للتقدّم في برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
ولكن بقبولها بالتفاوض مباشرة مع الإيرانيين وبتخليها عن سياسة تغيير النظام في طهران وبتوفير حوافز اقتصادية مغرية لإيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات ستمنع الإدارة الأمريكية إيران من إثارة روسيا والصين ضد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ستكون الولايات المتحدة تحت هذه الظروف فقط في مركز قويّ يسمح لها أن تطلب الدّعم الكامل من الروس والصينيين وتحصل عليه. وبالرغم من أن روسيا والصين بصفتهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي مسئولتان عن القيام بأي شيء في وسعهما لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، غير أنهما لن تخاطرا بعقودهما التجارية المربحة في إيران إلا إذا تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل فعليّ بتسوية تفاوضية للأزمة. وسيؤكّد أيضا قيام أمريكا بتغيير إستراتيجيتها على خطورة الوضع لأن لا روسيا ولا الصين تريد أن ترى استثماراتها في إيران تتبخّر مع الدخان المشعّ. ستدرك الدولتان أيضا بأن ليس لديهما ما يخسرانه بل شيئا ملموسا يكسبانه إذا بقيتا حازمتين في وجه التهديد الإيراني لأن إيران سترضى بحلّ توافقي فقط إذا لم ترى مخرجا آخرا.
وإذا فشل المجتمع الدولي في إنهاء برنامج إيران للتسلّح النووي سيؤول الأمر لإسرائيل للتعامل مع هذا التهديد بكلّ أبعاده الكارثية المأساوية. إن نقطة اللارجوع ( وهي النقطة التي تسيطر عندها طهران على تكنولوجيا إنتاج الأسلحة النووية ) تبدو لإسرائيل قريبة جدا حيث تقدّر دوائر الاستخبارات الإسرائيلية بأن إيران قد تصل إلى هذه النقطة خلال عامين وليس خلال مدة الخمسة إلى عشرة أعوام التي قدّرتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). لقد هدّد رئيس إيران مرارا وبدون لبس حقّ إسرائيل في الوجود، ولن تصل أية حكومة إسرائيلية حدّا من الغباء لا تأخذ عنده هذه التهديدات بمنتهى الجديّة. لقد أعطت الحرب في لبنان
إسرائيل هزّة عنيفة. إيران المسلّحة نوويا لن تنوي فقط على " تدمير مكانة إسرائيل النووية" كما أوردت حديثا الصحيفة الإيرانية " كايهام " (Kayham) في افتتاحية لها، بل إن هدفها، كما يعتقد الكثير من الإسرائيليين، هو إبادة إسرائيل. إن التهديد الإيراني من وجهة النظر الإسرائيلية واقعيّ جدا، وعلى المجتمع الدولي أن يفتح عينيه ويتخذ إجراءات متناسقة لتجنّب كارثة بأبعاد فظيعة.
يجب على الظروف التي من المفروض أن تجري فيها المفاوضات ألاّ تترك أدنى شكّ لإيران بأن الفشل في التوصّل إلى اتفاق لن يؤدي ببساطة إلى عقوبات اقتصادية عاجزة بل إلى استخدام تكتيكات إلزامية أخرى شاملة الحصار بأنواعه وإجراءات أخرى غير محدّدة من شأنها أن تحدث تأثيرا مدمّرا عليها. المسئولية تقع على إدارة بوش لتعمل كل ما بوسعها لإزالة الخطر النووي الإيراني المحدق.